المقال السابق

حزب الله لقاء السيد نصرالله باسيل : إقتصاد وموازنة ونازحون 
11/10/2019

المقال التالي

من الصحف سجال في مجلس الوزراء بشأن التواصل الرسمي مع سوريا
11/10/2019
من الصحف  أربعينية الحسين : مشروع سياسي ضخم يقابل الأممية الشيعية المقاتلة

النهار- ابراهيم بيرم

ايام قليلة ويشرّع العراق ابوابه امام ما يُعرف بزوار اربعين الامام الحسين، حيث يصل الى المراقد والعتبات المقدسة، وخصوصا في حاضرتَي النجف وكربلاء، ما يتعدى عادة السبعة ملايين زائر شيعي يفدون من اربع رياح الارض ليحيوا معا مراسم اربعين استشهاد الامام الحسين واهل بيته وانصاره الخلّص الذين سقطوا معه في اقل من يوم في معركة الطفّ المعروفة بواقعة كربلاء قبل اكثر من 1460 عاما.
والاهمية الكبرى للمشرفين على هذه المراسم وضمان نجاحها ان يخرج الراصدون باستنتاج فحواه انه اكبر حج ديني في العالم قاطبة وعند الاديان كافة، وبالتالي يثبت الشيعة في العالم انهم نجحوا في ترجمة عملية لنظرية منسوبة الى الفيلسوف الفرنسي هنري كوربان الذي امضى سحابة عمره في دراسة المذهب الجعفري وعقيدة العرفان فيه، والتي تنص على ان الشيعة وحدهم في هذه المسكونة الذين ابقوا خيط علاقة بين الارض والسماء، وانهم يرفضون إلا ان يثبتوا انهم أحياء فاعلون متحركون لان ثمة قضية تربطهم بالماضي السحيق هي ثورة الامام الحسين ورمزيتها الحارة، ولان ثمة قضية تشدّهم الى المستقبل هي قضية الامام المهدي الذي يتعاملون معه على اساس انه حي يرزق ينتظر لحظة الفرج والخروج ليملأ العالم عدلاً بعدما ملأها الطواغيت ظلماً وجورا.
تلك المقولة الحاشدة بالرمزية التي اطلقها هذا الفيلسوف والعالم الغربي قبل نحو نصف قرن، يوشك كل شيعة العالم ان يحفظوها عن ظهر قلب تماما كما يحفظون البسملة، اذ انها تؤكد لهم تميزهم عن سائر المذاهب والمدارس الاسلامية وتثبت لهم انهم يحملون بين أضلعهم قضية كبرى هي التمهيد الايجابي بدل الانتظار السلبي لظهور القائم المنتظر ليؤدي المهمة الموعودة عبر حراك مستدام تتحول معه كل الاراضين الى كربلاء وكل الازمان الى عاشوراء.
وعلى رغم ان إحياء اربعينية الامام الحسين بهذه الحشود وعلى هذا النحو الاحتفالي الضخم، امر مختلَف عليه داخل حراس العقيدة بين مَن يعتبره في صلب العقيدة والمذهب وبين من يعتبره حدثا دخيلا، الا ان الشيعة في العالم وعلى اختلاف اتجاهاتهم باتوا يساكنون هذه الظاهرة ويعلون من شأنها وينتظرون حلولها بفارغ الصبر لكي يظهروا لمن يعنيهم الامر في هذا العالم، وبالأخص خصومهم في العقيدة، انهم باتوا قادرين على تنظيم حج مواز للحج السنوي الى مكة ولكن بأعداد تتضاعف ثلاث مرات واكثر عن حج عرفة، وان كانت المشاركة في هذا الحج لا تغني اطلاقا عن المشاركة في الحج الآخر. وهو مادة يتكىء اليها من لا يشاطرون اعتقاداتهم ان مذهبهم بالاساس هو مذهب سياسي خاص ليس إلا.
والاهم انه عبر هذه المراسم المميزة والشاقة، يثبت العراقيون اصحاب الارض انهم قادرون على رعاية هذه الحشود المليونية وتكريس الجهود والتفرغ لخدمة ضيوف الامام الحسين وزواره على احسن ما تكون الضيافة وخدمة الوافدين، والواضح انهم بذا يؤكدون تعلّقهم بإمامهم وبقضيته العاصية على تكرار الايام وكر الدهور، ولكي يثبتوا للعالم انهم العرب الاقحاح اهل الكرم والنخوة والمروءة، مما يسبغ عليهم مزية من خصال العرب والمسلمين الحميدة. في حين ان هناك من يزعم انهم انما بكل هذه الحفاوة التي يبدونها انما يكفّرون عن شعور خفي بالذنب لانهم محاصرون تاريخيا بشبهة خذلان ابن بنت نبيهم والقصور عن نصرته يوم احتاج الى هذه النصرة وهو محاصر من كل الجهات بجيش يزيد الاموي الذي منع عنه وعن اهل بيته ومرافقيه حتى شربة الماء من نهر الفرات.
من وحي كل ما سبق، أُعيد الاعتبار الى احتفالات اربعينية الامام الحسين منذ اعوام عديدة بعدما حرَّمها لأكثر من ثلاثة عقود الرئيس الراحل صدام حسين ونظامه. وزادوا على المشهد الدراماتيكي فكرة المسير المليوني، وهم ما يسمّون "المشاية" الذين ينطلقون سيرا من النجف الاشرف حيث مقام الامام علي الى كربلاء حيث مرقد جسد الامام الحسين واخيه غير الشقيق وحامل لواء جيشه، العباس، قاطعين اكثر من ثمانين كيلومترا. وهي محطة مهمة لاظهار مدى التعلق بقضية الحسين واهداف ثورته، واستطرادا تعلّقهم بـ"الولاية" لاهل البيت، حيث يتجند في هذا المسير الصحراوي آلاف الناس من العراقيين وسواهم لخدمة الزوار والسهر على تأمين راحتهم عبر مضايف واستراحات تنتشر على طول هذا الطريق، فضلا عن مستوصفات ومراكز طبية يشرف عليها اطباء وممرضون ومسعفون من دول العالم اتوا ليبرهنوا انهم جزء لا ينقطع من المشروع الثوري الذي حمله الامام الشيعي الثالث يوم أتى بأهله وصحبه المنتجبين من المدينة المنورة الى ارض الطف ليؤدي المهمة الاصلاحية الكبرى المطلوبة منه وهو يعلم سلفا انه سيكون شهيد هذا المشروع.
واكثر من ذلك، فان للمسيرة هذه وظيفة اخرى في المشروع الاعمق والاوسع، هي ان هذا الركب السيار "المشاية" ناس من شتى انحاء العالم. واللافت ان الاضواء تسلط منذ فترة على مشاركين من دول عُرفت دوما بانها تخلو من اي اتباع لمذهب اهل البيت، اي من مصر والسودان والمغرب والجزائر وتونس ونيجيريا، وفي هذا ينطوي دحضٌ لمقولة روّجها خصوم هذا المذهب وهي ان الشيعة اقلية الاقلية بين المسلمين، وفيه ايضا ان المذهب هو في طور الانتشار السريع، وتأكيد ايضا ان هؤلاء الشيعة لم يعودوا مذ قامت الثورة الاسلامية في ايران ومذ سقط نظام صدام في العراق ومذ نجح "حزب الله" في لبنان في مقارعة العدو الاسرائيلي، لم يعودوا هامدين خاملين بل صارت لهم قضيتهم ومشروعهم المستقبلي وصاروا مصممين على المضي فيهما الى النهاية، وانهم استطرادا صاروا حراكا يملأون العالم ضجيجا وحضورا.
وابعد من ذلك، شاء الشيعة، دولا وحكومات وتنظيمات ومجموعات، ان يكون في مقابل "الاممية المقاتلة" التي تجلى حضورها اكثر ما يكون في الساحة السورية حيث الايراني والعراقي والافغاني والباكستاني الى جانب اللبناني والسوري والخليجي معا في قوة متحالفة وقادرة على تحويل مجرى الامور واحداث التحولات، حضور شيعي جماهيري يجتمع في ارض كربلاء متجاوزا كل الاعتبارات ليتوحد تحت راية مشروع الحسين في كل ذكرى عاشوراء. وعليه صارت المناسبة وإحياؤها بهذا الشكل الحاشد حدثا سياسيا يؤكد بالملموس ان للشيعة مشروعهم وقضيتهم وان على العالم ان يحسب لهم الف حساب.

صحيفة النهار

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة