المقال السابق

لبنان  بري : ليستولد اللبنانيون قيم الوحدة والخلاص للوطن 
24/12/2019

المقال التالي

لبنان هاشم: تحويل مليارات الدولارات الى البنوك السويسرية يستوجب تحرك القضاء
24/12/2019
ثقافة و تربية مثقفو البترودولار... اغتالوا التاريخ والحاضر والمستقبل...!؟


*مصطفى قطبي
لقد اعتقد بعض المثقفين المزيفين أنهم بالذهاب إلى أبعد الحدود في محاربة دولهم وشعوبها فهم بذلك يكسبون التاريخ، ويخلدون في ضمائر الناس، وهذا هو الفجور بعينه أو إنهم بذلك يصبحون ''مثقفين ثوريين'' أو''مثقفين نضاليين''، أو''مثقفين متحررين''، ناسين أمراً مهماً جداً هو أن ''المعرفة لا تولّد الأخلاق، وأن الأفراد المثقفين ليسوا بالضرورة أناساً صالحين'' كما يقول جان جاك روسو، وأن التاريخ، منذ الأزل، رغماً عن ''إنسانيتهم'' و''سموّ'' أهدافهم، يكتبه الأقوياء، ويذهبون هم أوّل ضحاياه. 

منذ أطلق الغربُ المتوحش خرافة ''الربيع العربيّ'' تكشّفَ غيرُ قليل من ''المثقفين'' العرب عن غير غراب، بل عمّا هو أكثر سواداً منه في الخيانة والخداع والأذى، فهُرع إلى تلك الخرافة، وورّمها تمجيداً، وتصفيقاً، وتهليلاً، مشكلة هؤلاء المثقفين العرب، أنهم مفضوحون وإن لاذوا بعتمة الوضعيات الاستثنائية في تاريخ القلاقل والأزمات، إلا أنهم يمثلون بمواقفهم البهلوانية الانتهازية سلعاً مطلوبة لمن يحترفون سياسة التعجيل أو التأجيل، الإضمار أكثر من الإظهار، تمرير الأفكار والبرامج في الأوقات الحرجة الاستثنائية بتعلة الاستفادة المؤقتة من كفاءات هؤلاء الذين عوّدونا في كل حين على ألاعيب القول ورقصات الفعل وغدر اللغة بالتحايل على بلاغتها عند تحويلها من شرف الكيان إلى أكاذيب البيان...
للأسف الشديد فقد فاحت رائحة الفساد من أولئك (المثقفين) الطارئين على الحياة الثقافية العربية، أولئك الناعبين على الشاشات، ولم تفلح الكاميرات المتطورة في إخفاء أحقادهم وجهلهم، حيث ترتبك وجوههم ليس بسبب بقايا ضمير بل استعجالاً لانطفاء الأضواء وتلقي المغلفات المحشوة بقليل من الدولارات ولاحقاً اليورويات، وكنت أحسب أن للفساد ميادينه في كل علاقات البشر التي ينهب فيها الطامع بعض المغفلين أو الخانعين، ما خلا الكلمة والثقافة، لأنني ظننتهما مقدستين كعتبات بيوت الله، فإذا بالمتعيشين الذين لم أسمع أحداً منهم يتقن لغته الأم يتمسحون على أعتاب العواصم الغربية والبترولية على حد سواء ليقبضوا ما لا يساوي قطرة واحدة من دم الوطن العربي، وهل من غرابة أن يطعن العاق أمه التي نسي حتى صفاء مفرداتها وأصالة روحها؟ 
لقد تولى الإعلام الخليجي الأسود وفي الغرب مهمة تجميل العديد من المفاهيم المدانة عربياً، وشيطنة المضامين الوطنية والقومية التي تصب في مصلحة العرب والعروبة، وقد اعتبر الإعلام المضلل صراع الوجود مع المحتل الصهيوني ''نزاعاً''، ولقاءه ''حواراً''، واستبدلوا مفردة ''العدو'' بعبارة ''الآخر''، وروجوا لثقافة الاستماع لهذا ''الآخر'' واحترام ''رأيه''، وجعلوا من الخيانة ''وجهة نظر''، وصوروا المستعمرَ ''حليفاً''، والمقاومةَ ''إرهاباً''، وأسموا الاستسلامَ للعدو ''سلاماً''، والاعترافَ به ''واقعيةً''، والتعاونَ معه ''مصلحةً وطنية''، وأصبحت القواعد العسكرية الأجنبية في دول الخليج وبعض الأقطار العربية، يزيد تعداد جنودها عن تعداد سكان البلاد الأصليين، واعتبروا هذا التفريط بالسيادة ''من دواعي الحرص على السيادة''، وصارت التبعية ''إنجازاً''، والرشاوى السياسية ''مساعدات''، وغدا انتهاك السيادة الوطنية ''احتراماً للمعاهدات''، ووُصِفت أرذل جرائم العصر على أرض العرب بأنها ''ربيع العرب''، وصار تنظيم القاعدة وفروعه ''معارضة وطنية''، وأضحى الإرهاب ''جهاداً''، والقتل الجماعي ''تطبيقاً لشرع الله''، والحديث في هذا المجال يطول.

والتلاعب بالألفاظ لم يعد يقتصر على المفاهيم فقط، بل تعداها إلى مسميات الأحداث الأليمة التي نالت من جسد عروبتنا المكلومة، فغدا لكل حدث مهين تسمية جذابة، تخفي خلفها قبح الواقعة وسوء الحدث، ومن أمثلة ذلك: أن معاهدة ''كامب ديفيد'' الاستسلامية سميت ''اتفاقية سلام'' وغدا احتلال أمريكا للعراق ''تحريراً للعراق'' ومؤامرة سلخ جنوب السودان ''تقرير مصير''، والدول التي تآمرت على سورية أسموها ''أصدقاء سورية''، وتطاول الإرهابيين على الشرعية في سورية أسموه ''ثورة''، وعدوان آل سعود على اليمن وتدميره أسموه ''حماية الشرعية''، ورغم تمسك الشعب السوري والجيش بقيادته الشرعية، اعتبروا من طرفهم أن القيادة السورية فقدت شرعيتها... 
ويمكن القول إن ''مثقف الدولار'' اليوم بات كياناً واضح المعالم، مكتمل البناء، بشروط ومواصفات وأنماط أداء محددة. فقد أورثه الاستبداد السياسي، ومعه التسلط المستمد قوته من التفسير الخاطئ للدين و''سلطة العوام''، خوفاً تقليدياً يمكن تفهمه، خصوصاً وقد تعرض مثقفون حقيقيون من خيرة صناع ثقافتنا ومبدعيها لهجمات شرسة مريرة، استهدفت حياتهم، أو أودعتهم السجون، أو ألجأتهم إلى المنافي، وحطت من شأنهم بين العوام. وبات قطاع من ''مثقفي الدولار''، إلى ذلك، مأخذوين بالتطور الاقتصادي المادي في نزعاته الاستهلاكية، التي شهدت حدوداً قياسية من السفه والجنون أحياناً، فلجؤوا إلى توظيف أرصدتهم العلمية والثقافية لزيادة نفوذهم الاجتماعي، وتعظيم مردودهم الاقتصادي، أو تحسين أوضاعهم السياسية، فانتهوا إلى عكس كل ما بدؤوا به، وبعدما كانوا مضرباً للمثل في العلم والخلق والوطنية أحياناً، صاروا جديرين بالاحتقار، الذي ما لبث أن عزّ عليهم حصده، فلم يبق لهم سوى الشفقة، ومن بعدها الرثاء. 
وعف آخرون فقبضوا على مواقفهم تجاه السلطات الثلاث، بعضها أو معظمها، وراحوا يمولون بقاءهم من مصادر أخرى، من منظمات أجنبية وجمعيات مشبوهة تحت عناوين براقة، وفي الأحوال كلها حافظ معظم ''مثقفي الدولار'' على خطاب دائري عقيم، ولغة تسفيهية، وجدل أجوف، مستخدمين مصطلحات العمالة والتخوين، وعازفين عن أي فعل إيجابي يمكن أن يطرح بديلاً لائقاً لتبنيه والبناء عليه. وبالإضافة إلى تلك الاعتوارات كلها، بات ''مثقف الدولار'' متمترساً في أيديولوجيته، طالباً من نظرائه الاصطفاف خلف تياره، وإعلان هوياتهم لا إعلان مبادئهم. يعاملك ''مثقف الدولار'' كتابع مفترض ذليل، ويفترض فيك الانضمام إليه والحديث برأيه وربما استخدام تعبيراته، وهو جاهز باتهامك بـ''البيع'' أو ''الانتهازية'' أو ''العمالة'' وفي أفضل الأحوال بـ''الاستلاب'' و''السفه'' إن أنت لم تتفق مع طروحاته وأفكاره.
ونسأل بكل هدوء: لماذا هذا الغياب الآثم لعدد من مثقفينا وكتّابنا عن أوجاع أوطانهم وأمتهم ومستقبل أبنائهم وبناتهم فلذات الأكباد؟ ولماذا هذا الانكفاء عن ممارسة دورهم التنويري، مع أنّ غالبيتهم كانوا ـ ما شاءَ اللهُ  ''نجومَ الساحة الثقافية''، ''بلا حسدٍ''، فلا تفتح صحيفة أو مجلة أو دوريّة إلا وتجد أسماءهم وصورهم لمّاعة مُتصدّرة، إضافة لحضورهم ''عالي المقام'' بهذه الفضائية أو تلك، وبهذا المركز الثقافي أو بتلك الندوة الحوارية، وهم يتشدّقون وينظّرون عن الثقافة، وقيمتها العالية بحياة الأمم والشعوب، وعن دور المثقف الرّائد بمجتمعه ووطنه وأمته؟ لكنّ العقوق والسّمسرة والسّكوت عن قول الحق، لم تكن يوماً من أدبيّات الأدباء، ولا من أخلاقيات المثقفين البتّة! 
والسؤال المتكرّر: أين موقفهم الصادق من قضايا الثقافة الوطنية أولاً وبالسّاحات العربية تالياً؟ وأيّ مستقبل للثقافة العربية برمّتها في عالمٍ عولميّ متغيّر، إنْ لم ننتبه ونتيقظ؟! 
إنهم يؤكدون في كل لقاءاتهم وندواتهم، أنّ من واجب المثقف الغَيور، وبدواعي شرف المهنة والخلق، أن يكون مدافعاً بقلمه وصوته عن قضايا وطنه أولاً، وهو يتحدى أشرس فكر''صهيونيّ ـ ماسُونيّ ـ غربيّ'' حاقد عرفه العالم منذ بدء الخليقة حتى الآن! ولكنّ الناقد العاقل يرى أنّ هذا المثقف ''المُوجَز'' كاذب على نفسه أولاً، وعلى مجتمعه ووطنه ثانياً، وعلى حاضر الثقافة ومستقبلها ثالثاً، لأنه لم يحترم حرفة الكتابة والإبداع، ولم يكن أميناً على نِتاجه الثقافي والفكري والمعرفي الذي تنكب دربه سنوات، عاداً إياهُ السبيلَ الأسمى والأرقى والأجمل بالحياة... وكان ينبغي أن يقصر اهتمامه على ما يدخل ضمن النطاق الوطني والعروبي والإنساني من فضائل وحقائق ومواقف مبدئية، وأن يعرف أنّ كلّ ''الشعوب'' تسعى وراء الممارسات الثقافية لجعل وجودها أكثرَ ديناميكية وحياة ومَعنَى، فإذا لم يكنْ دوره كذلك، فإنه لا قيمة لما يصدر عن قلمه ''الريّان''، وصوته ''الرّنان''، ويكون كَمَنْ يحرث البحرَ تماماً! 
لقد أثبت أغلب المثقفين الثورجيين العرب، الذين يهاجمون ويزايدون ويعدون أنفسهم أشرف وأكثر وعياً وحرية، أنهم لا يختلفون عن شيوخ التكفير والفتنة الذين يتاجرون بالدين والدماء، وأن الثقافة عندهم ليست إلا مجرد مهنة يمتهنونها مثل أولئك الشيوخ الذين يمتهنون الدين، أي ليست دفاعاً عن الإنسان المظلوم، لكن للتكسب والارتزاق، فهم لم يكونوا كما كنا نتمنى مفتاح الأمان الذي كان في إمكانه أن يكبح غرائزية الغوغائية الحيوانية لمصلحة العقلانية الإنسانية، إنما استطاعوا وبفضل ميديا الذهب الأسود أن يكونوا عبارة عن عملة مزيفة براقة لا رصيد لها إلا عند من لا يفهم أبداً في الثقافة.
لقد كان من المفترض بالمثقف، على اعتبار إمكاناته العقلية، أنه قادر على قياس الأمور وحسابها بالشكل الذي توفر على من يدعي الدفاع عنهم الأضرار والمآسي، ولكن المثقف العربي بشكل عام لم تستطع ثقافته أن تقدّر الأمور بالمستوى المطلوب، ربما لأن المال والحقد أو كليهما أعمياه عنها، لذلك وصل وأوصلنا معه إلى كل الشناعة والبشاعة والقرف التي حصلت، نحن الذين عولنا عليه في محاكمة حركة التاريخ محاكمة ناضجة قادرة على تلافي ما حصل، والخروج به بأقل الخسائر الممكنة. 
اليوم، لم يعد ثمة وقت للتسكع ثقافة أو فكراً... ولا حتى في المقاهي وعلى الأرصفة، ولم يعد ثمة جدوى لمراكمة المزيد من الثقافات والمعارف فوق ما تراكم منها ويكاد أن يتعفن، ولم يعد ثمة هوامش وأرصفة ومقاهٍ للحياد أو الصمت... واستخدام حاسة النظر فحسب في تأريخ ما يجري وتسجيل وقائعه كما لو أنه يدور في بلاد الواق الواق، لا وقت لحياد المؤرخ ولا لحكمة الفيلسوف ولا لعزلة المتصوف الزاهد، يمنع كل من انتخب نفسه أو انتخبه الآخرون مثقفاً من أن ينخرط غوصاً حتى أذنيه في نقاش حول ما يجري وحوار حوله، بخاصة أن موضوعة النقاش والحوار إياه هي الأوطان، وبكل ما تعنيه هذه الموضوعة من فلسفة أن نكون جميعاً أو لا نكون... جميعاً أيضاً.‏
 فثمة لحظات فقط لمحاكمة عقلية يجريها كل منكم بينه وبين ذاته، بين أن يكون مثقفاً عضوياً ملتزماً، مبدعاً ورائداً ومبادراً... وبين أن يتحول إلى قرص مضغوط على رف مهمل ومغبر أو في جهاز كمبيوتر لا يجيد سوى اللغو والتكرار... والاجترار! فثمة لحظات فقط ليصوب كل منكم المفاهيم والرؤى، فلا تعود الثورة فوضى من دم وركام بل حياة جديدة متجددة، ولا تعود الديمقراطية صناديق وطوابير وأوراقاً بيضاء بل وعياً وسلوكاً أولاً، ولا يعود الوطن سوق بازارات ومساومات بل حرية وسيادة واستقلالاً! 
منْ هنا، أريدُ أنْ أسألَ سؤالاً صغيراً: لماذا تقدَّمَتْ الشعوب العربية من الناسِ العاديّين، في الأزمةِ  التي يعيشها الوطن العربي، وكانتْ فاعلةً في الواقعِ ومؤثِرَةً على الأرضِ ومدويةً في الفضاءِ، وكانتْ عاملاً حاسماً في تحديدِ مُرتسماتِ الواقعِ وإشاراتِهِ، بينما تأخرَ فعلُ المثقف. لماذا؟. 

وعنْ أيِّ مثقفٍ تبحثُ الناسُ، اليوم؟ هل تبحثُ الناسُ عن المثقفِ الدَّجّال الذي صارَ الوطنُ لديه وجهة نظرٍ يُمكنُ المساومة فيها وعليها؟ أم المثقف التّاجر الذي يعرف منْ أينَ تُؤكَل الكتفُ فيشتري بإسمِ الدّين ويبيعُ بإسمِ الوطن؟. أم المثقف المتغطرس الباحث عن التصفيقِ الخارجي ويدّعي في كلِّ مرّة أنّ الحقيقةَ ملكُ يمينِهِ؟ أم تبحثُ النّاس عنِ المثقفِ الإقصائي الإلغائي أو المتناقض المهزوز الّذي يخلط بين ما هو خاص وعام في كل من الوطني والقومي؟ أم المثقف الكذاب الذي هو ضدّ الإسلامِ السّياسي مرّةً ومع الإسلامِ السّياسي دفعةً واحدة؟ أم تبحث عنِ المثقفِ المُراوِغِ الذي يرى في استنساخِ الحالةِ الليبيةِ في باقي الدول العربية ضرورة وفي استجرارِ تدخلٍ خارجي مهمّة أوكلها له التاريخ و الشّعب معاً؟ أم تبحثُ عن ذلك المثقف الذي يقولُ في نهارِهِ أقوالَ النواميسِ ويفعلُ في ليلِهِ أفعالَ الجواميس؟ عنْ أيّ مثقفٍ تبحث النّاس؟.
أليس من أبسط واجباته أن يحرّك الساكن والراكد والمتكلس بقلمه، وبصوته، وبكل أشكال حضوره؟ وأن ينخرط في قضاياه في لحظة مصيرية؟ وأن تشغله هذه القضايا، ليجهر برأيه ويعلن رؤيته بنقاء وشفافية، غير عابيء بتبعات ما يجرّه عليه الجهر برأيه، أو الإنتقاد الذي قد يكون مرّاً؟ بخاصّة وأن الساحة مفتوحة على اتساعها للجميع والأيدي ممدودة... ولكن، ما أقصرها من فرحة!! كفرحة حقل متعطشٍ لموسم المطر، فإذ بالغيث المنتظر يتجمّد، ويحرن، ويتصلب في غيمة لا تمضي ولا تنسكب، في لحظة، بل، وفرصة للحضور قد لا تتكرّر.
بالتأكيد لست أطالب المثقفين بحمل السلاح مهما كانت قناعاتهم، ولكن كيف لمثقفين عرب أن ينقلبوا، عن قصد أو عن ضياع، من حالة اليسار (بكل أطيافه) المشاكس لقوى ''دينية سياسية'' والمشاركة في الأفعال القذرة لـ ''الإمبريالية'' التي حاربوها عقوداً، بل التنظير لأولئك المتعصّبين/ المسيّسين نحو القتل وتأسيس ''قاعدة'' حربية عسكرية أمريكية، و''قاعدة'' داعشية دينية هي خليط من كل ''الخلايا السرطانية الوهابية والأخوانية'' في البلاد العربية؟ 

أسئلة ملحّة وحادة تتقدّمُ وتشق مجراها وتأخذ طريقَها للظهورِ في خضمِّ الأزماتِ الكبيرةِ للأمّةِ والتحوّلاتِ الهامّةِ والإنعطافاتِ الحادّةِ والمصيريةِ، وتصبحُ إشكاليّةً في ظلِّ التبايناتِ المُريبةِ في خطابِ المثقفِ ورؤيتِه للأزمةِ والإختلافاتِ المحتدمَةِ في أنماطِ التفكيرِ وتعدّدِ مراجعِ الفكرِ وتنوّعِ مصادرِ المعرفة ومنابعِها. 

وأعتقد أن أحد أهم الأسباب هو غياب ''الوعي التاريخي'' لدى المثقف العربي، والوعي التاريخي ليس فقط تراكم الأعمار وعدد الشعرات الشائبات في الرؤوس، وسمك زجاج النظارات، إنما هو القدرة على قراءة عميقة ودقيقة ومستمرة للتاريخ عموماً، ولتاريخ الأوطان خصوصاً... وإن كان الصمت ملاذاً للتأمّل، والغوص في الأعماق في لحظة معيّنة، فهو تواطؤ مُدان عند المنعطفات التاريخية، ومزرعةً لأوبئة الظنون، وجريرةً لن تغفرها الأيام. وإن كان دور المثقف هو مقاومة الشقاء والتخلف، والعمل على تحقيق العدالة فهل يجوز له أن يجلس في برج عاجي، أو أن يتقوقع في أوكار مظلمة بعيداً عن مجريات الحياة وأحداثها وحقائقها؟! 

إن أهم صفة يجب أن يحملها المثقف اليوم، أن يعمل من أجل المستقبل الأفضل ويخطط له، فالكلمة بالنسبة له هي مسؤولية، يجب أن تقال ويتحمل تبعتها، نحن مهددون بالانهيار وفقدان الدولة العربية المدنية، مهددون بانهيار التعليم، وبالتالي انهيار القيم، مهددون بفقدان عمليات التثقيف المجتمعي، والوعي بالمشاركة السياسية، والوعي بالمواطنة، والوعي بحقوق المرأة والطفل، والوعي المتقدم بالحياة نفسها، وهذا خطر كبير يتهددنا وإن كان مفروضاً علينا، ليس أمامنا سوى الارتقاء بالمواطن من كل النواحي، لمواجهة التهديدات التي تواجهنا، هناك ضعف كبير في المناعة الوطنية العربية... 

باحث وكاتب صحفي من المغرب.

بريد المحور

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة