لمناسبة ذكرى مرور أربعين عاماً على مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا التي نفذها جيش العدو الإسرائيلي وعملائه من القوات اللبنانية وحزب الكتائب، نظمت نساء من أجل القدس، والمرصد العربي لحقوق الإنسان، ولجان العمل في المخيمات الفلسطينية وجمعية التراث الوطني الفلسطيني في لبنان، ندوة في قاعة أشرعة العودة في مخيم برج البراجنة تحدثت فيها الصحافية منى سكرية تحت عنوان "القاتل معروف والعدالة غائبة"، وحضرها ممثلون عن الفصائل الفلسطينة والاحزاب اللبنانية وجمعيات نسائية فلسطينية في المخيم وعدد من أبناء المخيم، ووسائل الإعلام.
كلمة تقديم من رئيسة جمعية نساء من أجل القدس الدكتورة راغدة المصري قالت فيها : في كل عام نلتقي لإحياء هذه الذكرى لأن هذا الجرح لم يوجعنا فقط وإنما كان الحافز لنا للوقوف بوجه المتآمرين على فلسطين وعلى المنطقة، وها هي المقاومة اليوم في لبنان وسوريا واليمن وفلسطين والعراق تقف ويدها على الزناد من أجل تحرير فلسطين.
وأطلقت المصري دعوة للعمل على توثيق كل ما يتعلق بمجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا، وتوفير شهادات الناجين، لإبقاء الذاكرة حية، ومتحفزة، ولإدانة هذا العدو وعملائه على جرائمهم.
ثم تحدثت الصحافية منى سكرية وسألت : لنفترض أن إسرئيل ما تزال تحتل لبنان منذ اجتياحها في العام 1982؟ ولنفترض أن المتعاونين معها من عملائها حزب الكتائب والقوات اللبنانية ما زالوا ممسكين بالسلطة منذ وصلوا إليها على ضهر الدبابة الاسرائيلية يومذاك؟ أية صورة لأية مخيلة يمكن لها أن تضع نتائج هذين الأمرين لو استتب الأمر لهم جميعاً بالسيطرة.
أسئلة افتراضية، لكنها تثير الكثير من التخيلات في حال استجماع الصور من الذاكرة.. وقائع موثقة، ومكتوبة، بعناوين المجازر او القتل الفردي، أو التهجير بالعنف ارتكبها العدو الاسرائيلي وعملائه على أرض لبنان، وتحديداً خلال اجتياح اسرائيل العام 1982.. منهج لم يحد عن استخدام العنف والقتل للوصول والسيطرة. صورة العملاء مطابقة لسلوكيات الذين تعاونوا معه لتحقيق مآربهم في الإمساك بالسلطة، ولممارسة التسلط على رقاب العباد.
وأضافت: مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا ارتكبها أشخاص لهم أسماء معروفة، وعناوين انتماءات وبطاقات حزبية، ومواقف جاهروا بها سرّاً وبالعلن، وتواريخ موثقة باللقاءات.لقد كانوا، ولم يكونوا سوى أذلاء في خدمة المشروع الصهيوني قادها مجموعة من العصابيين المراهقين في معنى معرفة العدو من الصديق، الحليف من إبناء العيش الواحد في وطن واحد... إنه تاريخ معروف، كشفته وثائق وكتب وأرشيفات أخذت وما تزال تأخذ طريقها إلى الظهور العلني وإلى النشر، ولمؤلفين كبار وبكل اللغات.
وتساءلت سكرية: هل في محاولتنا نبش الذاكرة الآن سبب شخصي، أو مجرد افتراء، أو تحريض على فتنة داخلية/أهلية؟ وقالت: بالتأكيد كلا لإن استحضار الذاكرة ليس نبشاً مجانياً لها، وليس انتقائياً لوقائع وأحداث مرّت.. فالعدو الصهيوني/الاسرائيلي/الإحتلالي/الاستيطاني/العنصري/الذي قام وما يزال إلى يوم زواله القريب بإذن الله قائم على ارتكاب المجازر. إذاً هو بالتعريف والتجربة عدو ونقطة عالسطر. ومثله المتعاون والعميل في خدمته.
وأشارت إلى أن مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا حصلت أيام 16 و17 و18 أيلول من العام 1982، سبقها تحضيرات عسكرية ونقل للجنود الاسرائيليين في 2 ايلول الى محيط المطار(كتاب آلان مينارغ).
وتابعت: هذه المجزرة ربما ليست الأفظع بين المجازر التي ارتكبها العدو الاسرائيلي منذ ما قبل العام 1948، أو الأبشع بين المجازر التي ارتكبها حزب الكتائب والقوات اللبنانية أبّان الحرب الأهلية 1975-1990 ولكن لهذه المجزرة طعم الدم، ولون السواطير المتوحشة، ورائحة الدم البريء المسفوح بدم بارد، وأقصى مشاعر الحقد والبهائمية .
يقول روبرت فيسك الكاتب البريطاني (توفي قبل سنتين) في كتابه بعنوان "ويلات وطن" : كنت أسير على عشرات الجثث التي كانت تهتز تحت قدمي".. ويتابع عن المجزرة في كتابه المذكور: إنه أفظع عمل إرهابي في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وهو الأكبر حجماً وزمناً، وارتكبه أفراد يعرفون تمام المعرفة أنهم يذبحون أناساً أبرياء"....
أما آلان مينارغ الكاتب الصحافي الفرنسي فقد عرض بالوثائق لمجريات العلاقات الإسرائيلية- القوات لبنانية بزعامة بشير الجميل وعلى مدى سبع سنوات من التخطيط والتعاون ووضع البرامج في كيفية التخلص بالقتل والمجازر من الفلسطينيين والسورييين سواء كوجود سياسي/عسكري أو كوجود مدنيين، وفي الوصول إلى سدة الرئاسة واستلام الحكم والسيطرة على البلد، وجعله لبنانهم كما يريدون، والذي لم يكن سوى لبنان الاسرائيلي بكامل التفاصيل، وفي عقد معاهدات صلح وتطبيع مع هذا العدو، ولكم أن تتخيلوا الصورة والمشهد والتداعيات. في كتاب مينارغ بعنوان "أسرار حرب لبنان – من انقلاب بشير الجميل إلى حرب المخيمات الفلسطينية"، معلومات بالتفاصيل عن مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا والتحضير لها من قبل الاسرائيليين وتحديدا شارون ومن القوات اللبنانية وبأسماء الذين شاركوا في هذه المجزرة، وأيضاً من جماعة سعد حداد.
أما كتاب المؤرخة الدكتورة بيان نويهض الحوت (802 صفحة) وباللغتين العربية والإنكليزية، والصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية فهو الكتاب/المرجع ، وهو الأبرز والأشمل في إعطاء الصورة شبه الكاملة، أقول شبه الكاملة لأن الأرقام الموجودة في الكتاب غير مكتملة، خاصة وهناك أرقام عن عدد اللبنانيين الذين قتلوا في هذه المجزرة كشف عنها سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه في أربعينية الإمام الحسين مؤخراً. إنها أرقام مرعبة، ومثيرة لضرورة استكمال معرفة الضحايا والناجين.
أود هنا التوقف عند مشاركتي في تسجيل مقابلات مع مدراء وعناصر الدفاع المدني اللبناني عما شاهدوه في مجزرة صبرا وشاتيلا وقد وردت هذه المقابلات في كتاب الدكتورة بيان نويهض وعنوانه " صبرا وشاتيلا 1982 وصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
ورأت سكرية أنه لا يجب أن يمحو الصمت حقيقة مجزرة صبرا وشاتيلا، ولا مرور أربعين عاماً على وقوعها يعني أنها صارت في غياهب النسيان. فالقتلة ما زالوا موجودون من الاسرائيليين ومن عملائهم في الداخل، مما يثير مخاوف عودتهم إذا ما تسنى لهم زمام الأمر. ولنا أن نقرأ ونتابع سلوكياتهم وأدائهم السياسي. لم يعتذروا، ولم يعترفوا، ولم يخجلوا، وسيرهم الذاتية تدل على شغفهم وغرائزيتهم بارتكاب القتل العمد لمجرد القتل العمد..
أما عن العدالة فحدث ولا حرج.! العدالة مِن مَن؟ ومن أية جهة ومؤسسات دولية؟ وجميعنا يعرف الدعم المطلق من الدول الكبرى بداية من بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأميركية ومعه الغرب بالمفهوم الاستعماري البغيض، الدعم المطلق لنشوء وحماية بقاء الكيان الاسرائيلي.. أية عدالة، ومنظمة الأمم المتحدة في قبضة القوة الاميركية.، وبالتالي فقد عجزت وما تزال عاجزة عن تنفيذ قراراتها؟
أما القيادة السياسية الفلسطينية وفي كل مراحل السبعين عاماً، ومؤسساتها، وإعلامها، فعليهم مسؤولية عظمى في عدم الإقدام إلى اليوم في رفع الدعاوى واللجوء إلى المحاكم الدولية ولو صورياً..
وختمت : نستذكر مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا ليس من باب نكئ الجراح وهي جراح لا تندمل، وإنما لاستثارة الذاكرة، وحض الوعي على المزيد من الوعي والتنبه. فالعدو ما يزال عدواً، وكما يقول المثل/الحكمة صديق عدوي عدوي.
ثم فتح النقاش مع الحضور وادلى عدد من المشاركين بمداخلات قيمة.
رصد المحور الاخباري