المقال السابق

لبنان جنبلاط علق من عين التينة على كلام السيد نصرالله عن الممانعة 
13/01/2020

المقال التالي

خاص هل ينجح سعيد بتشكيل حكومة بعد اخفاق خيار النهضة ؟ 
13/01/2020
رأي نعيق ترامب لن يستطيع زعزعة أمن إيران...!

*مصطفى قطبي
 
ما زال وجه أميركا وإسرائيل القبيح يتكشف من بوابة الأفعال الفتنوية التي تشهدها إيران، فأينما اتجهت في هذا العالم الواسع ونظرت، تجد جدلاً من نوع ما يتفاعل مع تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ''التويترية''، بعد أن اتخذ هذا الرجل من حسابه على موقع تويتر منبراً إعلامياً، يطلق من خلاله مواقفه المختلفة المثيرة بشكل دائم للجدل. نحن هنا لسنا بصدد تقييم التجربة ''الترامبية التويترية''، بل للتعليق على ما أسفرت عنه مواقف ترامب وآراؤه البغيضة اتجاه إيران.

فقد كشفت التغريدات الأخيرة، النية الأمريكية ومعها الإسرائيلية في رغبة كل منهما لإدراك الغاية المرجوة في إدخال إيران في أتون الفوضى.‏ ولتأكيد المؤكد، فقد نشر رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، تغريدة على ''تويتر''، الأحد الماضي باللغتين الإنجليزية والفارسية. وكتب: ''ينبغى على الحكومة الإيرانية السماح لمجموعات حقوق الانسان بمراقبة (الوضع) والإبلاغ عن الحقائق على الأرض بشأن التظاهرات الجارية للشعب الإيراني''. وأضاف ترامب، في التغريدة التي نشرها تعقيبا على اندلاع احتجاجات جديدة في إيران السبت الماضي، بعد كارثة إسقاط طائرة ركاب أوكرانية بطريق الخطأ، بواسطة صاروخ إيراني، قرب طهران يوم 8 يناير: ''للشعب الإيراني الباسل الذي عانى لفترة طويلة، أؤيدكم منذ بداية رئاستي، وإدارتي ستواصل دعمكم''.

أما نتنياهو فقد صرح مباشرة بعد تغريدة ترامب، وقال في مستهل الجلسة الأسبوعية للحكومة: ''لاحظت شجاعة الشعب الإيراني الذي يتظاهر مرة أخرى في الشوارع ضد النظام. إنهم يستحقون الحرية والتحرر والقدرة على العيش بأمن وحرية، وهي كلها أمور يحرمهم النظام منها''. وفي تعليقه على تغريدة ترامب قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي بالفارسية ''ان الأيدي والألسن التي تدنست بالتهديد والحظر واغتيال الشعب الإيراني لا يحق لها تشويه اللغة الفارسية العريقة .وتابع موسوي قائلا: هل حقيقة أنت تقف إلى جانب الشعب الإيراني الذي قمت مؤخرا باغتيال أحد أبنائه الأبطال أم انك تقف بوجههم ؟

إن تحريض ترامب على الحكومة الإيرانية يعد تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي الإيراني وتجاوزاً لقواعد القانون الدولي الذي عودتنا أميركا على عدم احترامها ولا شك أن نصيب ذلك سيكون الفشل لجهة أن الموقف الأميركي موقف معزول لا يجد صدى له على المستوى العالمي إضافة إلى أن الشارع الإيراني يدرك حقيقة أن أميركا هي في صف العداء للثورة وليس بموقع الصديق أو الحليف الحريص على مصالحه وأمنه واستقراره.‏

والمؤكد عندنا، أنّ الولايات المتحدة لن تستطيع أن تخفي وجهها الحقيقي مهما حاول مسؤولوها تبييضه أمام الرأي العام، فكل الدلائل تشير إلى أن إدارة ترامب تعمل بكل وسعها للإطاحة بالنظام السياسي القائم في إيران، وهذا الأمر واضح من خلال التصريحات النارية للمسؤليين السياسيين والعسكريين الأمريكيين تجاه إيران، بحجة دعمها للإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، كما هو واضح من تهديدات ترامب للقيادة الإيرانية وعزمه في أن لا يترك مواجهة إيران لرئيس يليه. تصعيد لا يشمل إيران وحدها، وإنما يشمل محور المقاومة الممتد من إيران حتى فلسطين عبر سورية ولبنان. 

فإدارة الرئيس دونالد ترامب ـ كما سابقاتها ـ تتعمد زعزعة الاستقرار في العالم عبر التدخل المباشر أو غير المباشر في الشؤون الداخلية للدول سواء كان عسكرياً أم سياسياً أم اقتصادياً أو غير ذلك بذريعة ما يسمى ''الأمن القومي الأمريكي'' أو بمسوغات جلّها تحقيق أطماع واشنطن العدوانية على حساب أمن الدول بما ينعكس سلباً على أمن العالم واستقراره. واللافت هنا، أن ترامب يعتقد أن القرار العالمي لا يزال أمريكي الاتجاه والبوصلة، وأنه عندما ينعق بأن زمن التغيير حان في إيران، فإنه قد حان فعلاً، متناسياً بأن كلماته هذه، إن دلّت على شيء، فهي إنما تدل على أنه وإدارته وراء ما يجري في إيران من أحداث شغب، وأنه لا هو ولا غيره بقادر على أن يتدخل في مشيئة الإيرانيين وقرارهم السيادي ولاسيما أنهم يدركون تماماً ما تحيكه لهم واشنطن وما تعده في مطابخها السياسية.‏

الثابت اليوم، أنّ ما يفعله ترامب هو جهد ضائع وهذه التغريدات والتصريحات الطنانة لن يكون لها أي تأثير على مجرى الأمور، فواشنطن لن تستطيع زعزعة أمن إيران فقد لعبت هذه الورقة ليتسنى لها التدخل في شؤون هذا البلد، والاستراتيجيون فيها بذلوا جميع الوسائل المتاحة: وابل من البروباغندا المضادة للحكومة الايرانية الممولة من CIA  عملاء من كل الأجناس اندسوا بين المتظاهرين، تقديم دعم للمعارضين داخل إيران وخارجها، فالبيت الأبيض حاول بهذا الأسلوب محاذرة القوة العسكرية أو عبر الحلفاء واستهدف إيران ''بالقوة الناعمة''.

فالبيت الأبيض حرك دوائر التضليل الإعلامي لكن النتيجة لم تكن مضمونة الحساب، ولكي يسقطوا نظاماً يحتاج المحافظون الجدد في واشنطن لأنواع مختلفة من التمويل والتجربة تدل على أنه يلزمهم على الأقل امتلاك ورقتين من ثلاث: معارضة قوية في الداخل لدى الخصم أو فريق يحمل السلاح للتدخل المباشر، لكنهم في إيران لا يملكون أي من هذه الوسائل، فالمعارضة الداخلية موجودة لكنها معارضة للحكومة وليس للنظام السياسي الذي يمنحها مطلق الحرية في الانتخابات.

هذا الأمل بتغيير النظام في طهران هو وهم بقدر ما أن واشنطن لا تمسك بالورقة الثانية، وهي بعيداً عن المرتزقة الذين يقومون بعمل قذر فإن الحدود محروسة جيداً من الجيش الإيراني وتكرار السيناريو الذي حدث في سورية مستحيل، لأن الجماعات التكفيرية الوهابية جيء بها بأعداد كبيرة إلى سورية بالتواطؤ مع قوات الناتو، وقد ترتب على الشعب السوري أن يحارب كل هذه السنوات ليتخلص منها.‏ في إيران لا توجد أي إشارة توحي بالتفكير بأشياء مشابهة ماعدا بعض الأشخاص الذين ينفذون من بعض الشبكات لكن قدراتهم على الإيذاء محدودة. 

وفي حالة إيران لا يمكن لواشنطن الاعتماد على المعارضة الداخلية أو على المرتزقة في الخارج ولا على تدخل عسكري مباشر لأن أي تدخل محكوم بالإخفاق، فليس هناك فرصة لنجاح مشروع واشنطن في إيران بخاصة أن الشعب الإيراني عانى من العقوبات التي فرضت عليه من الدول الغربية ما أعطاه العبر من ''حقوق الانسان''... والشعب الإيراني ليس لديه نية بالتقاتل لإرضاء ساكن البيت الأبيض.‏
يتخذ الضغط الأمريكي الصهيوني على إيران منحاً آخر يتناغم مع إيقاع الأحداث الشوارعية التي جعلت أميركا والغرب وإسرائيل يتنفسون الصعداء ويختارون الانتظار إلى ما تؤول إليه أحداث الشوارع في في طهران وبعض أعمال الشغب في ايران .هذا النظام الذي شكل وعلى امتداد عشرات السنين شوكة قاسية وقوية في حلوق المستكبرين في العالم وخدمهم في كل مكان، والمقصود حسب الوصف الإيراني الشيطان الأميركي الأكبر والشيطان الإسرائيلي الأصغر. 
والمفارقة أن المحتجين يدركون أن ما يقومون به في الداخل الإيراني يعتبر منطقياً وامتداداً للتآمر الخارجي الأميركي الصهيوني على بلادهم ولا يريدون الخير لها، بل وتستجيب شعاراتهم لما يريده الأميركيون والإسرائيليون، وإلا ماذا يعني دعوة مهدي كروبي، المعارض الإيراني البارز، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على خامنئي، إلى التنحي بسبب ''تعامله الرديء مع أزمة إسقاط الطائرة'' على حد وصفه. وهو الذي وهب حياته دفاعاً عن عزة وقوة وكرامة وطنه الإيراني، ولم يتوان عن مد يد العون لكل الشعوب المقاتلة من أجل حريتها وحقوقها المغتصبة، إن كانت في فلسطين أو لبنان أو أميركا اللاتينية وإفريقيا، ربما أكثر ما يغيظ حنق الامبرياليين والصهاينة هو الموقف الأممي لإيران ومساهمتها اليوم في دعم الشعوب المظلومة والمغتصبة حقوقها في كل مكان.‏ 
لقد جاءت الأحداث الأخيرة، لتكشف أن الأميركيين والصهاينة الذين أبدوا عجزهم في التأثير على إيران بهدف تغيير توجهاتها الوطنية والإنسانية ومناصرتها للمستضعفين في الأرض وعجزهم في إيجاد الذريعة المناسبة لتوجيه ضربة لها رغم كل تهديداتهم اليومية لها، والحقيقة هم قادرون على إيجاد الذريعة في الوقت الذي يعتقدون فيه بأنه مناسب وهذا ما فعلوه في العراق وأفغانستان وغيرها، ولكنهم غير قادرين على إلغاء حقيقة أن إيران أصبحت قوة مرهوبة، الإقدام على أي عمل عدائي مباشر ضدها قد ينقلب عليهم بالكامل ولا سيما أن تجربتهم المجنونة في العراق وأفغانستان غير مشجعة لمغامرة جديدة لن تأتي عليهم سوى بالكارثة والهزيمة. 
والمشكلة أن أعداء الداخل والامبرياليين والصهاينة لا يفهمون منطق التاريخ، وإذا ما نجحوا في الاتحاد السوفييتي حيث تم إنهاؤه على يد أقطابه أنفسهم من غورباتشوف ويلتيسن، فإنهم اليوم يحلمون بتكرار التجربة على يد من كانوا بالأمس القريب من أقطاب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذين نجحوا في خداع قسم من الشباب الإيراني تحت شعارات مزيفة، ربما الكثير من المشاركين العاديين في الأحداث وبخاصة اليافعين منهم لا يفهمون أبعادها الفعلية، وقادة الأحداث في إيران أيضاً تعلموا من تجربة الآخرين، يرفعون نفس شعارات الثورة الإسلامية في نهاية السبعينيات ''استقلال ، حرية، جمهورية إسلامية''.
 فقط غيّروا من كلمة واحدة عوضاً عن الإسلامية حل محلها إيرانية، وغورباتشوف في حينه تحدث عن إعادة البناء البيروسترويكا للاشتراكية لتصبح أكثر جاذبية لمن أرادوا خداعهم والنتيجة انتهت الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي والبيروسترويكا أصبحت رأسمالية على النمط المتخلف والتابع، والاتحاد السوفييتي العظيم أصبح مجزءاً ومقسماً إلى دويلات، بعضها تحول إلى قاعدة للامبريالية الأميركية وللصهيونية العالمية ولإسرائيل وشعوب الاتحاد السوفييتي تتحسر الآن على ما فقدته من امتيازات خلال الاشتراكية.‏ 
من الواضح أن جل ما يريدونه لإيران إلغاءها كقوة إقليمية مناصرة للحقوق العربية وتحويلها إلى دويلات تابعة للمراكز الامبريالية، شاء المتظاهرون ذلك أم لا، ولكن الكثير من قادتهم الإصلاحيين يدركون ما يفعلونه، ولكن ما لا يدركوه أن الشعب الإيراني وقادته متيقظون لهذه المؤامرة الكبرى على إيران ومن خلالها على جميع شعوب المنطقة والعالم.‏ 
خلاصة الكلام: ما تقوم به الولايات المتحدة من دعم علني للشغب في إيران لن يحقق لها مخططها العدائي بفضل حكمة القيادة الإيرانية، ووعي الشعب الذي عبر عن سخطه على الإدارة الأميركية مؤكدا رفضه التدخل في شؤونه الداخلية ومتمسكا بالانجازات الكبيرة التي تحققت وفي ذلك رسالة للأعداء مفادها أن مخططاتكم العدائية ستفشل في إيران كما فشلت في سورية والعراق.

باحث وكاتب صحفي من المغرب.
 

بريد المحور

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة