الراهبة المقاوِمة التي سارت على خطى الثائر الأوّل: أيّ إعلام «يرجم» الأخت مايا زيادة؟
الاخبار- نزار نمر الأربعاء 13 آذار 2024
مع تفاعل قضيّة الراهبة مايا زيادة، التي انتشر مقطع لها وهي تخطب أمام الأطفال في مدرسة «الحبل بلا دنس» في بلدة غبالة في فتوح كسروان، داعيةً إلى الصلاة من أجل أطفال غزّة والجنوب اللبناني ورجال المقاومة الذين يدافعون عن لبنان، قرّرت قناة «الجديد»، التي ترفع لواء المقاومة منذ أشهر، التماهي مع رأي أحزاب وأطراف معارضة لمبدأ المقاومة، رغم أنّه ليس رأي الغالبية، في مخالفة واضحة للأصول المهنية بأخذ الرأي والرأي الآخر.
هكذا، بثّت القناة في نشرة أخبارها أول من أمس تقريراً من إعداد ربى الفرنّ، التي وصفت تقريرها بـ«الرواية الكاملة»، رغم أنّه لم يكن كذلك، أو على الأقلّ جاء مفضّلاً رأياً على آخر بطريقة واضحة. نقل التقرير وجهة نظر الأهل الذين توجّهوا باعتراض لدى بكركي متّهمين الأخت زيادة بـ«غسل أدمغة» أطفالهم، قبل أن يظهر الانحياز أكثر بقول معدّة التقرير إنّ «الغضب لم يكن محصوراً فقط بأهالي الطلّاب وبأبناء منطقة فتوح كسروان، بل على مساحة الوطن بحجّة أنّ موقف الأخت زيادة يتناقض مع بيانات مجلس المطارنة الموارنة وعظات بكركي ومع السواد الأعظم من المجتمع المسيحي». بكلّ استخفاف، أخذ التقرير رأي مجموعة صغيرة من الناس، وعمّمه على «مساحة الوطن» و«السواد الأعظم» من طائفة معيّنة بطريقة تبسيطية ومن دون أيّ أساس علمي أو إحصاءات أو ما شابه. اتّكل التقرير على بضع تغريدات لناشطين معروفي التوجّه عُرضت على الشاشة، عادّاً إيّاها دليلاً قاطعاً على توجّه هذا «المجتمع»، رغم أنّه يمكن إيجاد تغريدات بعدد مماثل من ناشطين من الطائفة نفسها مؤيّدين لموقف الأخت مايا زيادة.
وأكملت معدّة التقرير: «ما موقف الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكية؟ وهل فعلاً نالت الراهبة جزاء أقوالها؟» قبل أن تعرض مقابلة أجرتها ضمن التقرير مع الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، الأب يوسف نصر، الذي اعتبر أنّ ما قالته الأخت زيادة «لغة سياسية» يتعارض مع قيَم «التربية على المواطنية والانتماء إلى الوطن»، متّهماً زيادة بإثارة الانقسامات بطريقة غير مباشرة. وكان لافتاً ردّ الفرنّ بـ«نعم، نعم» بنبرة مؤيّدة عند قول نصر إنّ مسؤوليّات زيادة محدودة. باختصار، بات الوقوف إلى جانب لبنانيّين يتعرّضون للعدوان على يد احتلال إجراميّ «لغةً سياسيةً» لا تخصّ «الانتماء إلى الوطن»، وبات تأييد اللبناني الذي يدافع عن أرضه «يثير الانقسامات» ويستدعي «جزاءً»! العجيب أنّ كلّ هذا لم يصدر عن «تلفزيون المرّ» مثلاً، بل عن قناة تجهد على قدم وساق لإظهار تأييدها لمبدأ المقاومة ضدّ العدوّ ورفضها ما يتعرّض له أهل الجنوب وأهل غزّة على حدّ سواء.
أخذ تقرير «الجديد» رأي مجموعة وعمّمه على «مساحة الوطن» و«السواد الأعظم» من طائفة معيّنة
ولم ينقل التقرير «الرأي الآخر» سوى في الثواني العشرين الأخيرة منه ونقلاً عن الغائب، فقالت مُعدّته إنّه «رغم هذه الحملة الشرسة على الراهبة، إلّا أنّ مواقفها لاقت تأييداً وإشادة باعتبار أنّ الراهبة لم تنطق إلّا بتعاليم المسيح القائمة على المحبّة ونصرة المظلوم، ووضعَ المؤيّدون الحملةَ عليها في إطار الحملة السياسية». وأنهت باجتزاء من منشور شقيقة الراهبة ميراي ورد فيه «يروحوا يبلطوا البحر. بس تصيروا بلا خطيئة، بيصير إلكن حقّ تحكوا»، رغم أنّ ميراي كتبت أكثر من ذلك بكثير بما في ذلك أنّ «الوطن هو كلّه من الشمال للجنوب ومن البحر للبقاع، ومش على قدّ الزاوية يلّي عايش فيا»، أي إنّ «الجديد» حاولت حفظ ماء الوجه عبر طريقة «رفع العتب» التي تمتهنها جيّداً عندما تريد توجيه الرسائل السياسية، ويمكن اتّهام القناة نفسها بأنّها تحاول إثارة الانقسامات، ولا سيّما عبر طريقة اختيار قراءة هذه الجملة من منشور ميراي زيادة الذي لا يمكن قراءته بأكمله على الشاشة بسبب طوله وصغر الخطّ ووضعه لثوانٍ ثلاث فقط.
هي ليست المرّة الأولى التي تخلع فيها «الجديد» ستار المقاومة الذي وضعته بعد «طوفان الأقصى». لعلّ أبرز مثال كان إفرادها تقريراً تصدّر إحدى نشراتها في كانون الثاني (يناير) الماضي، دافعت فيه عن رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل بعد ظهوره على قناة فرنسية إلى جانب إسرائيليّين، وخوّنت كلّ مَن اعترض على تطبيعه المعلَن الذي يحظّره القانون اللبناني ويعاقب عليه، معتبرةً حينها أنّ الجميّل «يتعرّض لحملة على مواقع التواصل» من قِبل «طرف» واحد وحيد. يومها أيضاً، لم تحترم «الجديد» الأصول المهنية، فاستضافت رأياً واحداً هو مسؤول الإعلام في «الكتائب» باتريك ريشا الذي دافع عن حزبه بطريقة ركيكة.
صحيفة الاخبار