فيما يلي النص الكامل لكلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم خلال المهرجان الذي أقامه حزب الله تعظيمًا للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس 5-12-2025
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين والشهداء إلى قيام يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نلتقي وفاءً للعلماء الشهداء في مهرجان العلماء الشهداء، نجيع ومداد هذا الاحتفال المميز الذي نحاول من خلاله أن نتعرف على هذا الاتجاه العظيم الذي أثّر أثره في مسيرتنا وفي حياتنا. نتحدث عن العلماء ثم بعد ذلك نتحدث عن الوضع السياسي بشكل عام. هنا لابدّ من الشكر الكبير للمعاونية الثقافية في حزب الله التي اختارت هذا العنوان وهذا المهرجان تكريماً وتعظيماً لأولئك الشهداء الأبرار.
المهرجان هو مهرجان نجيع ومداد؛ النجيع هو الدم، والمداد هو الحبر. دمهم نور حياتنا، ومدادهم خطُّ مشينا. جاهدوا بأنفسهم وأموالهم وكل شيء، أعطوا كل ما عندهم فوفّاهم الله أجرهم بغير حساب.
هم أعلام الهداية في مدى الأجيال، لن يغادروا يومياتنا ولا صناعة مستقبل أجيالنا. دماؤهم أينعت في وقت قطافها، وتعاليمهم زهرت إيذاناً باستمرارها. هم زُرّاع الأرض ومطر السماء وأهزوجة الحياة على ترنيمة التوحيد والنبوة والإمامة.
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: «والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة».
انتقل حملهم إلى السائرين على العهد من المؤمنين والمؤمنات الذين يسيرون معاً ويشقّون عباب المجد الإنساني في أروع تجسيد لخلافة الله تعالى على الأرض. إليكم مني عهد الاستمرار وبشائر المستقبل، ومن المقاومين عهد الثبات والنصر، ومن الأهل وكل المؤمنين بكم والمحبين لكم عهد الصمود والوفاء والعزة.
المعممون العلماء الذين استشهدوا في معركة أولي البأس بلغ عددهم خمسة عشر عالماً، والشهداء الطلبة من طلبة العلوم الدينية غير المعممين بلغ عددهم واحد وأربعين، والشهداء من أبناء العلماء بلغ عددهم تسعة وثلاثين.
العلماء المعممون على رأسهم سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه، وبعده السيد الهاشمي السيد هاشم صفي الدين.
أذكر أسماء العلماء الباقين تكريماً وتعظيماً وتبريكاً لهم:
العلامة الشهيد الشيخ عبد المنعم مهنا، السيد الشهيد إبراهيم حسن ياسين، السيد الشهيد محمد عارف صالح، السيد الشهيد هشام عبد الأمير نور الدين، الشيخ الشهيد أحمد رياض العوطة، الشيخ الشهيد أمين علي سعد، الشيخ الشهيد حسين أحمد يونس، الشيخ الشهيد حسين طلال جفال، الشيخ الشهيد عبدو بنيامين أبوريا، الشيخ الشهيد علي حسن أبوريا، الشيخ الشهيد علي حسين سيف الدين، الشيخ الشهيد طليع يوسف زين الدين، الشيخ الشهيد محمد خليل حمادي.
خمسة عشر عالماً معمماً في معركة أولي البأس استشهدوا بأساليب مختلفة وفي مواقع مختلفة.
وهنا من باب التبرّيك والتبرّك لابدّ أن نذكر العالمين الجليلين الشهيدين الشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي كطلائع في هذه المسيرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا كان يوم القيامة وُزِن مداد العلماء بدماء الشهداء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء».
رحمة الله تعالى عليهم وأعلى مقاماتهم ومقامات كل الشهداء.
إلى أرواحهم جميعاً نُهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.
تَميّز العلماء بدورهم ومسؤوليتهم في التعليم والتربية وفي القيادة نحو الأهداف السامية. ربّوا مجتمعهم على الجهاد وهو أساس المشروع الإلهي. هذا الجهاد لِمواجهة العدو الداخلي شيطان النفس والهوى، ومواجهة العدو الخارجي الطواغيت والظلمة والمحتلين.
إن الجهاد أساسٌ في منظومتنا الإسلامية التي نتربى عليها. مرحباً بِقومٍ قضَوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر.
قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: جهاد النفس.
نحن في حالة جهادين: جهاد النفس وجهاد العدو، وهما مترابطان معاً. وهنا دور العلماء الأساس في تربيتنا على الجهاد وذلك لِحماية الإنسان وزرع بذور مكارم الأخلاق والقيم والحياة الطيبة في نفسه وفي حياته.
ما هو الهدف من إرسال الرسل؟ وعلى أساسهم كان يعمل علماؤنا؟
قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
يعني هناك دور للعلماء في التعليم والتربية وفي إقامة العدل بين الناس، وفي استخدام الحديد من أجل المواجهة مع الأعداء لِمنعهم من فرض تعاليمهم وشروطهم على البشرية.
لقد قدّم العلماء أنفسهم شهداء، وأولادهم شهداء، وهم في الصفوف الأمامية دائماً. عاشوا حياة الناس ومعهم وبينهم.
هذه هي ميزة حزب الله بأنه أوجد علاقةً منظمة لِمشروع الرسالة السماوية من أجل الإنسان، وهي الإسلام، بين شرائحه المختلفة؛ بين العلماء وبين الناس بِطريقةٍ نشعر أنهم أمام مجتمعٍ واحد ورؤية واحدة وخط واحد.
استقى العلماء واستقى حزب الله من العلماء الكبار هذه المنهجية التي بلورها الإمام الخميني قدس الله روحه الشريفة، وتابعها الإمام الخامنئي دام ظله، وأسس لِتطبيقها الإمام موسى الصدر أعاده الله سالماً ورفيقيه، مقاومةً وحركةً اجتماعية، وبلور مسارها سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه.
لقد نجح علماؤنا في بناء الأصالة والاستقامة والعزة والحياة الطيبة ومشروع المقاومة.
فوجئ الكثيرون في لبنان وخارج لبنان كيف استطاع حزب الله أن يشقّ طريقه، لأنّ على أساس الفكرة الموجودة أن المتدينين يعتزلون الحياة، يبتعدون عن الناس، لا يتمكنون من التفاعل معهم، لا يتمكنون من الاختلاط بهم، وإذ بِحزب الله يتميّز بِطريقة عمله من ناحية له التفاف شعبي كبير ومؤثر، وهذا الالتفاف الشعبي محل نقاش ودراسة: كيف لِهؤلاء الشباب والشابات، الأطفال، الرجال، النساء، الكبار، كل شرائح المجتمع يلتفون حول حزب الله بطريقة مميزة وملفتة، هذا كله بسبب المشروع الإسلامي من ناحية، وأداء العلماء والمبلغين والمثقفين في هذا الاتجاه السليم الذي عُرض على الآخرين. إذن هذا الالتفاف الشعبي هو أمر طبيعي لأن هناك مواكبة للفطرة الإنسانية، وهناك تقديم لِتجربة صادقة أمينة مخلصة تبتغي مصلحة الإنسان، وهذا هو التفسير الصحيح للإسلام الذي يُبعد التفاسير الخاطئة والأداء الخاطئ الذي ارتكبه البعض في مراحل مختلفة من حياتنا. نحن عملنا كحزب الله على أساس «كمال الدين»: «اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينًا». والتزمنا بثوابت الإسلام، وآمنا بالجهاد في سبيل الله كهداية للبشرية: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين». وعملنا على مكارم الأخلاق: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وآمنا بالكلمة السواء: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نُشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله». كذلك تربينا على حب الوطن، والحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «حب الوطن من الإيمان»، وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: «عمرت البلدان بحب الأوطان». آمنا بالحرية: حرية الاختيار، حرية إقامة الدولة، حرية التعبير، حرية الإيمان. قال إمامنا الحسين عليه السلام مُخاطبًا الطرف الآخر في كربلاء: «إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارًا في دنياكم هذه». هذه هي التعاليم التي عملنا على أساسها، وهذه هي التعاليم التي ثبتها علماؤنا، وكان لهم الفضل الكبير في هذا الترويج وهذا الثبات وهذا الاتجاه الذي أسس لِمسارٍ مميز ومختلف عن المسارات الأخرى.
طبعًا اليوم عندما استطاع حزب الله أن يقدم هذا النموذج الراقي الرائد، وأن يؤثر في لبنان، وأن يؤثر في كل المحيط، وأن يعطي تجربة مميزة على الصعيد الوطني وعلى الصعيد العام وعلى صعيد مواجهة العدو الإسرائيلي، كان محط أنظار. وبالتالي أصبح العالم المستكبر والانحراف والطاغوت يريدون أن يشوشوا على حزب الله، يريدون أن يقضوا على حزب الله، يريدون أن يواجهوا المقاومة لأنها تطرح مشروعًا تغييريًا فيه وطنية وتحرير واستقلال وكرامة وإنسانية وعزة وأخلاق. وهؤلاء لا يريدون لنا أن نعيش هذه الحياة، ولا يريدون لمواطنين أن يعيشوا هذه الحياة، لأن التركيبة العالمية قائمة على أساس أن المستكبرين يضغطون على المستضعفين ويحاولون السيطرة عليهم حتى يتمكنوا من فرض شروطهم، ويستثمروا العالم كله اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا لِمصالحهم. هنا كانت تجربة حزب الله تجربة مميزة.
هل يُعقل أن يتمكن حزب الله من أن يعيش مع الآخرين؟ تبيّن أنه هو الذي يستطيع أن يعيش مع الآخرين، بل هو قطب من أجل تفاعل الآخرين ومن أجل جمع الآخرين. أنا أذكر في سنة 1997 عندما كنا نفكّر ماذا نفعل حتى تكون المقاومة منتشرة، وحتى نجمع كل المقاومين الشرفاء من الأحزاب والقوى والشخصيات، لابد من وضع إطار معين. في السابق كان هناك شيء اسمه الحركة الوطنية، وانتهت مع الاجتياح الإسرائيلي. بقيت هناك محاولات لجبهة وطنية تقاوم العدو الإسرائيلي، لكن متفرقة. وبالتالي مع الزمن لم يعد هناك إطار عام يجمع على مستوى الوطن. فكرنا سنة 1997 كيف نعمل حتى نجمع هذه القوى. عملنا اجتماعًا للأحزاب والقوى الوطنية تحت شعار المقاومة، واجتمع من العلماني إلى الشيوعي إلى المسيحي إلى المسلم إلى قوى مختلفة مع بعضهم، وكُنا أساسًا في هذا الاجتماع. يعني استطاع حزب الله أن يكون جزءًا لا يتجزأ من تكوين المقاومة اللبنانية الشاملة لكل القوى، وأن يتعاون معها.
استطاع حزب الله أن يبني علاقة مع أهم تيار مسيحي في سنة 2006، واستطاع مع التيار الوطني الحر أن يُعطي نموذجًا لتحالف يمكن أن يكون بين حزب الله وقوة مسيحية مؤثرة على الساحة، لتقاطع مجموعة من القناعات على قاعدة الموضوع الوطني وعلى قاعدة موضوع النهضة بلبنان. إذن حزب الله بتجربته لم يكن معزولًا ولم يكن فارضًا لآرائه على أحد، كان دائمًا متعاونًا وكان يفتح اليد، وأعطى تجربة إسلامية رائدة. هذه التجربة أغاضت الغرب، وأغاضت المنحرفين، وأغاضت الإسرائيليين، وبالتالي بدأوا الهجوم عليها. وطبعًا كل الذين لا يريدون النظافة والطهارة والعزة والكرامة والوطنية أن تبرز عند أي جهة من الجهات بدأوا بسهامهم تحت عناوين مختلفة. لكن الحمد لله هذه التجربة تبيّنت أنها رائدة.
اليوم حزب الله عندما جاء قداسة البابا إلى لبنان استقبله كشافة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف على طريق المطار بالآلاف، ومعه أناس آخرون. عملوا مقابلات مع بعض الأطفال، يعني نستطيع أن نقول والله إنهم وضعوهم وصَفّوهم، وبالتالي لا أحد يقدر يعرف ما الأفكار وما القناعات التي عندهم. لكن عندما تأتي وسائل الإعلام عربية وأجنبية وتعمل مقابلة مع ولد أو بنت عمره 8 سنين أو 9 سنين أو 12 سنة ويقول: أنا وطني. ويقول: أنا أحب البابا. ويقول: أنا أريد أن أتعاون مع المسيحيين. ويقول: نحن في بلد واحد واتجاه واحد. هذا يعني أن التربية التي نعطيها في كشّافنا، في مدارسنا، في لقاءاتنا الداخلية هي التربية التي تبرز لدينا كتجربة صارخة ومهمة جدًا على صعيد الاستقامة وعلى صعيد الوضع الوطني والتعاون مع الجميع.
هذه هي التجربة. حزب الله أصدر بيانًا إلى البابا، طبيعي أن يصدر بيان وأن يطلب منه أشياء وأن يشكره على أشياء. وإذ بحملة تقوم بها بعض الجهات المتضررة والمنزعجة وتواجه البيان. فلماذا تواجهون البيان؟ لدينا زيارة، إذهبوا واهتموا بالزيارة. في الحقيقة يُواجهون البيان لأنهم وجدوا أنه دخل إلى القلب، وأنه أثر أثره، وأنه أبرز صورة ناصعة في الواقع اللبناني لحزب الله، وهم يعملون من كل الجهات لكي يُنزلوا هذه الصورة أو يُشوهوا هذه الصورة. لا يستطيعون. من يريد أن يشوه صورة جماعة قاتلوا وقدموا وضحّوا وأعطوا بالدماء حتى برزوا أمام العالم؟ من يريد أن يُشوه صورة شعب غني بقوته وبمعنوياته وبوطنيته وبرغبته بأن يكون في الموقع العزيز؟ وهذا يظهر على الشاشات أمام جميع الناس. من يقدر أن يواجه هذه التصريحات للأطفال وهذه المشاهد وهذه الكلمات التي تسطع في سماء العزة والكرامة والوطنية والتحرير والإخلاص؟ لا أحد يستطيع؟ لذلك الحمد لله هذه التجربة تجربة رائعة مهمة مؤثرة. وعلى كل حال لو ما كنا مؤثرين إلى هذه الدرجة ما كانت هذه السهام تأتي من كل حدب وصوب. لكن بالنهاية أقول لكم: كل هذه السهام ستتكسر وستزيدنا عزيمة وقوة وطاقة، لأننا جماعة آمنا بالله تعالى وتربينا على أيدي العلماء الربانيين الذين خطوا هذه المسيرة لمصلحة الإنسان، وهذا ما سيبرز في كل المراحل.
صلّوا على محمد وآل محمد.
أدخل إلى الموضوع السياسي وأتحدث بثلاث نقاط:
أولًا: من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف سياسي في داخل الوطن. كيف ننظم الاختلاف السياسي؟ يُفترض أن ننظمه بحسب الدستور ومنظومة القوانين والحقوق والواجبات، وأن نتفاهم على كيفية المواكبة والمتابعة ضمن إطار أن الخلاف الداخلي هو خلاف على تحسين شروط بناء الدولة، لا أن يكون هذا الخلاف مبنيًا على أن يكون بعض من في الداخل أدوات لبعض من في الخارج، أو أن يعمل لترويج المشروع الإسرائيلي. من هنا نحن نتعاون مع الجميع لبناء الدولة وتحرير الأرض، وهذا هو ديدننا وهذا هو عملنا، وصحيفة أعمالنا تُثبت بشكل واضح. لا ننتظر شهادةً من أحد. نحن لا نعمل حتى نُبين، نحن نعمل حتى يرضى عنا الله عز وجل. ولذلك لا ننتظر شهادة من أحد. أيضًا نحن لا نعطي شهادة لأحد. لسنا واضعين أنفسنا في محل أننا نقول: هذا وطني وهذا ليس وطنيًا. لا نصنف. فلا يتصدى بعض الناس في لبنان فيبدأون بإعطاء شهادات وطنية، وهم بحاجة لمن يبرئهم من الجرائم التي ارتكبوها، ومن القتل في الشوارع، وفي الطرقات، وفي الأماكن المختلفة، وخاضوا حروبًا أهلية، وكانوا في تاريخ سيء. هؤلاء لا يستطيعون إعطاء شهادات. يا أخي فليصمتوا على الأقل لمصلحتهم، حتى لا يشير أحد إليهم. ولذلك لا نحن نعطي شهادة لأحد، ولا نقبل أن يعطي أحد شهادة لأحد. فليحكم الناس بشكل مباشر، وهي تؤيد أو تعارض بحسب التجربة القائمة. وعلى كل حال الانتخابات النيابية تُبرز الشعبية وتبرز الاتجاه العام، وهي حاكمة على كل الأفكار وعلى كل التقييمات.
الأمر الثاني: لبنان يواجه عدوانًا إسرائيليًا توسعيًا خطِرًا يجب مواجهته بكل الوسائل والسبل. بعضهم يقول أنه لدى إسرائيل مطالب، يا أخي ماذا تقول أنت؟ أنت محامي إسرائيل؟ أنت تنوب عن إسرائيل؟ أنت مأجور لإسرائيل؟ يا أخي لماذا تبرر لها؟ يقول نتنياهو: «أريد إسرائيل الكبرى». أنت تقول: كلا، هذا كلام ثقافي، كلام عام، هو لا يقصد هذا الموضوع. لذلك أنا أقول: انتبهوا. هذه التصريحات الإسرائيلية ليست معزولة عن كل التاريخ منذ بدء الاحتلال في منطقتنا. إسرائيل توسعية. إذا في وقت من الأوقات رأيتم أنها اقتربت ثم رجعت، فهي لم ترجع إلا لأنها لم تستطع أن تهضم ما تحتل. في سنة 1982 وصلت إلى العاصمة، ولم تخرج حتى بعد 18 سنة من 1982 إلا بفعل ضربات المقاومة. ولو لم يكن هناك ضربات للمقاومة لما خرجت. كانت أسست لمستوطنات، وكانت عملت أشياء كثيرة في لبنان. واليوم أنا أقول لكم: هذا العدو عدو توسعي. في الاتفاق لم يلتزم بالاتفاق. لبنان التزم، مقاومة لبنان التزمت، ولكن إسرائيل لم تلتزم، واعتداءات دائمة. هذه الاعتداءات ليست من أجل السلاح الموجود بيد حزب الله أو المقاومة؛ لا، هذه الاعتداءات من أجل التأسيس لاحتلال لبنان بشكل تدريجي، ورسم «إسرائيل الكبرى» من بوابة لبنان.
نحن نتعاون مع الدولة اللبنانية، ونقول بأنها اختارت سلوك الدبلوماسية لإنهاء العدوان وتطبيق الاتفاق، ونحن معها في أن تستمر في هذا الاتجاه. لا علاقة لأمريكا ولا لإسرائيل في كيفية تنظيم شؤوننا الداخلية. ليس شأنهم أن يقولوا: أنتم الدولة اللبنانية قالت حصرية السلاح، ونحن نشرف عليكم لنرى كيف عملتم حصرية السلاح، ليس لكم علاقة، ماذا نقرر بلبنان، ماذا نعمل بلبنان، ماذا نتفق بلبنان، ماذا نختلف بلبنان: لا علاقة لإسرائيل ولا علاقة لأمريكا. علاقتُهما أن يتكلموا عن الاتفاق، وعن الضوابط التي التزم بها لبنان معهم والتزموا مع لبنان. ليذهبوا ويطبقوا ما عليهم. الحدود التي يجب أن نقف عندها في كل علاقاتنا الآن كدولة لبنانية مع العدو الإسرائيلي هي حدود الاتفاق الذي يتحدث حصراً عن جنوب نهر الليطاني. لا يوجد شيء اسمه «بعد جنوب نهر الليطاني». كل الأمور الأخرى لها علاقة باللبنانيين فيما بينهم. 1701 له علاقة باللبنانيين فيما بينهم. هم يطبقون، وهم يقومون باللازم، وهم يضعون الخطوات العملية. لا علاقة لإسرائيل وأمريكا: لا علاقة لهم بالسلاح، ولا علاقة لهم بترميم القدرة، ولا علاقة لهم بالاستراتيجية الدفاعية، ولا علاقة لهم بخلافات اللبنانيين واتفاقاتهم وآرائهم. ليجلسوا جانبًا. نحن نتفاهم مع بعضنا. أما هم يكونون مسلطين ويفرضون شروطهم ويديرون، فهذا أمر مرفوض.
ثم أنا أريد أن أقول لكم شيئًا: اليوم عندما إسرائيل تقول هي وأمريكا أنهما يريدان نزع سلاح حزب الله،هل هم مكتفون بالكلام عن نزع السلاح؟ يقولون لنا: يا أخي ما المشكلة؟ يطالبون بنزع السلاح. ونحن على المستوى الوطني نريد نزع السلاح، هل تسمعون ماذا يقولون؟ يريدون نزع السلاح وتجفيف المال، ومنع الخدمات، وإقفال المدارس، وإقفال المستشفيات، ويمارسون منع الإعمار، ومنع التبرعات، ويهدمون البيوت، وكل الأموال والإمكانات. يعني بمعنى آخر: هم يريدون إلغاء وجودنا. يعني أنتم تقنعوننا بأن القصة فقط قصة نزع السلاح، ويُحل الوضع في لبنان؟ لا يُحل شيء في لبنان. فضلًا عن أننا نزع السلاح غير مقبولين به، حتى نقبل بالأمور الأخرى؟ فليكن عندكم واضح: سندافع عن أنفسنا وأهلنا وبلدنا، ونحن مستعدون للتضحية إلى الأقصى، ولن نستسلم، وسيكون بأسنا أشد وأشد، ولن نستسلم. سنكون إلى جانب أهلنا وجرحانا وأسرانا. أسطورة التضحية والنبل والصبر. اخرجوا من هذه القصة هذه أن يأتي البعض لِيحاول أن يروج أن القصة هي قصة بسيطة. لا. سنحفظ العهد وأمانة الشهداء، ولن نتراجع. فليكن واضحًا عندكم: لن نُعير خدام إسرائيل أهمية، ولن نُعير إسرائيل وأمريكا أهمية. نحن سنهتم بمن يريد أن يسمع من مواطنينا ومن القوى السياسية، ويناقش ويتعاون ضمن إطار البلد الواحد في إطار استراتيجية دفاعية نتفق عليها. هذا هو الخيار الوحيد المطروح، وغير ذلك لا يمكن. كذلك من يتراجع عن المشروع الإسرائيلي سنفتح له الباب، وسنناقش معه أيضًا. لن نغلق الأبواب، لكن على قاعدة العزة والكرامة والاستقلال، وبقاء قدرة الدفاع بأيدينا. هذه قدرة دفاعية لا يستطيع أحد في العالم أن يمنع من قدرة الدفاع ومن الوقوف في وجه من يعتدي عليه. هذا أمر محسوم ومنتهٍ عندنا. وليجربوا بأمور أخرى. ليذهبوا ويفتشوا على جماعات منهزمة حتى يناقشوها بهذا النقاش.
ثالثًا: فلتقم الحكومة اللبنانية بواجباتها. أول واجب عندها حماية السيادة وبناء الدولة والاقتصاد وخدمة الناس. لتذهب وتلحق أولًا بواجباتها. نحن ننتظر من هذه الحكومة أن تُبين لنا بطولاتها وإنجازاتها بإيقاف العدوان والتحرير. أعطونا تقريرًا منذ أن استلمتم الحكومة إلى الآن: ماذا عملتم على مستوى مواجهة العدوان؟ ماذا عملتم على مستوى تحرير الأسرى؟ ماذا عملتم على مستوى الإعمار؟ ماذا عملتم على مستوى خدمات الناس؟ أين تقدمتم في اقتصاد البلد؟ إذهبوا واشتغلوا في هذه، ولا تشتغلوا بأن تعطوا تصريحات للأجانب تحت عنوان أنه حتى يرضوا عنكم، أو أنكم تعرضون أكتافكم بأنكم تستطيعون أن تعملوا أشياء. أنا أقول لكم: لا تعرضوا هذه الأكتاف كثيرًا، لأن أكتافكم تكون عريضة ومهمة ومؤثرة عندما نكون نحن وإياكم وكل القوى الوطنية متفاهمين في مواجهة المحتل. ليس لدى الحكومة ما تتبرع به. لماذا تعملون بهذه الطريقة؟ دعونا نعمل ليكون اللبنانيون يدًا واحدة على أعدائهم.
أما موضوع المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار، هذا الإجراء مخالف بوضوح لكل التصريحات والمواقف الرسمية التي صدرت والتي كانت تقول إن إشراك أي مدني في الميكانيزم شرطه وقف الأعمال العدائية من جانب العدو. طيب هل توقفت الأعمال العدائية؟ هل أخذتم بهذا الشرط؟ قدمتم تنازلًا مجانيًا؟ وهذا التنازل لن يُغير من موقف العدو ولا من عدوانه ولا من احتلاله. وها أنتم: ذهب المندوب المدني واجتمع، وزاد الضغط العسكري والعدوان، واستمر العدوان على حاله. إسرائيل تريد أن تقول: هي تريدكم تحت النار. أمريكا تريدكم تحت النار. وبالتالي كل خطوة تُقدمونها لن تكون إلا جزءًا لا يتجزأ من مطالب إسرائيل، وليس للبنان أي مطلب. هل هذا ما تُريدونه؟ نحن نعتبر أن هذا الإجراء هو سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة قرار الخامس من آب. حمى الله لبنان مما هو أعظم.
يا أخي أعد النظر، بدل أن تضعوا خطوات إلى الأمام تعطيكم قوة وتحقق إنجازات، أنتم تعملون تنازلات لن تنفع مع إسرائيل. على كل حال بعد الفرصة موجودة، تستطيعون أن تقفوا على قاعدة: فلتوقف إسرائيل إطلاق النار، تستطيعون أن تعملوا خطوات إعادة الإعمار، ضعوها بوجه إسرائيل، تستطيعون أن تعملوا تفاهمًا داخليًا على قاعدة ألا نسمح بعد بأي تنازل إلا أن تطبق إسرائيل الاتفاق الذي عليها. على كل حال نحن كحزب الله قمنا بما علينا، مكّنا الدولة من فرض سيادتها في إطار الاتفاق، وتأكدوا بأنهم لا يستطيعون شيئًا عندما نتوحد. أمامنا سنة كاملة من الصمود بعد الاتفاق مع كل هذا العدوان. هذا دليل على أننا إذا وقفنا نستطيع أن نقف وأن نستمر. خذوا علمًا وأنتم تعرفون ذلك. لبنان كالسفينة، التماهي مع إسرائيل يعني ثقب السفينة، عندها يغرق الجميع. أتمنى أن ندرس جيدًا خطواتنا، وأن نعتمد على أن لدينا مشكلة واحدة في لبنان هي العدوان الإسرائيلي، وعلينا أن نواجه هذا العدوان أولًا موحدين، وبعد ذلك كل الأمور لها طرقها ولها حلولها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
العلاقات الاعلامية في حزب الله
الجمعة 5-12- 2025
14 جمادى الآخرة 1447 هـ
العلاقات الاعلامية