المقال السابق

لبنان ابراهيم في عيد الأمن العام: التعاون للنهوض من فاجعة أصابت كل لبنان
27/08/2020

المقال التالي

حزب الله  الحاج حسن يكذب الافتراءات حول تخزين الامونيوم 
27/08/2020
من الصحف تجاذب فرنسي وأميركي في التعامل مع لبنان

- الأخبار- ‎هيام القصيفي 

‎مع تحديد الرئاسة الفرنسية موعد عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، في الأول من أيلول المقبل، يعود الى ‏الواجهة مجدداً الكلام حول مستقبل الأزمة السياسية الحالية من منظارَي واشنطن وباريس، كون العاصمتين هما الأكثر حضوراً ‏اليوم في التعامل معها‎. 
في واشنطن، لا يزال الوضع اللبناني خاضعاً لتجاذب تيارَين، واحد متشدد الى الحد الأقصى في التعامل مع إيران كأساس لحل ‏العقَد المتبقية في الساحة الإقليمية، ما يترجم بإبقاء الأمور معلّقة من دون أي حلول في الأفق، في انتظار نضوج حل هذه الأزمة ‏سلباً أو إيجاباً. والثاني يرى أن حل هذه العقد، ومنها لبنان، هو الأساس للتعامل مع إيران، وهذا يعني الذهاب نحو التشدد أكثر ‏فأكثر في ملفات لبنان الداخلية وأسلوب التعامل مع بعض القوى السياسية المعارضة للسياسة الأميركية، والتريث في مقاربة ‏مواقف بعض القوى التي تعتبر حليفة لها‎. 
في الحالتين، الثابت أن الفريقين يجمعان أوراقهما لبنانياً وإقليميا، الى حين حسم واحد من الاتجاهين، ما يؤدي الى أن يبقى لبنان ‏تحت وطأة اللاحسم في السياسة الأميركية، وهو ما يعبّر عنه علانيّة التضارب في الرسائل الأميركية من خلال بعض ‏الشخصيات الدبلوماسية والسياسية، كما تعبر عنه دوائر أميركية في واشنطن معنيّة بالملف اللبناني. وهذا التجاذب، لا الإرباك، ‏يؤدي في لحظة لبنانية حساسة الى مزيد من البلبلة، لأن القوى السياسية تحاول كل بحسب اتجاهها التماهي مع أحد هذين ‏التيارين لبناء مواقفها ليس فقط حيال تشكيل الحكومة، واختيار رئيسها، والإفلات من العقوبات المحتملة، إنما أيضاً حيال ‏مستقبل لبنان والمكونات السياسية والشعبية فيه. من دون الأخذ في الاعتبار أيضاً أن انشغال واشنطن في الانتخابات الرئاسية ‏من جهة، وفي ترتيب العلاقات الإقليمية مع إسرائيل، يضع لبنان أيضاً في منزلة حساسة، كان يفترض أن يكون محصّناً أكثر ‏تجاهها، وخصوصاً بعد انفجار المرفأ، لولا تفاقم الخلافات الداخلية وسوء إدارة الأزمة السياسية‎. 
ما يجري في واشنطن يجري مثله في باريس. ثمة ملاحظة يبديها أحد المعنيين في متابعة الملف اللبناني فرنسياً، أن المسؤولين ‏في بيروت لم يستوعبوا أن واشنطن وباريس، وعلى اختلاف مقاربتهما لكيفية حل الأزمة، متفقتان على أمر جوهري، أن ملف ‏انفجار المرفأ والتعامل الإنساني والمساعدات الدولية منفصل تماماً عن مسار هذه الأزمة، ولا سيما أن واشنطن لا تزال تقف ‏عند مرحلة ما قبل الانفجار، بمعنى تقديم الأزمة السياسية وأولويات الفساد والاهتراء الداخلي مع العناوين المتعلقة بحزب الله، ‏على ما عداها. في باريس، الكلام أوضح بأن الاهتمام بالدرجة الأولى هو بالشعب اللبناني. وباريس ليست مسؤولة عن ترجمة ‏خاطئة لبعض القوى في تفسير مستوى الاهتمام الفرنسي، وزيارة ماكرون مرتين لبيروت، بمنحى مختلف وأبعد من الحالة ‏الإنسانية. هذا لا يعني أن باريس ليست حريصة على دورها في المشاركة في الحلول المقترحة، ولا سيما أن «هناك شعوراً ‏بالذنب» حيال دورها في التسوية الرئاسية، لكن مستوى التجاوب اللبناني بهذا الاهتمام أحدث صدمة معاكسة فرنسياً. فلا يمكن ‏تجاهل رسائل مباشرة من الفرنسيين للسلطة السياسية، كما من الأميركيين وهو ما عبّر عنه علانية وكيل وزارة الخارجية ‏الأميركية للشؤون السياسية، ديفيد هيل، من «تقريع» لأداء هذه السلطة ومستوى الفساد الذي بلغته‎.‎
ثمة اتجاهات فرنسية ودوائر تحاول فرض إيقاعها الخاص على الدور الفرنسي لإنتاج حل، على مستويات مختلفة، سواء في ‏الرئاسة الفرنسية أو الخارجية أو حلقات المستشارين والدبلوماسيين، وهذا ما يفسّر تناقض الرسائل التي وصلت الى بيروت، ‏علماً بأن للقوى السياسية في لبنان، بدءاً من رئاسة الجمهورية، حضوراً وتواصلاً مع هذه الدوائر بحسب اختلاف رؤيتها ‏السياسية. وفي هذا الإطار خضعت زيارة ماكرون المقبلة لتقويمين مختلفين، الأول تحدث عن مغزى السير بها، فيما لم يلحظ ‏الفرنسيون أي تجاوب مع مبادرتهم في تسريع الإنتاجية إن في ما يتعلق بانفجار المرفأ أو في تسريع الخطوات لتشكيل حكومة ‏جديدة، وخصوصاً أن الزيارة قد تكرس مرة أخرى تعويم السلطة التي استفادت من الصورة الأولى وستستفيد من الصورة ‏الثانية. وما يعني باريس أن لا تظهر الرئاسة أيضاً بمظهر العاجز أمام الشعب اللبناني الذي خرج ماكرون لملاقاته، بعدما دخل ‏شخصياً على خط الأزمة، وليس عبر الصف الثاني أو الثالث. أما الرأي الثاني فأشار الى أن تخلّي فرنسا حالياً عن لبنان سيؤدي ‏الى مزيد من الأصداء السلبية، ويضاعف من الانحدار نحو المجهول، فلا يصل الى اللبنانيين بعد الأزمة الحكومية والانفجار ‏سوى وعود دولية من دون ترجمة بحلول طويلة الأمد، وهذا يضع باريس أمام إحراج داخلي، وخصوصاً بعد حملة التجييش ‏الفرنسية الى جانب الشعب اللبناني. من هنا، تكمن المحاولة الجدية التي جرت مع واشنطن ومع السعودية لخلق كوة في جدار ‏الأزمة الحكومية. لكن بات واضحاً أن جواب الرياض سلبي بوضوح تام، وهو أن السعودية غير معنية بالحكومة ولا بتسمية أي ‏مرشح لها، وهي متجاهلة تماماً للملف اللبناني الذي سبق أن حذرت باريس منه، منذ التسوية الرئاسية، وصولاً الى تشكيل ‏حكومتَي الرئيس سعد الحريري في عهد الرئيس ميشال عون. هذا الجواب السلبي لم يمنع باريس ولا سيما الفريق الذي لا يزال ‏حريصاً على دور فرنسا في تسوية شاملة الاستمرار في سياسة الدفع لإيجاد حلول للموضوع الحكومي، كما لتنفيذ خطوات ‏جدية في الموضوع المالي والاقتصادي، الذي عبرت عن استيائها صراحة من سوء الخطوات المتخذة فيه. لكن خطواتها لا تزال ‏من دون أفق، إذ بدأت تتلمّس أن مفاتيح الأزمة الحكومية لن تكون في يدها وحدها، رغم رغبتها في تقديم إنجاز جدي، في تأكيد ‏حضورها في لبنان. فالعناصر المحلية الداخلية التي تحول دون هذا الإنجاز لبنانية، بقدر ما هي خارجية. وهذا يعزز انطباع ‏الفريق المؤيد لتقديم مصالح الشعب اللبناني على مصالح الطبقة السياسية، بأن يكون الحسم الفرنسي أكثر وضوحاً في عدم تقديم ‏جوائز ترضية الى السلطة اللبنانية‎.‎
 

صحيفة الاخبار

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة