*مصطفى قطبي
المناورات الإيرانية التي تحمل اسم ''المدافعون عن سماء الولاية 98'' التي انطلقت الجمعة، تحمل في دلالاتها وطياتها رسالة ردع، ولاسيما أن الأحداث التي تشهدها المنطقة تتطلب مزيداً من الحذر والحيطة والاستعداد الدائم لأن القوى الاستعمارية وبتحريض من الكيان الصهيوني، تسعى دائماً للنيل من التقدم العلمي الإيراني الذي أخذ أشكالا متعددة، ولاسيما في مجال الطاقة النووية السلمية والتكنولوجيا العسكرية، الأمر الذي أثار حفيظة مسؤولي الكيان الصهيوني ودفعهم لإطلاق تهديدات بضرب المنشآت النووية الإيرانية ضاربين عرض الحائط بالقوانين والمواثيق الدولية.
والمتابع لتصريحات القادة الإيرانيين يلاحظ ارتفاع حدة القلق الإيراني من عمليات عدائية مبيتة، وهو ما لمسه المراقبون في مؤتمر الدفاع الوطني الذي عقد مؤخراً في طهران، حين ارتفع التحذير الإيراني المباشر لأول مرة بقول نائب قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي: ''في حال قرّرت إسرائيل أن تقوم بأمر من شأنه أن يقود إلى حرب، ستكون هذه هي الحرب نفسها التي ستشهد محوها، لأن تصرفات إسرائيل تشير إلى الاقتراب من هذه الحقيقة''.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أطلقت إيران مناورات بحرية في الخليج امتدت من مضيق هرمز الاستراتيجي إلى خليج عمان على الطرف الغربي للمحيط الهندي تحت اسم ''الولاية 97''، وشملت للمرة الأولى إجراء اختبارات لصواريخ تنطلق من الغواصات، وهي بلا شك كانت رسالة موجّهة بشكل مباشر إلى الكيان الصهيوني، بأن إيران قوية وقادرة على صد أي اعتداء.
أما المناورات الإيرانية الجديدة فتكتسب أهمية كبيرة وذلك لكونها تغطي مساحة تبلغ 416 ألف كيلومتر مربع في المنطقة العامة لمحافظة سمنان شمال شرق إيران. وتشارك فيها قوات الدفاع الجوي والقوة الجوية للجيش الإيراني إلى جانب قوات مقر الدفاع الجوي للبلاد. الأمر الذي يشير إلى مدى جهوزية القوات الإيرانية واستعراض قدرات وكفاءات القوات الجوية واختبار مرونة الدفاع الجوي والنهوض بمستوى مهارات الطاقات الشابة في استخدام المنظومات المحلية الصنع، ومعالجة الأهداف الغريبة في الحروب الالكترونية والتعرف على الأهداف الجوية للعدو لتقوم بتدميرها.
والرسالة التي تحملها مناورة ''المدافعون عن سماء الولاية 98'' حسب العارفين بشؤون إيران الإسلامية، لها مهمتان أحداهما للأصدقاء وهي كالنسيم العليل لجميع الأصدقاء، وفي ذلك رسالة واضحة على ثبات الموقف الإيراني من الأصدقاء وقضاياهم العادلة، وأن المناورات تأتي لتؤكد القوة العسكرية التي تدعم الموقف السياسي للقيادة الإيرانية في هذا الشأن، حيث أرست هذه المناورات التي أجرتها إيران الجمعة الماضي، واقعاً جديداً على الأرض من شأنه أن يعيد إلى حد كبير بحسب ردود الأفعال الدولية التي صاحبت وأعقبت تلك المناورات تشكيل خارطة الأولويات والنيات المبيتة والقرارات الموضوعة والحاضرة دوماً على طاولة الحرب الأميركية والإسرائيلية كبند مهم وأساسي في جدول الأعمال المتخم بالمخططات والمشاريع الاستعمارية لدول المنطقة.
في هذا السياق لابد أن نذكّر ونتذكر أنّه منذ فترة أطلقت إيران العنان لسلسلة من المناورات العسكرية ذات الطابع العسكري والاستراتيجي، آخرها كانت ذات أوزان ثقيلة لجهة الإحاطات السياسية المرافقة لها، عدا نوعية الأسلحة المستخدمة فيها. ومن أهم ما رافقها التهديد بإغلاق مضيق هرمز لكن بضوابط وإشارات دبلوماسية لا تخلو من حنكة تفاوضية قادمة تحاول طهران الوصول إليها. من المنظور الاستراتيجي، وفي مجال التسلح، وهذا ما يمكن لمسه من الإعلان بين فترة وأخرى أن التقدم في صنع أو اختبار أنظمة صاروخية وأسلحة استراتيجية بخاصة إبان المناورات العسكرية التي تقدم عليها لاستعراض قوتها وتهديد أي جهة يمكن أن تفكر في مهاجمتها، وعلى مستوى التقدم في عمليات تطوير برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم والعمل على فرض أمر واقع جديد على الدول الغربية التي عليها أخذه في الاعتبار. وعلى مستوى تحين الفرص الأزمات الناجمة عن الاحتلال الأميركي للعراق والمآزق المتناسلة التي يواجهها الناتو في أفغانستان لتحويل كل ذلك إلى أوراق للاستخدام التكتيكي والاستراتيجي في كل مفاوضات مقبلة.
والهدف من هذه التكتيكات:
أولا: خلق حالة من القناعة بأن لا مجال للتقدم في إيجاد الحلول لهذه القضايا دون قيام إيران بدور أساسي مما يتطلب الاستعداد الغربي لدفع أثمانه تنازلات على مستوى برنامجها النووي، وإدماج طهران في كل تركيبة أمنية يراد استخدامها في منطقة الشرق الأوسط.
ثانيا: المراوحة بين التمسك بالمطلب المشروع باكتساب التقنية النووية لأغراض سلمية وبين تقديم نفسها إلى المجتمع الدولي باعتبارها دولة نووية وينبغي التعامل معها على هذا الأساس.
وإذا كان الموقف الأول لا يوحي بشيء آخر غير البعد السلمي للبرنامج النووي الإيراني فإن الموقف الثاني يدفع باتجاه الإيحاء بأن طهران تملك القدرة العلمية الضرورية في المجال النووي، مثلها في ذلك الهند وباكستان دون أن تذهب في ذلك بعيداً، بل إن تصريحات المرشد الأعلى السيد علي خامنئي وغيره من قادة إيران الذين يفتون بعدم جواز امتلاك السلاح النووي تهدف إلى طمأنة الغرب بأن طهران لا تملك إلى حد الآن، هذا السلاح وأنها لا ترغب في امتلاكه أصلاً، انطلاقاً من معتقداتها الإيديولوجية الخاصة لا خوفاً من الغرب بخاصة أن هذا الموضوع يدخل في إطار السيادة الإيرانية.
ثالثاً: محاولة الحفاظ على مجمل الأوراق السياسية التي تملكها كلياً أو جزئياً في المنطقة والعمل على تفعيلها بالشكل المناسب، وفي الوقت المناسب بخاصة في العراق ولبنان وفلسطين واليمن وسورية.
إذن، فالمناورات الجوية الإيرانية الجديدة، تحمل رسائل ومفاعيل، وهي إذ تأخذ الطابع العام السلمي، إنما تعطي رسالة واضحة لدول الجوار والأصدقاء أنها ليست موجهة ضد شعوب المنطقة ولا توجد أي نوازع من شأنها زيادة التوتر في المنطقة، إنما جاءت لتعزز الموقف الإيراني المناصر لقضايا المنطقة العادلة ورفض هيمنة القوى الغربية الاستعمارية والكيان الصهيوني على حساب مصالح واستقرار الشعوب. أما الرسالة الأخرى والتي هي موجهة إلى القوى الاستعمارية التي فرضت عقوبات جائرة على الشعب الإيراني لإخضاعه إلى إملاءات وشروط تمنعه من الحصول على حقه التي كفلتها القوانين الدولية لاسيما في الحصول على الطاقة النووية لأغراض سلمية، ومفاد الرسالة أن هذه السياسة العمياء والعدوانية لن تؤثر في القرار السيادي الإيراني ولن تدفع إيران للركوع للدول الغربية، وهي قادرة على تجاوز العقوبات وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الإيراني بفضل الاعتماد على سواعد أبنائها وقدراتهم الذاتية، التي أدت إلى نتائج مذهلة في التطور العلمي والتقني في جميع المجالات.
أما الرسالة الموجهة إلى الداخل الإيراني فهي جاءت تطمينية حيث تشير المناورات إلى أن القوات المسلحة الإيرانية قادرة على حماية الأرض الإيرانية والمؤسسات الحيوية وأنه ورغم الحصار الذي يفرضه الغرب الاستعماري استطاعت القوات المسلحة وبالاعتماد على الجهود الذاتية والتفوق العلمي لأبناء الشعب الإيراني، استطاعت تحقيق تطور كبير والوصول إلى هذا المستوى من الجاهزية والاستعداد والذي تستطيع من خلاله صد أي عدوان محتمل بل توجيه ضربات موجعة لكل من تسول له نفسه التفكير بالعدوان على إيران، الأمر الذي يعطي معنويات قوية للشعب الإيراني ويدفعه للالتفاف حول جيشه وحكومته وإفشال مخططات الغرب العدوانية.
*باحث وكاتب صحفي من المغرب
بريد المحور