المقال التالي

إقليمي لاريجاني: نريد مفاوضات ندية مع واشنطن وليست مصطنعة
منذ 46 دقيقة
من الصحف هَبّة علوية ضدّ حكومة الشرع: مخاطر الاقتتال الأهلي تتعاظم

الأخبار_الأربعاء 26 تشرين الثاني 2025

دمشق | على وقع التوتّر الطائفي الذي تعيشه حمص، وتلبيةً لدعوة وجّهها الشيخ غزال غزال، رئيس «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر»، خرجت تظاهرات في مدن سوريّة عدة للتعبير عن رفض حالة الانفلات الأمني، والدعوة إلى سحب الأسلحة وضبطها، ومحاسبة مرتكبي الجرائم. وبينما مرّت تظاهرات عديدة بسلام، شهدت أخرى مواجهات وأعمال عنف، بعد خروج تظاهرات مضادّة مؤيّدة للسلطة، في مشهد أعاد إلى الأذهان أحداثاً مشابهة شهدتها سوريا قبل نحو عقد ونصف عقد، حين دفعت السلطة السابقة بمؤيديها لمواجهة المعارضين في الشارع.

وفي رسالة مُصوّرة، دعا الشيخ غزال، العلويين، إلى الاعتصام عند الثانية عشرة من ظهر أمس، وهاجم سلطة دمشق ووصفها بـ«الإرهابية والتكفيرية والإقصائية»، واتّهمها باستخدام الطائفة السنّية أداةً لمشروعها.

ووجّه الشيخ، في حديثه، رسالتين أساسيتين؛ الأولى عبّر خلالها عن «ندم واضح على تسليم العلويين لسلاحهم، ظناً منهم أن الدولة ستكون للجميع، قبل أن يُفاجؤوا بشعار «سبحان من أعزّنا وأذلّكم»». أمّا الرسالة الثانية، فحملت تحذيرات من مستقبل هذه السياسة، قائلاً: «ليس بيننا وبينكم حرب وجودية، فلا تجعلوها كذلك»، مضيفاً أن دماء العلويين «ستشتعل وتحرق أحقاد السلطة ومن يؤيّدها»، بحسب تعبيره.

على أنه في دمشق، لم يُعِر الكثير من العلويين اهتماماً لرسالة غزال، بل هاجمه بعضهم عبر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، اتهموه فيها بالاستهانة بدماء الناس، وسط تحذيرات من «مجزرة جديدة» قد تطاول علويّي الساحل أو حمص أو حتى دمشق.

أمّا في الساحل السوري وحمص وريف حماه ووادي العيون، فقد لاقت دعوته استجابة واسعة؛ إذ تجمّع المواطنون في عدد من الساحات، رافعين مطالب شبه موحّدة في كل أماكن الاعتصام، من مثل «لا للسلاح، لا للقتل، لا للتحريض، نعم للسلام، العلويون يد واحدة». كما طالب هؤلاء بالإفراج عن آلاف العسكريين المُعتقلين منذ سقوط النظام، وصرف رواتب العسكريين المتقاعدين المتوقّفة منذ أكثر من أحد عشر شهراً.

ولدى تواصل «الأخبار» مع مجموعة من المعتصمين في أكثر من محافظة، قال «حيدر» (اسم مستعار) عن التجمّع الذي شهدته بلدة عين الكروم التابعة لمنطقة سلحب في محافظة حماة، إن «الأهالي خرجوا استجابة لبيان الشيخ غزال غزال، وبدأوا بالتجمّع عند الحادية عشرة صباحاً قادمين من عدة قرى مجاورة، مشكّلين وقفة احتجاجية كبيرة استمرت حتى الثانية عشرة ظهراً».

وأوضح، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «جرى التنسيق مُسبقاً بين المعتصمين، مع إبلاغ الأمن العام بالوقفة، والاتفاق على أن يكون التجمّع سلمياً بالكامل، من دون أي استفزاز لعناصر الأمن الذين اكتفوا بالمراقبة من مسافة بعيدة، قبل أن يتفرّق الناس بهدوء، من دون تسجيل أي حوادث أمنية أو خروق لفظية».

وكان المشهد مشابِهاً إلى حدّ كبير في القرداحة، حيث خرج الأهالي رافعين الشعارات ذاتها المطالِبة بالأمن والأمان ووقف الانتهاكات والقتل والتهجير بحق العلويين. غير أن اللافت في اعتصام القرداحة، كان غياب الأمن العام بالكامل عن المشهد، وفقاً لشهادات الأهالي الذين تحدّثوا إلى «الأخبار»، حيث أفادوا بأن «التجمع استمرّ حتى بدأت أحوال الطقس بالتدهور، وانتهت المهلة الزمنية المحدّدة، ليغادر المشاركون تدريجياً من دون أي توترات».

أمّا في حمص، بؤرة التوتر الأخيرة، فنظّم سكان حي الزهراء الذي تعرّض لهجوم مسلح أخيراً، اعتصاماً سلمياً بين الساعتين 11 و12 ظهراً، بعد تنسيق مُسبق مع قيادة الأمن العام. ورفع المشاركون لافتات كُتب عليها: «لا للقتل الطائفي»، «لا للسلاح المنفلت، لا للانتقام».

إلّا أن قوات الأمن العام تدخّلت بعد دقائق من بدء الاعتصام، وفرّقت المتظاهرين بالقوة رغم سلمية التجمّع. وكان حي الزهراء، إلى جانب أحياء المهاجرين والأرمن، قد شهد هجوماً من مجموعات قبلية الأحد الماضي، على خلفية جريمة قتل جنائية لم تُكشف تفاصيلها بعد، واتُّهم العلويون بالمسؤولية عنها، وعمدت وزارة الداخلية على إثرها إلى فرض حظر تجوّل استمرّ 48 ساعة، واعتقال 120 شخصاً على خلفية الأحداث.

مواجهات في جبلة واللاذقية
في جبلة، تدخّلت مجموعات مسلّحة مناهضة للتظاهرة، وأطلقت النار في الهواء وسط هتافات طائفية، ما أدّى إلى اشتباكات بالأيدي واستخدام للهراوات وأخمص البنادق. وقال أحد المعتصمين هناك، في حديثه إلى «الأخبار»: «وقفنا نصف ساعة سلمياً قبل أن يهاجمنا مسلّحون»، لافتاً إلى أن «التظاهر حقنا الدستوري، لكنّ هناك استهتاراً بأرواحنا من قبل قوى الأمن التي غابت عن حواجزها».

وانسحب هذا التوتر على اللاذقية، حيث شهد دوار الزراعة تصعيداً هو الأخطر بين كل الاعتصامات؛ إذ تمّ إطلاق النار مباشرة على المعتصمين من قِبل أفراد مجموعة قيل إنهم مدنيون، ما أدّى إلى وقوع إصابات في الصدر واليدين، وفق روايات شهود عيان.

وهرب المتظاهرون إثر ذلك وسط حالة من الفوضى، فيما لم يُبلّغ عن وجود قوات أمنية في المكان لاحتواء الاعتداء أو حماية المدنيين.
في المقابل، جرت التجمعات في طرطوس بهدوء تام، حيث شارك الآلاف في تظاهرة مركزية رافعين المطالب ذاتها، ومؤكدين التزامهم بالسلمية. وتوعّد المتظاهرون بالاستمرار في الاعتصامات حتى تحقيق مطالبهم، ولا سيما استرداد الممتلكات المُصادَرة ومكافحة خطاب الكراهية.

اللافت في اعتصام القرداحة كان غياب الأمن العام بالكامل عن المشهد


وفي منطقة الغاب في ريف حماة، أوضح أحد السكان لـ«الأخبار»، أن منظّمي الاعتصام تواصلوا مع الأمن العام قبل يوم من التحرك، وتمّ الاتفاق على أن تكون الوقفة بين 11 و12 ظهراً، مع تسلّم خريطة تحدّد أماكن التجمّع، والالتزام بعدم الاقتراب من الحواجز أو المقارّ الحكومية. وأضاف: «في منطقتنا، لم يظهر الأمن أصلاً، فمرّ التجمع بهدوء».

وفي محاولة للتقليل من أهمية هذه التظاهرات، والدفع نحو إخمادها، دعا الناطق باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، عبر منشور على حسابه في «تلغرام»، إلى «عدم الانجرار وراء دعوات خارجية»، وصفها بأنها «تبغي الفتنة وإفساد النسيج المجتمعي، وقد تولّد ردات فعل، الكل بغنىً عنها»، بحسب تعبيره.

وإذ أشار البابا إلى أن «حق التظاهر والتعبير مكفول لكل السوريين»، وأن «وزارة الداخلية معنيّة بحفظ هذا الحق وعلى مسافة واحدة من الجميع»، فهو أضاف أن «قوى الأمن الداخلي أمّنت التجمّعات الاحتجاجية في بعض مناطق الساحل لمنع أي حوادث قد تستغلّها الجهات التي تروّج للفوضى، وهي جهات تقيم خارج البلاد ومنفصلة عن الواقع، وهدفها توريط المنطقة في دوّامة عدم الاستقرار»، على حدّ قوله.

مآلات الحراك
في تعليقه على الحراك، قال عمّار عجيب، العضو السابق في «المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا» (مجلس سياسي علوي)، إن الاستجابة لدعوة الاعتصام كانت «متوقّعة، لأن الضغوط الأمنية والنفسية والمادية في الساحل السوري ما عادت تُطاق»، وإن المكوّن العلوي «لم يبقَ لديه ما يخسره». وأضاف أن «الكثيرين ممن لبّوا النداء تحرّكوا من منطلق أنهم ليسوا أفضل من الذين قُتلوا وذُبحوا في منازلهم في مجازر آذار، أو الذين قُتلوا في أراضيهم، أو النساء اللواتي اختُطفن لمجرد أنهن علويات».

وعن المأمول من الحراك، رأى عجيب أن «أي مكسب سيكون جيداً، فأيّ حراك أفضل من حالة اللاحراك»، لافتاً إلى أن هذه الاعتصامات «توجّه رسائل إلى الداخل والخارج مفادها أنه طالما فُرض هذا التعامل على الساحل (...) فإن الساحل لن يستقر؛ قد يصبر سنة أو عشر سنوات، لكنه سينتفض حتماً ويحصل على استقلاله أو فيدراليته»، داعياً «اللاعبين الدوليين»، إلى إيجاد ما سمّاه «حلاً سريعاً لهذه المنطقة»، في ما يستبطن مطالبة بالحماية الدولية التي قد تمثل مدخلاً إلى التقسيم.

أمّا عن المخاوف من استغلال الحكومة وفصائلها المنتشرة في الساحل للاعتصامات وتحويلها إلى مذابح، أو التغاضي عن انتقام من/ أو مضايقات لعلويّي دمشق، فاعتقد عجيب أنه «لا بدّ من بعض المضايقات، كما حصل في حمص من إطلاق نار واعتقالات، أو في جبلة من اشتباكات بالأيدي بين مؤيّدي السلطة الجديدة والمعتصمين، إلا أن الحكومة ستتجنّب - مُجبرة - القيام بما هو أكثر من ذلك، ليس بدافع الإنسانية، بل لأن الوضع الدولي لا يسمح لها، خاصة بعد تعهّدها بحماية الأقليات ومراقبة المجتمع الدولي لهذا الأمر تحت الفصل السابع». وأضاف: «قد تحدث بعض المضايقات أو يسقط بعض الضحايا، لكنّ مجازر آذار لن تتكرر مرة أخرى».

صحيفة الاخبار

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة