المقال السابق

رأي النكبة الفلسطينية...شاهدة على مأساة شعب
18/05/2020

المقال التالي

لبنان حسن : أصبح لدينا بعض المناعة ضد الفيروس 
17/05/2020
خاص في يوم القدس...إصرار على المقاومة ومواجهة صفقة القرن

*مصطفى قطبي..بريد المحور 

عند الحديث عن قضية فلسطين ومعاناة شعبها المظلوم جراء الاحتلال الصهيوني البغيض، يبرز ملف مدينة القدس، كأكثر الملفات سخونة باعتبارها القضية الأكثر تعقيدا في الصراع العربي الصهيوني، من النواحي السياسية والدينية والحضارية والإنسانية، ومن هنا تأتي أهمية يوم القدس العالمي أو اليوم الدولي لمدينة القدس الشريف، هو حدث سنوي يعارض احتلال إسرائيل للقدس. موكب الاحتفال بهذا اليوم نشأ لأول مرة في إيران بعد ثورة 1979 الإسلامية. الاحتفال اقترح من قبل آية الله الخميني، المرشد الأعلى السابق للثورة الإسلامية في إيران آنذاك، في آب من ذلك العام حيث قال:‏

''وإنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب في فلسطين. لسنوات عديدة، قمت بتحذير المسلمين من الخطر الذي تشكله إسرائيل الغاصبة والتي اليوم تكثف هجماتها الوحشية ضد الإخوة والأخوات الفلسطينيين، والتي هي، مستمرة في قصف منازل الفلسطينيين على أمل سحق النضال الفلسطيني. وأطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية على العمل معا لقطع يد هذه الغاصبة ومؤيديها. وإنني أدعو جميع المسلمين في العالم لتحديد واختيار يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة في شهر رمضان الكريم - الذي هو في حد ذاته فترة محددة يمكن أيضاً أن يكون العامل المحدد لمصير الشعب الفلسطيني - وخلال حفل يدل على تضامن المسلمين في جميع أنحاء العالم، ويعلن تأييدهم للحقوق المشروعة للشعب المسلم''. 

خلال السنوات الأخيرة، فقد انتشرت هذه المناسبة بين المسلمين والبلدان غير الإسلامية حتى في الولايات المتحدة. يحيي الفلسطينيون والعالم يوم القدس العالمي، في الوقت الذي تتعرض فيه المدينة المقدسة لحرب تهويد شاملة، وعمليات هدم يومية لمنازل الفلسطينيين في القدس المحتلة طالت وفق مؤسسات حقوقية فلسطينية آلاف المنازل، فيما آلاف أخرى مهددة بالهدم لإقامة آلاف الوحدات الاستيطانية على أنقاضها إضافة، إلى منع المقدسيين من بناء منازل جديدة أو ترميمها، وتهجير المقدسيين منها بهدف طمس المعالم العربية والإسلامية والمسيحية للمدينة. ويتزامن ذلك مع مواصلة الولايات المتحدة العمل على تنفيذ مؤامرة ''صفقة القرن'' التي بدأت تنفيذها عملياً من خلال نقل سفارتها إلى القدس المحتلة، ووقف دعمها مشافي القدس وإغلاق القنصلية الأمريكية المختصة بمعاملات الفلسطينيين ضمن الحرب الأمريكية الإسرائيلية المتواصلة على الوجود الفلسطيني.
يوم القدس، يوم لكل فلسطين بلد الأقصى مسرى الرسول الكريم، وأولى القبلتين وثالث الحرمين وأحد مهاد الحضارة العربية، وإحدى المنارات العربية في العلم و والفن والشعر، ومسقط رأس السيد المسيح، ويوم لوحدة المقاومة في مواجهة الكيان العنصري الغاصب واستعادة الحقوق الفلسطينية والعربية والعمل لتفعيل المؤسسات الدولية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تضمن حقوق الفلسطينيين.‏
القدس ليست مجرد مدينة يحتلها الكيان الصهيوني، بل تعكس صورة الاحتلال كرمز قميء للاضطهاد في كل الأراضي العربية المحتلة، ولا توجد مدينة في العالم عانت ما عانته المدينة المعذّبة، الشهيدة الحيّة منذ أن احتلها التحالف الامبريالي الصهيوني. وتعاني من الوقاحة الصهيونية بأبشع صورها، آثارها دُمرت وتاريخها تعرض للتزييف، مقابرها نُبشت، ومساجدها وكنائسها دُنست، وتعرض أهلها للفظائع والقتل. القدس اليوم يفرض عليها واقع القوة الذي يراد له أن يخلق حقاً فيها لليهود. القدس هي الدين... والتاريخ... والثقافة. هي مدينة عربية منذ أقدم العهود في التاريخ، عمر هذه المدينة حوالي أربعة آلاف سنة... سميت أسماء متعددة على مر العصور منها يبوس نسبة إلى اليبوسيين العرب الذين سكنوها وكذلك إيلياء وبيت المقدس. وترتبط القدس بطرق برية بين العواصم العربية القدس- دمشق 290 كم، القدس عمان88 كم القدس- بيروت 388كم. القدس- القاهرة 528كم وترتبط القدس بالعالم الخارجي جواً عن طريق مطار قلنديا الذي يقع شمال القدس.
لم تكتفِ ''اسرائيل'' بعد احتلالها مدينة القدس عام 1948، بل أعلنت ضم القدس العربية إليها، بعيد احتلالها الضفة الغربية عام 1967، وأصرت على أن تجعلها موحدة. الهمجيون الجدد أحاطوها بالأسوار والمستوطنات لتؤوي شذاذ آفاق جاؤوا من كل بقاع الدنيا وزرعوا فيها سُعارهم وجسدوا كل حقدهم الذي يحملونه للبشر كافة وصبوا جهلهم وحقدهم، فانتقموا منها ومن سكانها بذريعة أن النازية ارتكبت بحق اليهود محرقة، بينما في الحقيقة كان إنشاء الكيان الصهيوني انتقاماً بالوكالة لمصلحة الغرب الاستعماري الذي منذ القرون الوسطى يسعى لإخضاع أو تدمير أكبر حضارة في العالم بناها العرب والمسلمون على امتداد مساحة بلادهم.‏
مدينة السلام أصبحت مرتعا لتنفيذ الحقد الصهيوني منذ أن أراد الصهاينة تهويدها، مدينة السماء ومملكتها غدت تحت الاحتلال بؤرة للآلام والعذابات بوجود المستوطنين وجنود الاحتلال الذين يضطهدون ويسجنون ويعذبون ويبعدون ويقتلون المقدسيين. مدينة القدس، بجزئيها الغربي والشرقي، ومواطنيها الفلسطينيين أصحاب البلد الأصليين، تعاني من أوضاع صعبة على كل المستويات، الخدمية والمعيشية، وهو ما جعل منها أفقر مدينة فلسطينية. فحتى المعطيات والإحصائيات ''الإسرائيلية'' تؤكد ذلك، حيث تجري عملية هدم حثيث للمجتمع الفلسطيني المقدسي من خلال التضييق عليه سياسيا واقتصاديا، في مسعى ''إسرائيلي'' لأن يكون المواطنون الفلسطينيون الأصليون أقلية في المدينة، وتعمل لذلك على دفعهم لمغادرة المدينة والتفكير بالهجرات الخارجية. فسياسات الاحتلال وضعت المقدسيين أمام خيارين من خلال التضييق الاقتصادي، إما الخروج من المدينة والانتقال إلى الضفة الغربية وحتى خارج فلسطين، وبذلك يخسرون إقامتهم في المدينة، أو التخلي عن هويتهم الوطنية، والاندماج والعيش الذليل على الهامش ''الإسرائيلي''، وهما خياران أحلاهما مُرّ.
الواقع المقدسي ليس قدرا، بل هو مُبرمج إسرائيليًّا، إذ منذ اللحظة الأولى لاحتلال الجزء الشرقي للمدينة في يونيو/حزيران 1967، حيث الحرب غير التقليدية، والمُتصاعدة ولو بشكل خافت ودون ضجيج كبير معظم الأحيان، والتي تشنها سلطات الاحتلال ''الإسرائيلي'' ضد المواطنين المقدسيين أصحاب الوطن الأصليين داخل أحياء المدينة على وجه التحديد. حرب لا تُستخدم فيها الأسلحة التقليدية، إنما يُستخدم فيها سلاحان مزدوجان: أولهما عملية مصادر البيوت والضغط على الناس بوسائل مُختلفة، ومنها التطفيش والمضايقات اليومية، والتهديد بسحب الهويات المقدسية، وحتى الإغراء المالي، لبيع منازلهم لمجموعات يهودية تعمل، وتحت عناوين مختلفة على الانتشار داخل الأحياء الشرقية من المدينة لتهويدها من داخلها. وثانيهما استخدام السلاسل والزنازين وحملات الإعتقال ضد مواطنين مدنيين عُزّل، وأحيانًا القليل من الرصاص الحي والرصاص المطاطي، لكبح عمل مجموعات النشطاء السلميين من الشبان والشابات في دفاعهم عن القدس والأقصى.
وعليه، تعيش المدينة المقدسة لحظات حاسمة من تاريخها، وقد باتَ سيف التهويد مُسلطًا عليها بشكل غير مسبوق، وهي تنتظر تحركًا إسلاميًّا وعربيًّا على كل المستويات من أجل إنقاذها والحفاظ على عروبتها وإسلاميتها ومسيحيتها. فالمسلمون والمسيحيون يشكلان في عالم اليوم نصف سكانه، أي ما يناهز أو ينوف على ثلاثة مليارات نسمة، فإذا لم يدافع هؤلاء معاً عن موطن ديانتهم فمن ذا الذي عليه أن يحمل مسؤولية ذلك، والغريب العجيب أن يهود العالم الذي لا يزيد تعدادهم على خمسة عشر مليوناً من البشر في سائر أرجاء المعمورة، ومع ذلك فهم يستطيعون تمرير ألاعيبهم، والوصول إلى مراميهم وأهدافهم الشريرة، بل أكثر من ذلك إرهاب من يحاول الوقوف في وجهها، ولو بالكلام وحده.

فمن ذا الذي يجرؤ، في الغرب على الخصوص، على التشكيك وبالوثيقة التاريخية، في مسألة الـ''هولوكست'' التي ما انفكوا عن استغلالها ورفعها إلى مقام القداسة التي تفوق كل قداسة حقيقية غيرها، ومعاقبة الفاعل باتهامه بـ''معاداة السامية''، تلك الأسطوانة المهترئة التي آن للعالم كله أن يقف أمامها مراجعاً موقفه منها، والكف عن اتخاذها ذريعة لقيامهم باقتراف أفظع الجرائم التي عرفها البشر حيال أبناء فلسطين التي اغتصبوها من المسيحيين والمسلمين على حد سواء، أي أصحاب الديانتين الأعظم والأكبر في العالم المعاصر. هذه الحقيقة يعرفها العدو نفسه، ولعلها أكثر ما ينغص عليه عيشه، فلا يركن إلى الاستقرار، ومن ثم الاستمتاع بما اغتصبه من أصحاب البلاد، بل أمسى اليوم يحسب لمسألة وجوده على هذه الأرض الحساب كله.

غير أن ما يدعو إلى العجب، وإلى الأسف والأسى والألم، أن نرى العالمين العربي والإسلامي لا يعطيان المسألة حقها، ولا يشاركان الفلسطينيين المسؤولية في الدفاع والنضال والقتال ضد العدو المغتصب للديار المقدسة، إذ هم مسؤولون فعلاً لا قولاً، كالفلسطينيين تماماً، لأنها ليست للفلسطينيين وحدهم. هل كان على الفلسطينيين أن يبذلوا الأرواح والدماء في كل يوم من أيام السنة وعلى مدى يناهز مئة عام، وفي التاريخ الأقرب أكثر من سبعين سنة، منذ قيام الكيان إياه على أرض فلسطين، على مرأى ومسمع من العالم كله، إضافة إلى مسلميه ومسيحييه من دون أن يشاركهم إخوانهم، في حمل المسؤولية والقيام بالواجب الأرضي والسماوي معاً؟

فلسطين ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، أيها الإخوة! موقف التفرج واللامبالاة، وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء، إنما هو موقف مدان، بل هو العار نفسه على أصحابه الذين بلغ ببعضهم التدني حد مصادقة العدو ومصافحته ومحالفته، على حساب بني جلدتهم المدافعين عن حياض ديارهم ومقدساتهم نيابة عن الجميع، بمن فيهم الضالعون مع العدو والمتحالفون معه، الأمر الذي يثير العجب والغضب وعميق الأسى والألم ما يشق على النفس البشرية احتماله. اليوم تبلغ المؤامرة الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية ذروتها، متمثلة في مسألتين واضحتين لكل ذي عينين، أولاهما تقديم الرئيس الأميركي دونالد ترامب فلسطين للصهاينة، ''هدية مجانية'' عاصمة لـ''دولتهم'' وإلى الأبد! وثانيهما، ما يروَّج لما يدعونه ''صفقة القرن''، وما أدراك ما صفقة القرن هذه التي يحيطونها بالتكتم والتخفية.

فهل يتحول المسلمون يا تُرى من الكلام إلى الفعل، ومن النشيج إلى النهوض والعمل بلا كلل، لامتلاك القوة المحرّرة، باقتدار علمي - تقني - معرفي، وجهادي صحيح، لا يلوثه أحد ولا يلغيه بالشبهات والافتراءات أحد... ويفعلون ذلك بثبات على المفاهيم، القيم، والثوابت الحقانية؟! وهل يَستمع المحتلون وأنصارهم وعملاؤهم وأدواتهم، وكل الذين يتواطؤون معهم، وكذلك المتخاذلون من الحكام العرب والمسلمين، وأشخاصٌ وفئآت أخذت على عاتقها أن تشوه النضال الوطني والقومي من أجل التحرير والحرية... هل يستمع أولئك، بآذان وقلوب وعقول مفتوحة، لصوت من تبقى من العرب والمسلمين مع فلسطين، والأقصى، وقبة الصخرة، والخليل... أي مع الحق والعدل والحرية والهوية والانتماء... أم أن على قلوب أقفالها؟!

هل يقفون أمام الحق، والقدس، وفلسطين، وإرادة الشعب، وأمام مئات آلاف الشهداء، وملايين الجرحى والمعوقين، والمشردين، والنازحين... و... ويفكر كل منهم بمسؤوليته أخلاقية، ووطنية، وقومية، ودينية، وإنسانية.. حيال المدينة المقدسة ''القدس''، وحيال الأمة وأبنائها وأجيالها ومسؤولياتها، وحيال الحق والعدل والحرية والتاريخ والناس والمستقبل؟ هل يفعلون ذلك، ويتصرفون وفق تقوى الله، وفقه المسؤولية، وعند إرادة الشعب، الذي يُفترَض فيهم أنهم يمثلون إرادته ومصالحه، ويحمونه ويخدمونه؟! هل يفعلون، فيعدون لأمر يتعلق به مصيره ومستقبل مقدساته، ما يلزم من العدة، التي تبدأ بالمعرفة والأخلاق والتربية والمعرفة والعلم، وتنتهي بامتلاك القوة الحامية، العادلة، المحررة؟! 

إن كل ما نرجوه، في يوم القدس العالمي هذا، أن يفكر العرب والمسلمون جميعاً، لا سيما من يرخصون الأرواح في ميادين ليست هي الميادين، بما يحفظهم، ويبقيهم، ويقويهم، ويجمعهم على قلب رجل واحد، ليستعيدوا ما لهم من مكانة، باستعادتهم لحقوقهم، وعلى رأس تلك الحقوق القدس.
ونوقن بأن جمهرة الشعب الفلسطيني اليوم، ومن هم معه في خندق مواجهة العدو: سورية وإيران والمقاومة في لبنان وفلسطين، لهم من الإرادة والعزم على المواجهة والتصدي إلى ما لا نهاية لمخططات العدو ومؤامراته وممارساته أياً ما تكون، وسنظل كذلك إلى أن يأتي اليوم الموعود، يوم عودة الحق إلى أصحابه، عودة فلسطين إلى أهلها وعودة أهلها إليها، ذلك اليوم يرونه بعيداً، ونراه قريباً.

خلاصة الكلام: يبقى التحدّي الذي تتعرّض له القدس ومسجدها وفلسطين وأهلها، ولا أحد يمكنه أن يفصل مواضيع الاستهداف عن بعضها البعض، فهي كل متكامل ينطبق عليه قوله سبحانه وتعالى ''هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون'' التوبة 33، كما أنه ينطبق على اليهود الصهاينة ومن يدعمونهم في استهدافهم للمسجد الأقصى قوله تعالى ''ألم يعلموا أن من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم'' التوبة 63.

*باحث وكاتب صحفي من المغرب.
 

بريد المحور

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة