المقال السابق

رياضة الأنصار بطلا لكأس بلدية حارة حريك
منذ 6 ساعات

المقال التالي

حزب الله حسن عز الدين: هناك توافق على الحكومة 
منذ 6 ساعات
رأي المقاومة الوطنية اللبنانية مشروعة شاءت بريطانيا أو لم تشاء...!

*مصطفى قطبي

استهداف المقاومة ومحورها لم يكن مسألة جديدة وإنما كان هدفاً ثابتاً للكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية وحلفائها في المنطقة. وفي تصرف ليس له ما يبرره، فقد أعلنت الحكومة البريطانية الجمعة 17/01/2020 تصنيف حزب الله اللبناني بأكمله باعتباره منظمة إرهابية. ويشير قرار وزارة الخزانة البريطانية إلى خضوع الجناحين العسكري والسياسي لقانون تجميد أصول المنظمات الإرهابية عام 2010. من‭ ‬جهته‭ ‬قال‭ ‬براين‭ ‬هوك‭ ‬الممثل‭ ‬الأميركي‭ ‬الخاص‭ ‬لإيران‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮‬ "سعيدة‭ ‬للغاية‮"‬‭ ‬بالقرار،‭ ‬مضيفا‭ ‬أنها‭ ‬طالما‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬لدى‭ ‬الحلفاء‭ ‬الأوروبيين‭.‬ وتابع‭ ‬للصحافيين‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬"نود‭ ‬تهنئة‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة... ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬ذراع‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬السياسية‭ ‬وذراعه‭ ‬العسكرية''.

وحقيقة الأمر، لم يكن مستغرباً ولا مفاجئاً قرار الحكومة البريطانية تصنيف حزب الله اللبناني بأكمله باعتباره منظمة إرهابية، لسببين على الأقل: أولهما التاريخ الأسود لبريطانيا في هندسة الاستعمار واستعباد الشعوب ومحاربة أي مقاومة أو حركة تحرر، وهذا ما تتوارثه حكومات التاج البريطاني المرصع بالمخازي من دون انقطاع، وثانيهما الذيلية الفاضحة للسياسة الأمريكية التي تتحكم بقرارات 10 داوننغ ستريت وتوجهها كيفما تشاء ودونما أي اعتراض حتى لو كانت تتعارض مع مصلحة بريطانية واضحة مثلما جرى بقرار الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي ''البريكست''. 
في الخطوة العدائية البريطانية تجاه المقاومة اللبنانية تنسجم بريطانيا، أيما انسجامٍ مع روح استعماريتها التاريخية، ويغلب عليها حنينها الذي لا يفارقها لمواصلة عدوانية أمجادها العتيقة الآفلة. إنها تأتي في سياق الحرب الغربية ذات النكهة الصهيونية الدائمة على القوى الحية في أمتنا العربية، واحتشاداتها الدولية والإقليمية الباغية المستهدفة لكل قوى الصمود والممانعة فيها والمحاولات المستميتة لشيطنتها ووصمها بالإرهاب، ولا تشذ عن مساعي حقن مواطن الضعف والبيئات الانهزامية فيها بأمصال نشر الوباء الطائفي ورعاية استشرائه في أطنابها، كما لا يمكن فصلها عن الحرب العدوانية على سوريا والعراق واليمن... 
ولا يمكن عزلها عن ما يعدونه الآن من خطوات تصفوية للقضية الفلسطينية وتمرير صفقة القرن المشؤومة... لا يمكن فصلها ولا عزلها عن ديمومة اللوثة الاستعمارية الأوروبية المعتَّقة والذيلية الراسخة للمركز الإمبريالي المتصهين والتزاماته تجاه ثكنته الصهيونية المتقدمة في قلب وطننا العربي ... عن محاولات التغطية على جرائم الغرب الكبرى المستدامة في أربع جهات الكون ضد الشعوب والأمم المستضعفة وتبريرها. 
وقرار الحكومة البريطانية اعتبار حزب الله اللبناني بأكمله منظمة إرهابية، يشكل دعماً للإرهاب الذي تنشره الدول الاستعمارية وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، كما يعبر عن مدى احتقان الحكومة البريطانية من الانجازات التي حققها محور المقاومة وحزب الله جزء منه ضد الإرهابيين في سورية الذين فشلوا في تنفيذ الأجندات الاستعمارية لهذه الدول المتآمرة على الشعوب العربية .والقرار محاولة  لقوننةٍ ذات بعدٍ دولي زائفٍ لأي عدوانٍ صهيوني قادم على لبنان، يبرر بتصويره استهدافا لإرهابٍ وليس لشعبٍ ومقاومته. إنه أمر لا يستره النفاق البريطاني الأوروبي المتبدي في أنباء التهافت على التقاء رسلهم بالحزب درءاً لاستعدائه، وتحت وابلٍ من ملتبس التصريحات، وهمس التطمينات، بغية ذر الرماد في العيون اللبنانية المختلفة الرؤية، والتي لا يخلو بعضها من الحول وتعمي كثيرها ظلمة صيغته الطائفية المستحكمة... 

وقرار بريطانيا غير المفاجئ والمتوقع، والذي بأتينا من أكثر الجهات الكونية تشدقاً باصطلاحاتٍ من مثل، السلام، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والعدالة الإنسانية، لكنما مع ترجماتها التي تُمارس فيها الانتقائية والمعايير المزدوجة والكيل بمكيالين، أو ما يتفق مع المصالح دائماً، وليس مع ما يطرحه أصحابها من مزعوم القيم، تشكل مجرد إضافةٍ غير ذي بالٍ لسجل أسود لبريطانيا حيال كافة قضايا أمتنا العربية العادلة كبرت أم صغرت، وتكشف عن صهينةٍ راسخةٍ مستحكمةٍ بمسطِّريه وأساس لكافة ما يزخر به هذا السجل الأسود المتضخم ... لم تأتِ بريطانيا لنا بجديدٍ لم نعهده منها، وفي هذا الزمن العربي المشوَّش المشوَّه والضبابي، الذي ما زال يرفل في رداءته بعد، لعل ما سيأتينا منهم بعد لن يكون إلا في خانة الأعظم. 

والثابت أنّ القرار البريطاني يخالف القرارات الدولية، لأن حزب الله حركة مقاومة كفلتها القوانين الدولية، لا يشكل استهدافاً لحزب الله وجمهور المقاومة فحسب، وإنما يشكل استهدافاً لكل الشعب اللبناني باعتبار أن المقاومة جزء من نسيج الشعب اللبناني وجزء من الحكومة اللبنانية، وبالتالي فإن هدف بريطانيا خلق فتنة بين اللبنانيين وهي سياسة استعمارية تنتهجها ضد الشعوب العربية منذ مؤتمر لندن عام 1905 وتنفيذاً لوثيقة كامبل ومخرجات ذلك المؤتمر التي تنص على ضرورة إبقاء وضع المنطقة العربية ضعيفاً وإيجاد آليات التفكك والانقسام وكيانات ضعيفة تابعة للدول الأوروبية وتحت سيطرتها ومنعها من الحصول على أي دعم يسهم في تقدمها وكذلك خلق حالة عداء وفتن بين شعوبها وهذا ما تنفذه بريطانيا حتى الآن. 

نعم. إنه ظلم كبير وتعد سافر على مقاومة مشروعة لشعب جرى احتلال أراضيه من خلال أشكال متعددة من العدوان السافر. لقد اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يحمل الرقم 3034 بتاريخ 18/12/1973... حول النضال العادل للشعوب ومما جاء في القرار المذكور أن الجمعية العامة تؤكد من جديد على الحق الراسخ لجميع الشعوب التي لا تزال رازحة تحت نير الأنظمة الاستعمارية أو العنصرية والأشكال الأخرى للسيطرة الأجنبية، في تقرير المصير وفي الاستقلال وتؤيد الطابع الشرعي لنضالها وعلى الأخص النضال العادل الذي تخوضه حركات التحرر الوطني وفق منظومة أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرار هيئاتها بهذا الشأن. لقد شرّعت قرارات الأمم المتحدة كذلك استخدام الكفاح المسلح من قبل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال ففي قرارها رقم 3314 بتاريخ 14/2/1974 أجازت هذا الاستخدام من أجل الحرية والاستقلال والحق في تقرير المصير.

ولا يحق لدولة مثل بريطانيا سجلها زاخر بالجرائم الاستعمارية واضطهاد الشعوب غرباً وشرقاً وهي ما زالت تنتج التنظيمات الإرهابية المتطرفة وتحتضنها أن توجه الاتهامات للآخرين وأن تزعم أن حزب الله يزعزع الاستقرار في المنطقة وهي الغارقة في تقديم كل أشكال الدعم لمجموعات الإرهاب والإجرام التي ارتكبت ما لا يخطر على بال من فظائع وتخريب وتدمير وحرمت بلداناً ومجتمعات بكاملها من الأمن والأمان والاستقرار، وإذا كان القرار البريطاني يرمي فيما يرمي إليه التغطية على جرائم بريطانيا في صناعة الأساليب المتطرفة وما سفكته من دماء غزيرة وما خلفته من مآسٍ فإنه فضح في الوقت نفسه مدى ارتباط الحكومة البريطانية بالإرهاب وعمق التبعية للأجندة الأمريكية القائمة على رعاية المجموعات الإرهابية في العالم.

إنّ العداء البريطاني للعرب يظهر الآن في الدعم الذي تقدمه الحكومة البريطانية للتنظيمات الإرهابية في سورية وفرض عقوبات جائرة على شعبها وتقديم السلاح لحكام بني سعود لتدمير مقدرات الشعب اليمني، وكانت قد دمرت مع الولايات المتحدة الأميركية العراق الشقيق عبر عدوان غاشم وهي تحاول عبر استغلال المنظمات الدولية لاستصدار القرارات التي من شأنها شرعنة أعمالها العدوانية وتدخلها في شؤون الدول العربية. كما حدث في ليبيا. الأمر الذي يؤكد أن بريطانيا لم تدخر أي وسيلة استعمارية إلا واستخدمتها لتنفث حقدها ضد الشعوب العربية.
ومن الطبيعي وهي تنظر إلى دور حزب الله من زاوية المصالح الاستعمارية الغربية والصهيونية البحتة، أن تصنف بريطانيا الحزب كيفما تشاء، وأن تزوّر الحقيقة تزويراً كاملاً، لكن الحقيقة المؤكدة أنّ حزب الله جزء من شخصية المنطقة لكن بحالتها المتطورة المتقدمة العملاقة في إطلالتها القادرة على تحسين صورة العربي المتهالك المنقسم على نفسه... إنه الحزب الذي يمكنه خلق المجتمع الطموح في مفهوم تنامي الوحدة على قاعدة القوة والمناعة... وهو الحزب الذي تصنع إمكانياته في عمق أزمات العرب إعادة العرب إلى وحدة الصف الحقيقية... وهو أيضا حزب في صميم قيامه حفاظه على وحدة الأمة والعمل من أجلها إيمانا بأن لا قيامة لأي طرف عربي إلا من خلال التوحد في المواجهة المفروضة.

إن القرار البريطاني يندرج في سياق الحرب المستعرة بين تحالف الهيمنة الذي تقوده الولايات المتحدة، وتشكل بريطانيا شريكاً تابعاً فيه، وبين حلف الدول المستقلة التي تناهض هذا المشروع، وتضم قوى المقاومة في المنطقة، وهو شكل من أشكال الضغوط يتم اللجوء إليه، بعد أن تمكّن حلف المقاومة في المنطقة من ضرب المشروع الأمريكي الصهيوني وأداته الإرهابية. لكن هذا الضغط سيلقى مصير غيره من الضغوط ولا سيما الضغط الاقتصادي، ولن يتمكن من تغيير الحقيقة التي تفرض اليوم نفسها بقوة على الجميع، وهي أن هذا الحلف ينتصر على الإرهاب وداعميه الغربيين والصهاينة والرجعيين، وأن هذا الانتصار يصب على الصعيد الدولي في خدمة هدف القضاء على الهيمنة الأمريكية، وإنقاذ العالم من آثارها الكارثية...

إنّ قرار بريطانيا تصنيف حزب الله اللبناني بأكمله باعتباره منظمة إرهابية، الهدف منه التصويب على المقاومة فكراً وعقيدة ومنهجاً، وأبعاده لن تتوقف عند حزب الله، فيما لو لم تردعه الشعوب العربية والإسلامية، ذلك أن الاستهداف الذي وصل حد المجاهرة والعداوة الموجهة، سيشمل الفصائل الفلسطينية والعراقية واليمنية والليبية وكل فصيل مقاوم للاستعمار ومشاريع الهيمنة، سواء كان موجوداً أو يعمل على وجوده كما في الجولان المحتل، ويتم بذلك قلب المفاهيم وتشويهها في ذهن الشعوب والأجيال بحيث تصير المقاومة إرهاباً... وهذا يعني فيما يعنيه، شرعنة الاحتلال وتكريسه بكل أشكاله وأصنافه والتهيئة لثقافة التطبيع، دون إيلاء أية أهمية لكون هذه الحركات المقاومة هي من تكوين المنطقة والشعب، والرد الطبيعي على فعل الاحتلال، وكذلك دون اعتبار لميثاق الأمم المتحدة الذي باتت تتجاهله بشكل فاقع رغم نصوصه الواضحة، والذي منه المادة 51 التي تؤكد على حق الشعوب فرادى وجماعات في الدفاع عن النفس ضد أي اعتداء مسلح.

خلاصة القول: في أحد خطاباتهِ قال الرئيس بشار الأسد: المقاومة لها ثمنٌ والفوضى لها ثمن، لكن ثمنَ المقاومةِ والصمود أقلّ بكثيرٍ من ثمنِ الفوضى والاستسلام، عبارةٌ للأسف لن يفهمها من كان يرى بالرجل الأبيض كمالاً، ولن يفهمها من يقيس الانتصارات بالحجرِ وينسى أن المقاومة بالنهاية هي انتصار الكرامة.

بريد المحور

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة