*مصطفى قطبي
ما يجري من عدوان يومي ممنهج بحق المسجد الأقصى من قبل شرطة الاحتلال ومستوطنيه تخطى كل عدوان سابق وكل ما يمكن تخيله منذ احتلال القدس سنة 1967، وليس غريباً إذن، والحال هذه، أن يجد كيان الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه مرتعاً خصباً، وأرضاً ممهدة للعربدة وانتهاك المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة تحت مرأى ومسمع من العالمين العربي والإسلامي. فمع حلول شهر رمضان المبارك، اقتحم عشرات المستوطنين الإسرائيليين، صباح الخميس 15/04/2021، المسجد الأقصى، بمدينة القدس، بمرافقة عناصر من الشرطة. وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، في بيان مقتضب، "إن 185 مستوطنا اقتحموا المسجد صباح يوم الخميس". ونقلت وكالة وفا عن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، قوله في بيان 14/04/2021 "إن اقتحام قوات الاحتلال المسجد الأقصى في أول أيام شهر رمضان المبارك، واعتداءاتها على الفلسطينيين وتحطيم أبواب مئذنتي المغاربة والأسباط وقطع أسلاك مكبرات الصوت في باحاته تأتي في إطار مخططات الاحتلال لتهويد المسجد والسيطرة عليه. ودعا المالكي المجتمع الدولي إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات للضغط على الاحتلال لوقف عدوانه المتواصل على المقدسات المسيحية والإسلامية.
الثابت اليوم، أنّه منذ 2003، تسمح إسرائيل للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى، يوميا عدا الجمعة والسبت رغم الاحتجاجات المتتالية من قبل دائرة الأوقاف الإسلامية. هذه الاقتحامات تضاف إلى سلسلة الجرائم اليومية التي يقوم بها الاحتلال بحق الحرم القدسي الشريف، من خلال فرض حصار مطبق عليه، والتضييق على دخول المصلين للمسجد، واحتجاز هوياتهم الشخصية عند بواباته الخارجية. وبالتالي الاقتحامات وما يوازيها من إجراءات قمعية وعنصرية ليست مجرد تجاوز عدواني عابر لا يستحق أي رد كما تعمل دول التطبيع على تصويره بل هو امتداد لمخططات التهويد التدميرية التي تفرض سيطرة أوسع للعدو على المدينة بمقدساتها وشطب أي وجود غير إسرائيلي فيها.
فالوقائع المادية على الأرض، ونتيجة لعمليات التهويد المتواصلة، تشير بأن رموز التهويد باتت تطوق المسجد الأقصى المبارك من جهاته الأربع بأكثر من مائة كنيس يهودي، بخاصة داخل البلدة القديمة بالقدس، وبالقرب من أسوار القدس القديمة، في وقت توجد فيه عدة كنس يهودية في الأنفاق التي حفرت تحت المسجد الأقصى المبارك، وهناك عشرات الكنس، بدأت تمتد وتزداد في غرب المسجد الأقصى المبارك، وأصبحت جميعها تشكل سلسلة على شكل دائري حول المسجد الأقصى من كل الجهات، وبدأت تزداد وتقترب من المسجد الأقصى المبارك في هذه الأيام، وتشكل أجواء استيطانية يهودية، خانقة حول المسجد. وقد بنيت على عقارات وأوقاف إسلامية ومساجد استولت عليها المؤسسة ''الإسرائيلية'' بعد الإحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية عام 1967.
وبصرف النظر عن مشروعية التصدَي للأساطير التوراتية التي عملت الصهيونية على تحويلها إلى وقائع تاريخية تثبت ما يسمى ''الحق الإلهي'' لليهود في الأراضي المقدسة، وبعيداً عن مواقف بعض العرب والمسلمين الذين يساهمون، عملياً، في تنفيذ المخططات الصهيونية من خلال صناعة أنموذج ''إسرائيلي'' جديد لـ''الجهاد'' وتوجيه طاقاتهم وقدراتهم لتدمير سورية والعراق واليمن... فإن الصعود إلى ما يسمى ''جبل الهيكل'' لم يعد شعائر دينية لليهود الحريديم فقط، بل أصبح تظاهرة سياسية تؤشر إلى إلغاء الفرق بين ما يسمى الصلة الدينية والسيادة السياسية، وترمي إلى إقرار حقائق على الأرض.
وتحت ظلال ذلك، تم الانتهاء من إعداد المخططات الهيكلية لبناء ما يسمى ''الهيكل الثالث''، وإقامة ورشة عمل جمع الحجارة الخاصة ببناء الهيكل، بعد هدم الأقصى، والذي سيعقبه، وفق المؤمنين بـ''المعتقدات المسيانية''، اندلاع ما يطلقون عليه حرب يأجوج ومأجوج التي سيتخللها ظهور المسيح ثم يتم بناء الهيكل الثالث المزعوم الذي سيمتد، وفقاً للمخططات، نحو الشمال على حساب الحي الإسلامي في المدينة المقدسة.
إذاً المعركة متواصلة في القدس المحتلة، وعناوينها تزداد يوماً بعد يوم، وتتنوع بين محاولات وسياسات تهويد وتدنيس المدينة ومقدساتها، وحتى مقابرها التاريخية، وأسماء شوارعها وأحيائها، والتضييق على الصامدين من أهلها المقدسيين، وتصعيد وتيرة العدوان عليهم، من خلال سياسة العزل، والاعتداء الجسدي واللفظي، وسحب الهوية، ومصادرة أملاكهم وزرعها بالمستوطنات، وقد أخذت معركة القدس أبعاداً جديدة، عندما دخلت المواجهة المفتوحة، في ساحات المسجد الأقصى المبارك... مرحلة الاشتباك غير المتكافئ بين الفلسطينيين العزل، وجنود الاحتلال المدججين بالسلاح...
إن إسرائيل وبتلك الأعمال اللاأخلاقية في حق المسجد الأقصى بشكل خاص قد تجاوزت كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية والمعاهدات القانونية المعمول بها في هذا الخصوص، كاتفاقية جنيف المبرمة في عام 1945 والملاحق الملحقة بها في العام 1977 واتفاقية فيينا لعام 1983 بشأن خلافة الدول في الممتلكات، والتي أضفت حماية قانونية خاصة على المقدسات الدينية، والقرار الدولي رقم 533 لعام 1986 والذي يقضي بإدانة محاولة تهويد بيت المقدس وإزاحة الطابع العربي والإسلامي منه، والقرار رقم 476 الصادر في 5 يونيو 1980 والذي شجب تمادي إسرائيل في تغيير الطابع العمراني لها، وتكوينها الديموغرافي وهيكلها المؤسسي، وغيرها الكثير من القوانين الرسمية المعترف بها دولياً.
والغريب في الأمر أن الحكومة الإسرائيلية نفسها قد أقرت بتلك الالتزامات وأصدرت قانوناً لتأكيده هو القانون رقم 5727 لسنة 1967 والذي جاء فيه أنه ''تحفظ الأماكن المقدسة من أي انتهاك لحرمتها ومن أي شيء قد يمس بحرية وصول أبناء الأديان... أو بمشاعرهم تجاه هذه الأماكن ''ونص على عقوبة الحبس لمدة خمس سنوات لكل معتد على هذه الأماكن.
فأين العالم الإسلامي والمسيحي والدولي من كل تلك الانتهاكات السافرة لحقوق الشعب الفلسطيني ومقدساته الإسلامية والمسيحية؟ وأين هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الحقوقية والقانونية والإنسانية وكل أولئك المتشدقون بحقوق الإنسان والديمقراطيات وغيرها من تلك المصطلحات ''التي أصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع'' من كل تلك الجرائم البشعة التي تمارس يومياً بحق المقدرات والمقدسات الفلسطينية؟
نعم أين هؤلاء مما يجري في الأقصى؟ أين هم وأعلام إسرائيل ترفع وترفرف فوقه؟ وقطعان المستوطنين تدنس حرماته كل يوم؟ والحفريات الإسرائيلية تدك الأساسات من تحته ومن حوله وتذيب صخوره بالمواد الكيماوية؟ لماذا لا يدعون لاجتماع طارئ لمجلس الأمن؟ أو يحشدون لمؤتمر أصدقاء الشعب الفلسطيني والأقصى؟
كاتب صحافي من المغرب.
بريد المحور