المقال السابق

إقتصاد لجنة الصحة وافقت على اقتراح تفعيل المؤسسة العامة للاسكان
21/01/2020

المقال التالي

لبنان إرجاء جلسة الموازنة الى 27 الجاري 
21/01/2020
من الصحف ما الذي عناه حزب الله بمحاسبة الهاربين ؟

 ما الذي قصده "حزب الله" من خلال التهديد بخيار ‏محاسبة "الهاربين من المسؤوليات"؟

- النهار-ابراهيم بيرم
‎ لم يكن رئيس الكتلة البرلمانية لـ حزب الله (كتلة الوفاء للمقاومة) محمد رعد ينطق عن هوى أو عن ‏تهور، لحظة بعث في تصريح نوعي برسالة عالية اللهجة، لكل الذين يجاهرون بما وصفه هو هروباً ‏متعمداً "من تحمل المسؤولية" والعزوف عن المشاركة في الحكومة العتيدة المنتظر ولادتها بين ساعة ‏وأخرى، متوعّداً إياهم بأننا "لن ندعكم وشأنكم" حتى وإن أدرتم ظهركم وتحضّرتم للانتقال الى ضفة ‏المعارضة قريباً قائلين للناس: "دبروا حالكم‎". ‎
فمن المعلوم أن هذا الرجل مفرط في التحفظ لا يطلق المواقف جزافاً بل بعد تبصر وتكون مواقفه في ‏العادة رسالة الفصل من الحزب، ما بعدها ليس كما قبلها‎.‎
وعليه، فإن من هم على تواصل بدوائر الحل والربط في الحزب لا يستبعدون بأن الحزب تعمد توجيه ‏محتوى هذه الرسالة لشركائه الثلاثة السابقين في تجربة الشراكة السياسية في حكومة الرئيس سعد ‏الحريري المستقيلة، ليرسم لهم في مرحلة ما بعد التوليفة الحكومية التي هي على وشك ابصار النور، ‏الخطوط الحمر ومساحة الإقدام والإحجام المباح لهم اللعب بين جنباتها في قابل الأيام ما داموا هم اختاروا ‏عن سابق تصور وحساب العزف منفردين ومعارضين سياسياً‎.‎
من يرصد بدقة مواقف "حزب الله" المتتالية منذ انطلاق الحراك الشعبي قبيل أكثر من ثلاثة شهور، يخرج ‏باستنتاج فحواه أن النائب رعد ليس اول قيادي من الحزب يلوح بخيار محاسبة المستعدين لإدارة الظهر ‏ومغادرة متن سفينة الحكم ساعة ولجت دائرة التأزم. فبعد أقل من 36 ساعة على زحف الناس للمشاركة ‏في التعبير عن استيائهم من مآلات الاوضاع ظهر الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في اطلالة ‏اعلامية كانت مقررة سابقاً لينبّه الذين يعتزمون المغادرة المشهد السياسي تاركين السفينة تحت رحمة ‏رياح الغرق العاتية، قائلاً لهم إنه "ممنوع ذلك عليكم واننا في وارد إخضاعكم للمساءلة والمحاسبة ‏خصوصاً وانتم من استفدتم من مغانم الحكم منذ الشروع بالعمل بنظام اتفاق الطائف‎".‎
في هاتيك الأيام الواعدة باحتمالات الاضطراب والفوضى، حمل هذا الكلام على أكثر من محمل وتفسير، ‏لكن استقر رأي غالبية المحللين بأن المقصود الاول بمضمون الكلام الصادر عن سيد الحزب هو رئيس ‏الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي كان أعلن في ذلك الحين ان وزراء كتلته النيابية باتوا على ‏وشك الاستقالة من حكومة الرئيس سعد الحريري "تضامناً مع حراك الشارع وتبنياً لمطالب السائرين في ‏موكبه المتعاظم". ولاحقاً عمّم على بعض مواقع التواصل الاجتماعي المحسوبة على قواعد الحزب نص ‏مكالمة هاتفية أجراها احد الاشخاص الجنوبيين مع جنبلاط اعتبر فيها الاخير أن كلام السيد نصرالله إياه ‏فسّره على اساس أنه بمثابة تهديد موجه له‎.‎
وعليه، أيضاً، فإن ثمة من فسر هذا السلوك الخشن من جانب "حزب الله" هو بمثابة "دفاع كفائي ليس ‏الا"، فهو قد أتى بعنوان الحد من تدحرج الامور نحو الأسوأ وقفل الابواب أمام الاحتمالات السلبية، اذ كان ‏الحزب قد قرأ في اندلاع الحراك على هذا النحو المتسع والمفاجىء انزياحاً نحو محاكاة تجارب ربيع ‏الساحات حيث النتيجة الغالبة تتجلى في انهيار كل قواعد اللعبة المعروفة وتدخلات تسمح بوضع الأمور ‏تحت إمرة شارع لا يلبث ان يعلن ولاءه للغرب عموماً، وللنموذج الاميركي خصوصاً. لذا، كان إطلاق ‏هذا التهديد هو من قبيل ضبط وقائي صارم وحاسم للأمور والمسارات وإعلان صريح بانه (الحزب) على ‏أتم الاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات إذا ما اقتضت الحاجة وحتّمت الضرورة‎.‎
في ذاك الحين أيضاً ظهر في فضاءات الحزب من يتبنى نظرية جوهرها أن "رسالة السيد تلك" ما لبثت أن ‏أعطت أكلها وظهرت ثمارها وقد تجلى ذلك في هدؤ جنبلاط وعدم جنوحه نحو التصعيد ضد الحزب ‏والتيار البرتقالي، إذ بقي خطابه يتسم بالسلاسة ومقيداً بحدود المعقول، على نحو بدد لاحقاً من مخاوف ‏نبتت في جو الحزب هجست بدور مخبوء لجنبلاط في انقلاب يدبّر في ليل لذا كان الاستنتاج السائد لدى ‏انصار الحزب أن زعيم المختارة انكفأ الى دوره المفضل وهو الجلوس على التل مترقباً مسار رياح ‏الأمور، وهذا يريح الحزب ويخفف تعاظم مخاوفه‎.‎
وبناء على كل ما تقدم، فإن السؤال المطروح حالياً هو، اذا كانت رسالة الحزب قبل ثلاثة شهور كانت ‏خيار الضرورة والحاجة وقد أينعت ثمارها فما الذي حدا بالحزب مجدداً إلى توجيه مضمون الرسالة عينها ‏تقريباً ولكن على لسان النائب رعد؟
الإجابات الصادرة عن من هم على صلة بالحزب تستبعد فرضية أن تكون الرسالة إياها موجهة هذه المرة ‏الى جنبلاط حصراً، فهو قد صار خارج دائرة كل الهواجس مذ أصدر مؤشرات تبرهن على انضباطه ‏وعدم رغبته بالجنوح نحو التصادم والاستفزاز. وعليه، فإن هذا الكلام الوعيدي للحزب موجه في هذه ‏المرة الى أكثر من اتجاه وليس من الضرورة أن جنبلاط في عدادها بل يتصل بمرحلة ما بعد تأليف ‏الحكومة والاحتمالات التالية الاول‎.‎
فالحزب يرقب ولا شك التصعيد العنفي غير المسبوق للحراك الشعبي منذ السبت الماضي في وسط ‏العاصمة ويقرأ بعمق أبعاده ومن يقف وراءه مباشرة. لذا، ليس مستبعداً أن يكون الحزب يجد في التصعيد ‏المنظم بعناية إياه نموذجاً من تصعيد سيستمر متواصلاً في مرحلة ما بعد التأليف بغية استنزاف الوضع ‏والمضي قدماً نحو ابقاء الفوضى المضبوطة سائدة الى اجل غير مسمى لكي تظل قوى السلطة الثلاث ‏‏("التيار الوطني" و"حركة أمل" و"حزب الله") محاصرة بشبهة العجز والقصور عن إدارة الموقف ‏والخروج من عنق زجاجة الأزمة الخانقة‎.‎
ولا يكتم هؤلاء أن يكون الحزب يسلك ضمناً من خلال هذا الأداء ومن خلال هذه الرسالة وما سبقها سلوك ‏الراغب بالقول إنه هو عماد اللعبة السياسية وقطبها الأعظم وانه ليس في وارد التهاون والمهاودة ‏وإغماض العين عن كثير من الامور بعد استيلاد الحكومة، لذا ليس مستبعداً ان يكون في عمق تصور ‏الحزب أن المقصود تأمين حماية مسبقة للحكومة التي هي على وشك الولادة‎.‎
 

صحيفة النهار

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة