المقال التالي

إقتصاد لبنان : اجتماع سابع مع صندوق النقد 
27/05/2020
خاص في ذكرى عيد المقاومة والتحريري إصرار على تكريس الانتصارات.. 

*مصطفى قطبي
يحتفل المقاومون العرب في 25 أيار من كل عام بانتصار المقاومة اللبنانية على العدو الصهيوني، حيث تمكنت المقاومة من دحر الجيش الإرهابي مذعوراً من جنوب لبنان وهشمت جبروته وقوته وغطرسته على صخرة صمود المقاومين الأبطال فكان النصر الثاني في التاريخ العربي المعاصر بعد انتصار حرب تشرين التحريرية في السادس من تشرين الأول عام 1973 ما جعل الكثيرين في العالم يتساءلون عن سر قوة المقاومة والعوامل التي مكنتها من الانتصار.
لقد كان يوم 25 أيار من عام 2000 بداية تحول في تاريخ العرب المعاصر، ومفصلاً هاماً ترك آثاره على ملامح الصراع في المنطقة، وأسس لتحولات كبيرة سيكون لها أثر هام على ملامح المنطقة ومستقبل شعوبها، حيث غير موازين القوى في المنطقة ومفاهيم الأمن للدول ووضع الكيان العنصري الصهيوني في وضع جديد، أصبح مثار تساؤل بعدما كان من المستحيل التفكير بمناقشة قوته الأسطورية وبأن جيشه لا يقهر، فكان الانتصار العظيم بركاناً أذهل العالم وهز التفكير السياسي والاستراتيجي، ما جعل الكثير من المعاهد الاستراتيجية تعيد دراسة مفاهيم الأمن والقوة في العالم.
لقد اعتاد الكيان الصهيوني أن يكون هو المنتصر، وهو الذي يحدد ساعة الصفر في كل حروبه وغزواته وهو الذي يحدد بداية ونهاية الحرب إلا أنه منذ عام 2000 تغير الحال وأصبح يحسب لكل تفكير بالعدوان ألف حساب. فقد أعاد انتصار المقاومة الاعتبار للحقيقة الأزلية بأن المقاومة تستطيع كما كانت عبر التاريخ المعاصر تحقيق استقلال الشعوب وتحرير الأرض وان تصون الحقوق.‏ 
ولا نبالغ إذا قلنا إن الكيان الصهيوني قد أصيب بزلزال في 25 أيار عام 2000 عندما أجبرت المقاومة الوطنية اللبنانية العدو الصهيوني، بمساندة من سورية وبقيادة حزب الله، قواته المدججة بأحدث الأسلحة على الانسحاب من جنوب لبنان بالقوة، من دون تفاوض ومن دون قيد أو شرط وبذلك دُقَّ أول إسفين في نعش مخطط ''إسرائيل الكبرى'' التي راهنت القوى الصهيونية، على ألا تستطيع قوة أن توقف تمددها على الأرض العربية وأن تكون ''حدودها حيث تصل دباباتها وحيث يضع جنودها إقدامهم'' في أي مكان من الجغرافيا العربية وصولاً إلى ''الحدود التاريخية'' المزعومة ''من الفرات إلى النيل''.
لقد كان نصر الخامس والعشرين من أيار عام 2000 فاتحة لانتصار آخر في تموز عام 2006 الذي دق الإسفين الثاني في نعش ما كانوا يسمونه ''إسرائيل العظمى'' ثم جاءت انتصارات سورية وحلفائها على الإرهاب لتؤكد أن التاريخ قال كلمته الحاسمة منذ 25 أيار على أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء بعد اليوم.
وفي استعراض حصاد الفشل والخيبة، يجد المرء أمامه صورة مريعة لجيش لم يؤمن إلا بالقوة العمياء وحدها، لتحقيق مآربه، غير أن ذلك الإيمان أصابه اليوم الصدع كما لم يصبه من قبل. تقول الغارديان البريطانية على لسان ريتشارد نورتون: إن إسرائيل تتعلم اليوم الدرس الذي سبق لجيوش الدول الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة، أن تعلمته، وهو أن القوة العسكرية لم تعد قادرة على تأمين الانتصار.‏ ومما لا شك فيه أن رأياً عاماً في إسرائيل والغرب يذهب اليوم إلى أنك سواء اعتبرت رجال حزب الله أم الجماعات العراقية المقاومة رجال عصابات أومتمردين أم إرهابيين، فإنك لا تستطيع أن ترغمهم على الخنوع عن طريق القنابل، ذلك ما اكتشفته الولايات المتحدة وبثمن باهظ في العراق، وهو ذات الاكتشاف الذي أدركته إسرائيل في لبنان، ولعل ذلك ما دعا رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير لأن يصرح بالقول: إن قلقي ينبع من عدم قدرتنا على كسب هذا الصراع بالوسائل العسكرية والأمنية وحدها، ولا حتى باعتمادها وسائل رئيسية مضيفاً أنه يتوجب علينا أن نطرح أفكارنا بمقابل أفكارهم.‏ ولإجمال الصورة الفادحة للخسائر الإسرائيلية، نذكر بما أورده الكاتب البريطاني باتريك سيل الخبير في شؤون الصراع العربي الإسرائيلي من خسائر إسرائيل والتي أوردها في أربعة أسباب:‏ 
أولها: إن إسرائيل لم تعد تلك الدولة الأسطورية الخارقة التي لا تقهر على نحو صورتها في مخيلة الرأي العام العربي والإسلامي.‏ 
ثانيها: إن إسرائيل قد سجلت نقطة سوداء في سجلها الدموي، بهذا الخراب الواسع النطاق الذي ألحقته بلبنان وبقتلها الوحشي لأعداد كبيرة من المدنيين.‏ 
ثالثها: إنها أفرزت حقيقة ضرورة الاعتراف باستحالة إقصاء سورية وإيران كحليفين لحزب الله من أي مساع رامية للتوصل إلى تسوية مستديمة للصراع الشرق أوسطي.‏ 
رابعها: وضع المجتمع الدولي أمام ضرورة الضغط على ''إسرائيل'' حتى تنسحب من الأراضي التي ظلت تحتلها وتهيمن عليها منذ عام 1967 حتى الساعة إذا أراد العالم سلاماً في تلك المنطقة. 
ونتساءل على ضوء الحقائق الآنية: هل يمكن لإسرائيل أن تتعلم من دروس فشلها أم أن الحقد الأعمى سيدفعها لمغامرات جديدة، ربما تقودها ولوفي الأجل البعيد لنهايتها المحتومة والمقدرة في اللوح المحفوظ؟!‏ 
للأسف الشديد، فإسرائيل لم ولن تتعلم من دروس الماضي، فهي ماضية في سياسة الانتقام من المقاومة اللبنانية التي خرجت أكثر إصراراً على التصدي والمواجهة مهما بلغت التضحيات، وما زالت القيادة الاسرائيلية تضع الخطط الاستراتيجية، وتتحين الفرص للقضاء على المقاومة، وضرب جميع قوى الممانعة في الدول المجاورة، في ظل تحالف أمريكي ـ إسرائيلي يعطي الأولوية المطلقة لتنفيذ المشروع الصهيوني بين الفرات والنيل، وما يجري من تدمير مبرمج للمجتمع والدولة والمؤسسات في سوريا، بدعم أمريكي وأوروبي منذ أكثر من عشر سنوات يؤكد وجود مخطط إسرائيلي متكامل لتحقيق هذا الهدف. 
واستهداف سورية اليوم هو استهداف للمقاومة العربية وتدمير للفكر المقاوم ونشر لحالة الاستلاب والخنوع في الساحة العربية وتسليم الوطن العربي لأصحاب الفكر التكفيري المتخلف الذين أعلنوا قبولهم بالمشروع الصهيوني...‏ ولهذا السبب فالمقاومة اللبنانية الآن في سوريا، إنه النداء القومي الذي لا يمكن غض النظر أو الهروب من استحقاقاته، فمعركة سوريا معركتها، وهي معركة الشرفاء، بل معركة من أجل لبنان أيضاً، ومن أجل خط ومشروع يجب أن يظل قائماً، كما يجب أن لا ينكسر أي من أعمدته.
لقد تأكد للداني والقاصي، أنّ قوى المقاومة التي انتصرت في عام 2000 و2006 مازالت قوية وقادرة ويقف خلفها معظم أبناء الشعب العربي والقوى الخيرة والمحبة للعدل والسلام في العالم، وأن المقاومة تزداد تماسكاً وستبقى سورية قلعتها وكما انتصرت في الماضي ستنتصر اليوم وفي المستقبل وستبقى سورية قلعة المقاومة العربية وستبقى المقاومة في لبنان وفلسطين وكل أرجاء الوطن العربي قوية راسخة وستزداد قوة وانتشاراً لأنها خيار الأمة وخيار الأمة لا بد منتصرة.
إن النتيجة الرئيسية التي يمكن التعويل عليها، هي أن العرب يستطيعون تحقيق النصر بمقاومتهم وتضامنهم وإن قوى العدوان لا يمكن أن تقدم حلولاً حقيقية للعرب، بل هي تريد استسلامهم، وهي بدعواتها للسلام الزائف وتقديمها الطروحات المختلفة، تهدف فقط إلى دعم العدو الإسرائيلي وتثبت احتلاله للأرض العربية، فالمشاريع التي تطرحها الإدارة الأميركية سابقاً وحالياً والوعود الخلبية التي تغدقها على العرب، الهدف منها ذر الرماد في العيون. ومن هنا فإن انتصار المقاومة هو انتصار حقيقي ينتصر فيه نهج على نهج ومفهوم على مفهوم، نهج المقاومة على نهج التسويات، ومفهوم الصمود على مفهوم الاستسلام، وتتأكد إمكانية الانتصار وذلك من خلال صياغة استراتيجية جديدة تفرض اعتماد طرق جديدة غير تقليدية في مواجهة الجيش الإسرائيلي المعتمد على تزويد الولايات المتحدة له بأحدث أدوات الفتك والدمار. 
وتقتضي هذه الاستراتيجية تعميم ثقافة مقاومة شاملة، عسكرية وسياسية واجتماعية، تخلق الإرادة الفاعلة، والقدرة المحسوبة والوعي الموضوعي لطبيعة الصراع وآليات إدارته، عبر القراءة الموضوعية والتأمل الواعي للدروس التي رافقت الانتصار، وحينما لا يستطيع العدو أن يهزم الوعي الوطني والقومي والوعي المقاوم بكل ما يمتلك من جبروت وقوة عسكرية وإعلامية وسياسية، يتحول هذا الإخفاق إلى انتصار لثقافة المقاومة، وثقافة الاستقلال التي تصنع المنعة والقوة للشعوب.
في هذه المرحلة تقع المسؤولية الأهم على عاتق النخب وأهل الفكر والقلم، فمن جانب يوجهون الرأي العام في مجتمعاتهم، إلى الحذر من مؤامرات الأعداء، بخاصة المرتدية لباس الصديق منهم، ومن جانب آخر، دعم الحكومات ودولهم، لوضع الاستراتيجيات والسياسات المساعدة والمسرعة لإنجاز هذا المشروع، وتحقيق تشكّل هذا التكتل على أرض الواقع، ومن أجل هذا يجب على نخبنا أن يتركوا النظريات المستوردة من الغرب والشرق والتي هي بعيدة كل البعد من خصائص مجتمعاتنا الحضارية والتاريخية والثقافية بل يتوجب علينا أن نعي بأننا نعيش منعطفاً تاريخياً مهماً للغاية كي نستطيع صناعة مجد مشرف لنا ولأجيالنا القادمة.

خلاصة الكلام: اليوم في ذكرى الخامس والعشرين من أيار يوم النصر على الكيان الإسرائيلي المحتل، يتمسك اللبنانيون بنهج المقاومة لتحرير ما تبقى من أراضيهم المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وقرية الغجر وتطهيرها من دنس الاحتلال وإعادتها إلى السيادة اللبنانية وفق ما تكفله كل القوانين والمواثيق الدولية.
*كاتب صحفي من المغرب 

 

بريد المحور

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة