المقال السابق

لبنان حسن: اوصينا بالاقفال مدة أسبوعين قابلة للتجديد 
04/01/2021

المقال التالي

ميديا الاعلامي علي المسمار في ذمة الله 
04/01/2021
رأي هل يكون عام 2021 أسوأ من سابقه؟

 *مصطفى قطبي

رحل العام 2020 بأحداثه وتداعياته وشظاياه، لم تكن 2020 سنة جيدة، فقد تسيد أحداثها وباء كورونا بموجتيه الأولى والثانية، وسجلت ذاكرة البشرية كيف ضرب الفيروس الاقتصاد العالمي في مقتل. فمن خسائر تخطت 15 بليون دولار، إلى انهيار آلاف الشركات، وأعلنت أخرى بالتوازي الإفلاس وخروجها من خطوط الإنتاج، ما ترتب عليه خروج أكثر من 500 مليون عامل من أسواق العمل. مما خلف العديد من الضحايا ما بين وفيات وإصابات بلغت أكثر من 73 مليون إنسان على مستوى العالم، منهم ما يقارب الأربعة ملايين في الدول العربية وحدها، هذا بخلاف التأثير الكبير الذي خلفه الوباء على الاقتصاد والتجارة العالمية، مما جعل العديد من الدول تقف حائرة بين مستلزماتها المعيشية والعلاجية وتوقف خططها التنموية، حتى أن بعض الدول عجزت عن توفير أماكن للمرضى بالمستشفيات وتركتهم فريسة للمرض حتى الموت، واكتسى العالم بحالة ضبابية بين العلاج وإيجاد اللقاح الذي توصلت إليه بعض الشركات في الأمتار الأخيرة من العام 2020.

كما شهدت أحداث العام 2020 انفجارات واغتيالات وكوارث طبيعية، حيث فوجئ العالم، والوطن العربي على وجه الخصوص، في شهر أغسطس بانفجار مدوٍّ شهده ميناء بيروت اللبنانية مما تسبب في مقتل نحو 200 شخص وأكثر من 6000 جريح. كما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب المنتهية ولايته، حديث العالم خلال السنوات الأربع السابقة واستحوذ أيضا على صدارة الأحداث والتي بدأت في يناير بتعرضه للمحاكمة بتهمة استخدام سلطاته للضغط على الرئيس الأوكراني للتضييق على منافسه في الانتخابات الأميركية جو بايدن. فيما حاول الديمقراطيون في الكونجرس عزله من رئاسة الولايات المتحدة، ثم رضوخه بتنفيذ مطالب إسرائيل ونقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، كما وعد في حملته الانتخابية، وأخيرا سقوطه في الانتخابات الأمريكية التي جرت في شهر نوفمبر الماضي. وبعد هزيمته، رفض ترامب الاعتراف بنتيجة الانتخابات، واتهم الديمقراطيين بأنهم قاموا بتزوير الأصوات، ولفت أنظار العالم بتصريحاته واعتراضه قضائيا على نتائج الانتخابات التي رجحت فوز جون بايدن. 

ومن ينظر إلى السياسة الأمريكية خلال رئاسة ترامب الغير المأسوف على رحيله، يظن أنه يشاهد أفلاماً بهلوانية أو حفلات سيرك مرعبة، فبعد انسحابات أمريكية بالجملة من معاهدات واتفاقات دولية كانت الولايات المتحدة هي نفسها التي دعت إلى بعضها ووقعتها كاتفاقيات "المناخ" و"التجارة الحرة" ومنظمات "اليونيسكو" و"النافتا" و"الأونروا" وغيرها، وليس آخراً الانسحاب من معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى الموقعة بتاريخ 8 كانون الأول عام 1987. ولم يكف ترامب ما فعله طيلة الأعوام السابقة وخروجه من الاتفاقيات الدولية، ومن اتفاق 5+1 الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، بل آثر ألا يترك الأحداث تمر دون إثارة، فصعد حالة التوتر مع إيران باغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس عن طريق طائرات أمريكية بغارة استهدفت موكبه في بغداد. فيما شهدت منطقتنا العربية اتفاقات سلام جديدة مع إسرائيل، لتدخل منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة نتيجة تلك الاتفاقيات، وشهد العالم كوارث طبيعية عندما اندلعت حرائق شديدة في أستراليا استمرت لأكثر من 3 أشهر، وأسفرت عن تدمير أكثر من 18 مليون هكتار من الغابات، ومقتل 34 شخصا.

عام 2020 كان في غاية الوضوح بحيث تجلى فيه من يخطط، ومن يدفع المال، ومن يراهن، ومن يفترض سقوطه... فالذين دفعوا وما زالوا الأموال على إسقاط الأنظمة، حجبوا بكل أسف ولو جزءا منها عن إمكانية التنمية في العالم العربي... والذين خططوا، هم من كانت لديهم الأفكار القديمة باغتيال العالم العربي في كل مرة تنمو فيه رغبة في التغيير، إعطاؤه جرعة من التغيير لكن تحت الكنترول. أما المراهنون فهم الصامتون الذين لا نفهم منهم إذا كانوا يقبلون بدور الممولين على المديين القريب والبعيد. ولكن، يجب التنبه له، أن الولايات المتحدة وكل أذرعها الإسرائيلية والغربية، لا تقبل نظاماً له كل هذه المهمات كي يخرج بأقوى مما تتحمل المنطقة مع أنه أصغر من خرم إبرة.
لقد كان الدور الغربي حاسماً في تسريع وتيرة الفوضى حيث وجد من الناحية الاجتماعية أو ما يعرف بالمجتمع المدني الذي كانت مكوناته يملأ أفئدتها الحنق والغضب من مظاهر الظلم والفساد، وتركز الثروة بيد طبقة وسيطرة ذوي السلطة والمناصب على مقدرات الدولة وثرواتها، وجد البيئة خصبة والطريق مفتوحاً ليضع رجله على دواسة الوقود حتى آخرها، نتج عنها بروز أحزاب وجماعات كانت تنتظر مثل هذه اللحظة التاريخية لتتسيد المشهد الذي ملامحه الحالية تؤكد أنه مشهد مرسوم منذ البداية ليكون القادمون الجدد أو المتسيدون للمشهد هم الرقم الصعب في معادلة تحقيق الأهداف من الفوضى الخلاقة، سواء كان هؤلاء القادمون الجدد أو الراكبون لموجة الأحداث مدركين أو مغيبي الوعي أنهم تقع عليهم التزامات يجب الوفاء كضريبة لحالة التمكين. 
مضى عام 2020، وبقي لنا ما نحن فيه، وما علينا أن نتجرع صابه ونعاني عذابه، نسوّغ حلوه ومره، فمر حلو بذوق فريق وحلوه مر بذوق آخر، ومصائب قوم عند قوم فوائد؟! وهكذا هم الخلق في الحروب يتساقون كؤوس الردى ويتبادلون سداد ثارات الدم والأيام دول ''يوم لك ويوم عليك''... ولكنها بمجملها أيام ترتد علينا نحن العرب والمسلمين وبالاً وضعفاً ونكالاً، وترتد كذلك على بلداننا وأمتنا الإسلامية وعلى الدين الإسلام، وعلى القيم وما قد يتبقى للأجيال العربية القادمة على الخصوص من وجود وحقوق وأمل.

والسؤال المركزي الذي يطرح مع رحيل كل عام هو: ماذا عن العام الجديد، وأي مشهدية سياسية سيطلّ عليها العام 2021؟ بعيدا عن تكهنات العرَّافين والمنجمين، تظل القراءة التحليلية بشأن مقاربات عام 2021 رهن حسابات حملت الأيام القليلة الماضية بعض ملامحها عناوين تنذر بالاشتعال، وأخرى إشارات تفيد بأن لا فرصة أمام المجتمع الدولي إلا تبنِّي سياسات تضامنية تحد من نزعات التناقض وما يتبعه من متواليات لتسجيل المواقف على حساب فرص حلول تضع حدودًا للتحديات القائمة، أو بالحد الأدنى تقلل من تأثيراتها اللوجستية التي ما زالت تتوالد في الساحة الدولية ملغومةً بالمزيد من احتمالات الانفلات والفزع. 

العالم يستعد لاستقبال عام جديد، نراقب بفرح لهم، وحسرة على واقعنا، الحركات التحررية في أمريكا الجنوبية وصعود الدول الافريقية وانطلاق التنين الصيني والحضور الروسي على الساحة الدولية وحضور منظمة "آسيان" وإدراكها لكلّ المتغيرات الدولية وتعاملها الواعي والمبصر لها، في حين نرى بعض العرب يستسهلون دفع المليارات والارتماء في أحضان إسرائيل. قد لا يدركون اليوم ولكنهم سيدركون بعد فوات الأوان أنهم لم يحظوا أبداً بالندية والاحترام مهما قدموا من تنازلات ومهما ركعوا تحت أقدام إسرائيل، ومهما تخلّوا عن إخوانهم ولغتهم وعروبتهم، على العكس فإن هذا التخلّي سيكون السهم الأشد الذي سيصيبهم في الصميم. فحسابات العام الجديد لدى كلّ البشر تنطلق من الرأسمال السياسي أو المالي أو البشري أو الفكري أو المجتمعي الذي تمكنوا من تحقيقه، ولا تنطلق من استرضاء دول النهب الاستعمارية والتعويل على ابتساماتهم ومودتهم المؤقتة والمدروسة كي تحقق أهدافاً محددة لها، ثم يرمون بهم في نفايات التاريخ غير آبهين بوعود أو اتفاقيات حتى وإن كانت موقعة، فهم أسياد الموقف وهم الذين يقررون ويديرون دفة التاريخ في منطقتنا، ولا لوم عليهم لأنهم يسعون لتحقيق مصالحهم ولكن اللوم كل اللوم على من فرّط بمصالحه ومصالح وحقوق إخوانه وأشقائه وشنّ حروباً عليهم كي يرضى عنه الأعداء والخصوم.

خلاصة الكلام: في هذا اليوم أتقدم لكل بنات وأبناء أمتنا العربية الخالدة، بكل آيات التقدير والتمنيات بأوضاع أفضل، الانتصار على قوى الظلام والإرهاب والتطرف في كلّ من: سوريا، العراق، تونس، اليمن وليبيا وغيرها من البلدان العربية التي تعاني من الإرهاب. أتمنى أن يكون هذا العام، عام تأكيد وحدة الأقطار العربية قطراً قطراً، وأن يكون أيضا عام التكامل العربي، بعد أن يكون، إدراك حقيقة ما يجري تخطيطه للعالم العربي، قد أصبح أكثر وضوحا، في أذهان من غذوا هذا الإرهاب، وأغدقوا الأموال والأسلحة عليه، وضربهم ,في عواصم بلدانهم.

كاتب صحفي من المغرب.
 

بريد المحور

مقالات المرتبطة