المقال السابق

لبنان حمية: قرارنا في لبنان كان وسيبقى الوطن بقراره الحر 
23/10/2023

المقال التالي

ميديا  وقفة تضامنية تخليدا لذكرى الشهيد عصام عبدالله
23/10/2023
من الصحف اربعون عاما على طرد المارينز من لبنان

 40 سنة على الهروب الدموي للأميركيين من لبنان | واشنطن تهدد بإرسال المارينز: أهلاً بهالطلة!
الاخبار-  كريم الأمين  الإثنين 23 تشرين الأول 2023
 

قرابة الخامسة والنصف من صباح الأحد 23 تشرين الأول 1983، دخلت شاحنة مرسيدس صفراء مقرّ الثكنة الرئيسية لـ«كتيبة الإنزال» التابعة لمشاة البحرية الأميركية (المارينز) قرب مطار بيروت. قام سائق الشاحنة بجولة دائرية جنوب موقف السيارات في الثكنة ثم خرج من المكان. وعند الساعة السادسة والدقيقة الـ 22 صباحاً، عادت الشاحنة واقتحمت المقرّ مسرعة، ولكن هذه المرة من الجهة الغربية لموقف السيارات، وقامت بعملية التفافية قبل أن تتجه مباشرة نحو حاجز من الأسلاك الشائكة يفصل بين موقف السيارات والمبنى. وبعد أن قطعت الحاجز مسرعة، اجتازت البوابة الرئيسية، وانفجرت في الردهة داخل المبنى. وأدت قوة الانفجار إلى رفع المبنى المكوّن من أربع طبقات في الهواء، ما دمّر أعمدة الدعم والقواعد قبل أن ينهار البناء تماماً.

روايات كثيرة صيغت حول ما حدث، السائد فيها هو التحقيقات التي أجرتها الإدارة الأميركية. لكن، لم تصدر رواية عن الجهة المنفّذة منذ تاريخ العملية. وأجمع الشهود على أن ما حدث كان على صورة مناورة، إذ قال الحرّاس، إنهم سبقوا أن شاهدوا الشاحنة، وتصرفوا معها باسترخاء، لأنها تشبه الشاحنات التي تنقل الحاجيات إلى الثكنة. عملياً، لم يتلقَّ الحراس أي إنذار كي يتأهبوا ويطلقوا النار عليها قبل أن تخترق موقعَي الحراسة والمدخل الرئيسي. ووفقاً للحارس نائب العريف، إيدي دفرانكو، الذي بقي على قيد الحياة، فقد كان موجوداً في مركز الحراسة رقم 7، عند المدخل الرئيسي حيث اقتحمت الشاحنة، وقال أيضاً إنه عندما رأى الشاحنة أول مرة قبل أن تقترب، اعتقد أنها مثل عشرات الشاحنات التي تنقل المياه والبضائع والمعدات يومياً من محطة الشحن في المطار.

تضاربت المعلومات حول كمية المتفجرات التي كانت مزروعة في الشاحنة، ولكن الرقم الأكثر تداولاً أشار إلى خمسة أطنان من مادة الـ«تي. أن. تي» الشديدة الانفجار. وكانت المتفجرات موضّبة بطريقة مدروسة، إذ يتجه عصف الانفجار إلى الأعلى، ما تسبب في دمار كبير وإصابة كل من كان في المبنى. وقد أُعلن لاحقاً عن مقتل 241 أميركياً، بينهم 220 من جنود المارينز.
لم تمرّ دقائق قليلة على التفجير، حتى دوى انفجار ضخم آخر، في مبنى دراكار الكائن في الرملة البيضاء حيث مقرّ المظليين الفرنسيين، ما أدى إلى مقتل 58 منهم. الانفجار الذي ظلّ الخلاف قائماً حول طريقته، أُشير إليه حينئذٍ على أنه ناجم أيضاً عن سيارة مفخّخة اقتحمت المكان، محمّلة بنحو خمسة أطنان من المتفجرات.

بعد 40 عاماً على أهم الضربات للاحتلال الأميركي يعود قادة الولايات المتحدة إلى سيناريو الاستعراض نفسه

الرواية حول الشاحنة قابلتها رواية أخرى، قُدّمت بعد ثلاثين سنة. فقد نشرت صحيفة الـ«موند» الفرنسية تحقيقاً عام 2013، أوردت فيه شهادات تستند إلى تحقيقات السلطات الفرنسية. ونقلت عن جنود فرنسيين كانوا في مبنى مجاور، يسمى كاتاماران، ويقع على بعد أقل من 100 متر من مبنى داكار، أنهم خرجوا إلى الشرفة بعد انفجار الثكنة الأميركية، وبعد دقيقتين انفجر مبنى دراكار. إلا أنهم قالوا إنهم لم يروا أي شاحنة تدخل إلى المبنى. كما نُقل عن الضابط المسؤول عن حماية المبنى الناجي عمر ماري ماغدلين قوله: «المبنى كان محاطاً بسور ومحميّاً بسدود ترابية، وكان الشارع مغلقاً من الجانبين، فيما البناء مسيّج بعوائق وأسلاك شائكة، ما يجعل مرور شاحنة من دون ملاحظتها أمراً غير ممكن». لكن، لم يستمع أحد لهؤلاء الشهود أثناء التحقيقات، ومُنع الناجون من الحديث مع أي كان.
أرسلت واشنطن، الأدميرال روبرت إل. جاي لونغ، ممثل وزارة الدفاع الأميركية للتحقيق في انفجار «المارينز». لكن الوضع كان يزداد سوداوية على القوات الأميركية، إذ تواصلت العمليات ضد جنود «المارينز»، قبل أن يُعلن الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، في 7 شباط 1984، نقل قوات «المارينز» من القواعد في مطار بيروت إلى السفن الأميركية على الشاطىء. وفي أسبوعين، قامت الحاملة «يو إس إس نيو جيرزي» بعمليات قصف انتقامية ضد مناطق كثيرة في لبنان، قبل أن يصدر الأمر الأميركي بالخروج نهائياً من لبنان ومياهه في 26 شباط 1984.

من يقف خلف العملية؟
لم يكن تفجير مقرّ «المارينز» حدثاً عادياً بالنسبة إلى الأميركيين، إذ كانت له نتائجه الكبيرة التي تُرجمت لاحقاً بسقوط الحكم الحليف لواشنطن في لبنان، وتداعي نتائج الغزو الإسرائيلي. وفي ظل الحرب الباردة التي كانت قائمة مع الاتحاد السوفياتي حينذاك، أُطلق كثير من المواقف التي اتهمت موسكو ودمشق بالوقوف خلف الهجوم، أو تقديم تسهيلات له. لكن الاستخبارات العسكرية الأميركية سرعان ما وضعت على طاولات العاملين لديها ملفاً جديداً: الجهاديون المقرّبون من إيران.

مضى وقت غير قصير نسبياً على إبراز الأميركيين الاتهام المباشر لرجال مقربين من إيران بالوقوف خلف الهجوم، وربطوه بالهجمات التي طالت رجال الاستخبارات العسكرية الأميركية في لبنان، وموجة خطف الرهائن الأميركيين والغربيين. وبعد أعوام قليلة، صار الغرب يتحدّث عن أن المجموعات التي عاد حزب الله وتأسّس منها، هي التي تقف خلف العمليات، وبرز لأول مرة اسم الشهيد عماد مغنية في رأس قائمة المطلوبين.
طواقم الاستخبارات المركزية التي تناوبت على ملفات الشرق الأوسط، كانت دائماً تعمل بدافع «شخصي» ضد من حمّلتهم المسؤولية عن الهجوم. ولذلك ورد في عدد من التقارير الأميركية كتب بعضُها محلّلون سابقون في الاستخبارات، فإن «مطاردة عماد مغنية كانت شخصية». اتهمت واشنطن الشهيد رضوان بأنه يقف أيضاً خلف تفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1983، والذي أدى إلى تدمير محطة وكالة المخابرات المركزية بأكملها، ومقتل رئيس فرع الشرق الأوسط بالوكالة، وإنه كان يقف خلف اختطاف الرئيس لمحطة وكالة المخابرات المركزية، ويليام باكلي، وتصفيته، في 1984، والذي أُرسل إلى بيروت عام 1983 لإنشاء محطة جديدة لوكالة المخابرات بعد تدمير المحطة السابقة. وقال مسؤول كبير في المخابرات المركزية: «إن احتجاز باكلي أدى إلى إغلاق أنشطة المخابرات المركزية الأميركية في البلاد».
رامسفيلد لشولتز: علينا تذكير أنفسنا دائماً بأن الدخول في شيء هو دائماً أسهل من الخروج منه

في كتابه «المعلوم والمجهول»، أورد دونالد رامسفيلد، المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان في عهد ريغان، عنواناً خاصاًَ بالفصل المخصص لعملية تفجير مقر المارينز في بيروت، وأسماه «ابتسامة الموت». كل من يكتب عن تلك العملية يذكر أن سائق الشاحنة التي انفجرت في مبنى المارينز كان يبتسم قبل ثوانٍ من الانفجار، وفقاً لروايات الشهود. الانفجار قتل 241 جندياً من أصل 350 كانوا يشكّلون عديد الكتيبة الأولى من فرقة المشاة البحرية الثامنة، ومثّل أكبر ضربة للمارينز في تاريخها. قال رامسفيلد «إن تفجير مقر المارينز هو أكبر هجوم إرهابي على الولايات المتحدة الأميركية قبل 11 أيلول».
رامسفيلد نفسه، أورد تعليقاً لنائب الرئيس الأميركي حينذاك، جورج بوش الأب، قال فيه «لن نسمح لمجموعة من الإرهابيين الغدارين، الجبناء، في رسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة». وعلّق رامسفيلد: «أتفق معه بكل ما قال، إلا أنهم ليسوا جبناء، ولا أعتقد أن مجموعة من الأشخاص مستعدين لقيادة شاحنة وتفجيرها وقتل أنفسهم هم مجموعة من الجبناء». وأشار رامسفيلد إلى أنه قدّم إلى وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت، جورج شولتز، ملاحظته بعد أن وصل إلى بيروت وقال فيها إنه يعتقد أنه «يجب ردم الهوة الموجودة بين التصور المبالغ فيه، وبين قدرتنا والواقع»، وثانياً «أن لا نستخدم أبداً الجنود الأميركيين كقوات حفظ سلام، لأننا كنا هدفاً كبيراً»، وثالثاً «تذكير أنفسنا دائماً بأن الدخول في شيء هو دائماً أسهل من الخروج منه».

بعد مرور أربعين عاماً على واحدة من أهم عمليات المقاومة للاحتلال الأميركي في المنطقة، يعود قادة الولايات المتحدة إلى تكرار سيناريو الاستعراض نفسه. قبل أيام، أُعلن في الولايات المتحدة أن وزير الدفاع لويد أوستن أمر 2000 جندي أميركي، بالاستعداد لاحتمال المشاركة في حرب إلى جانب إسرائيل. في حين، قال متخصصون، إن هذه المجموعة من العسكريين، لن تكون لديها مهمات قتالية، بل يقتصر دورها على الدعم اللوجستي، إلا أن الخطوة قد تكون مقدّمة لإرسال مزيد من الجنود بمهمات قتالية مستقبلاً. وفي حال قررت الولايات المتحدة الدخول مباشرة في الحرب القائمة اليوم، فإن في لبنان والمنطقة، من ينتظر هؤلاء، وبين هؤلاء لبنانيون يلتزمون بحملة وزارة السياحة ويقولون لهؤلاء: أهلاً بهالطلة!

عسكر أميركا في لبنان... والنووي أيضاً!
لم تكن «زيارة» الوحدة البرمائية البحرية للمارينز الأميركي عام 1982 الأولى إلى لبنان، بل سبقتها أخرى عام 1958، بطلب من الرئيس كميل شمعون الذي كان يواجه انتفاضة شعبية مسلحة في وجه حكمه. يومها، أرسل الرئيس الأميركي، أيزنهاور، الفوج الثاني لقوات المارينز. وصل 1700 جندي إلى شاطىء بيروت، بعدما كان الأسطول السادس التابع للبحرية الأميركية قد جمع أكثر من 70 سفينة حربية للمواكبة.

ووفقاً لبروس رايدل في كتابه (بيروت 1958- كيف بدأت حروب أميركا في الشرق الأوسط)، كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي ترسل فيها الولايات المتحدة قوات مقاتلة إلى المنطقة العربية. ويضيف: في 15 تموز 1958، كان لبنان مقبلاً على كارثة، المسلمون يعتبرون أنّ التدخل الأميركي ضدهم، والمسيحيون يعتبرون أن الأميركيين جاؤوا لينقذوا حكمهم ورئيسهم كميل شمعون. كان الأميركيون يتحضرون للحرب، وكما تقتضي الإجراءات في ذلك الوقت. ويشير الكاتب الأميركي إلى أن واشنطن طلبت من ألمانيا تجهيز بطاريات تحمل صواريخ، يمكن أن تكون بينها رؤوس نووية، ولكن ما إن وصلت الصواريخ عبر البحر حتى عادت عبر الجو إلى ألمانيا، وانتهت الأزمة اللبنانية بالطرق الدبلوماسية وفقاً للكاتب.
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران عام 1982، واحتلال العاصمة بيروت بعد إخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية منها، وقد بقيت في بيروت «قوات حفظ السلام» التي أُرسلت في آب للإشراف على إجلاء المقاتلين الفلسطينين، تشكلت القوات الأجنبية يومها من 800 جندي من وحدة برمائية بحرية أميركية، و400 جندي فرنسي، و800 جندي ايطالي. بعد انتهاء عملية الإجلاء خرجت القوة الاميركية منتصف شهر أيلول، قبل أن تعود قوات المارينز إلى لبنان في 26 أيلول من العام نفسه، إثر تصفية بشير الجميل، والتي أعقبها ارتكاب العدو وحلفائه من قوات الجبهة اللبنانية مجزرة صبرا وشاتيلا. وضُمّت قوة المارينز إلى «قوات حفظ السلام».
بين تشرين الأول وكانون الأول من العام نفسه، نُقلت الأسلحة والمدرعات من البوارج الحربية الأميركية إلى البر. وقامت بعض القوات الأميركية أيضاً بدوريات في أحياء المنطقة الشرقية من بيروت، خلف ما كان يعرف وقتها بالخط الأخضر. وبالتوازي، نفذت القوات الأميركية برنامجاً لتدريب عناصر من الجيش اللبناني.


العمليات ضد الأميركيين... والجهاد الإسلامي
مع انطلاق المواجهات العسكرية ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، خرجت فصائل لبنانية وفلسطينية لتقوم بالعمليات. وبعد الهدوء الذي رافق خروج المقاتلين الفلسطينيين، وتعزز سلطة الحكم للرئيس أمين الجميل، كانت مجموعات فدائية جديدة تظهر علناً، لكن بأسماء وهمية لم يكن الهدف منها سوى الإشارة إلى الطابع العقائدي لهذه المجموعات. وكان الأبرز بينها منظمة الجهاد الإسلامي التي تبنّت عمليات كثيرة، من بينها تفجير مقرَّي المارينز والمظليين الفرنسيين.
جنود القوات المتعددة الجنسية تعرضوا لعميات كثيرة. في عام 1983، وفي 16 أذار تحديداً، أُصيب 5 جنود من المارينز في هجوم جنوب بيروت. وبعدها بشهر، وتحديداً عند الواحدة من بعد ظهر 18 نيسان، اقتحمت شاحنة محملة بنحو طنّ من المواد المتفجرة مقر السفارة الأميركية في بيروت وانفجرت مدمّرةً المبنى، ومخلّفة خسائر كبيرة من بينها 17 أميركياً، ثمانية منهم ضباط في وكالة المخابرات المركزية (CIA)، وإصابة أكثر من 100 آخرين. وقد تبين لاحقاً أن التفجير حدث أثناء انعقاد اجتماع خاص لممثلي وكالة الاستخبارات الأميركية في المنطقة. وفي شهر أيار من العام نفسه، أُطلقت النيران على مروحية تابعة للمارينز، ليتبيّن أن قائد المارينز في لبنان، الكولونيل جايمس ميد، كان على متنها. وفي شهري آب وأيلول أيضاً، تعرضت ثكنة المارينز قرب مطار بيروت لعمليات عسكرية، ما أدى إلى مقتل خمسة جنود وإصابة 49 جندياً آخرين. في حين كانت المجموعات العسكرية الفرنسية والإيطالية تتعرض هي أيضاً لعمليات عسكرية، ما أدى إلى مقتل جندي فرنسي وإصابة خمسة جنود إيطاليين. وفي شهر أيلول أيضاً، قصفت المدمرتان «يو إس إس جون رودجيرز» و«يو إس إس فيرجينيا» مناطق في جبل لبنان، وسقطت قذائف كبيرة في مناطق بين الشوف وعاليه، حيث كانت قوى لبنان حليفة سوريا تسيطر على المكان. وفي 24 أيلول من العام نفسه، وصلت البارجة «يو إس إس نيو جيرسي» إلى شواطىء بيروت. وفي تلك المدة، ارتفعت وتيرة الهجمات ضد القوات المتعددة الجنسيات، وأُطلقت النيران على مروحيتين تابعتين للمارينز، وأُصيب اثنان من جنودهما بطلقات رشاشات خفيفة. كما قُتل جندي في 14 تشرين الأول وأُصيب 5 بجروح نتيجة طلقات نارية من قناص، وآخر نتيجة قنبلة، وفي التاسع عشر من الشهر نفسه، أُصيب 4 من جنود المارينز بعد أن أُحبطت عملية لتفجير آليتهم.

صحيفة الاخبار

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة