سامية فضل الله*
ألا ترون معي بأن العمر ينقضي، واللبناني واقف ينتظر على مرفأ أحلامه.. ينتظر ولا يمل الانتظار، هو ينتظر اختيار رئيس الحكومة، وينتظر تشكيل الوزارة.. ثم ينتظر الانتخابات النيابية، ومن بعدها الانتخابات الرئاسية.. وينتظر القدرة الإلهية التي ستخلصه من طبقة سياسية تمادت في فسادها.. وبعدها ينتظر الإصلاحات، التي حتماَ ستطال كل ما يتعلق بحياته اليومية.. ربما ستحل أزمة الكهرباء، ولن نبقَ تحت رحمة أصحاب المولدات.. وربما سيستقر سعر الدولار، وقد ترتفع الاجور، وتنخفض الأسعار النارية لكافة المواد التموينية.. وغدا او بعد غد المدارس الرسمية ستفتح أبوابها أمام أولادنا وبناتنا، نحن الذين لا قدرة لنا على المدارس الخاصة، واقساطها المحلقة عالياَ.. وبالنسبة للنقل، يوما ما سيتغير الحال، وسنرى باصات الدولة، وقد أصبح لها محطات انتظار، وأوقات ثابته.. وربما اعدنا إحياء خط السكة الحديدية، وربطنا شمال الوطن بجنوبه وشرقه بغربه، بأقل كلفة.. ومع اشتداد أزمة المحروقات، نحن ننتظر من يمدنا بالغاز والبنزين والمازوت.. وننتظر الأيدي الشقيقة والصديقة، التي ستمدنا بالمساعدات والإعانات والهبات والقروض المسيرة.. ومع حلول كل صيف، ننتظر السائح العربي والأجنبي، والمغترب المحلي، لأنهم بما سيصرفونه من دولارات، حتما سيساهمون في الإنعاش والتغيير من حال إلى حال..
ولأننا اعتدنا على الانتظار، فلا بد أن تتسع الدائرة لتشمل ما هو خارج حدود الوطن، فننتظر نتائج الانتخابات الأمريكية، ومن سيكون سيد البيت الأبيض .. وإلى أين ستصل المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني-الأمريكي.. والمحادثات السعودية- الإيرانية، وانعكاساتها علينا؟ وننتظر تداعيات الخروج الأمريكي من أفغانستان والعراق وسوريا.. ومن سيكون الرئيس المقبل لفرنسا؟ وكيف سيكون تعاطيه مع أوضاعنا المتأزمة؟ ونحن بانتظار الرضى والمسامحة السعودية، واعادة فتح أسواقها أمام البضائع اللبنانية..
هذا الانتظار أصبح جزءاَ من حياتنا اليومية.. أصبح هاجسنا وخوفنا الدائم، الذي لم ولن ينته.. مثلاَ سنبقى ننتظر التوقف الشامل لشبكة كهرباء لبنان عن العمل، يوماَ ما، لأننا حتى تاريخه لا نمتلك اي خطة لحل هذه الأزمة المتفاقمة يوماَ بعد يوم .. ومع استمرار التجييش الإعلامي والمنبري، وشد العصب المذهبي، نحن ننتظر احتدام صراع طائفي، قد يؤدي إلى حرب أهلية، عواقبها كارثية.. واستمرار وجود الاطماع الخارجية بمياهنا، وأرضنا و"نفطنا" ، يجعلنا في انتظار دائم، لحرب قد تشن علينا، من قبل عدونا المتربص بنا ليل نهار ..
نحن اللبنانيين.. ننتظر وننتظر.. حتى ادمنا الانتظار.. يوماَ وراء يوم، وشهراَ يتبعه شهر، ثم تتوالى السنوات، لنكتشف في نهاية المطاف ان سنوات العمر لم تنتظر.. ومصير وطن لا يمكن أن ينتظر فتات الآخرين، والتفاتاتهم العابرة، ونتائج سياساتهم الداخلية والخارجية، التي تؤسس لمصالحهم بالدرجة الأولى .. الأوطان لا تبنى وتعلو وتسود بالانتظار والتوقعات والأماني.. الوطن لا يمكن أن يبقى ريشة ملقاة على أرصفة الآخرين، ينتظر نسمة رضى ترفعه إلى الأعالي، أو عاصفة غضب تنزل به أسفل سافلين..
*ناشطة اعلامية
بريد المحور