... وعاد المنتفضون إلى الشارع، بقوة. ما كان متوقعاً بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية الخانقة، كما بسبب غياب الرؤية السياسية للحل، صار واقعاً. المنتفضون الذين انتشروا في الطرقات، أمس، وحاول بعض السياسيين ركوب موجتهم لوضع برنامج أهداف لا صلة له بما يصيب الناس مباشرة، حلّوا أمس ضيوفاً على شارع الحمرا في بيروت، وتحديداً أمام مصرف لبنان، الذي يرون فيه أصل البلاء الحالي الواقع عليهم. سياسات «النظام» التي نفذها حاكمه رياض سلامة، والتي أوصلت معظم السكان إلى حدود الإفلاس، وتُضخّم يوماً بعد آخر عدد الفقراء في لبنان، لم تعد قادرة في زمن الأزمة على إقناع المنتفضين بأنها قادرة على إخراجهم من الواقع الذي وضعتهم فيه. ولأجل ذلك، لا يمكن تنفيذ أي حل لا يكون على رأس بنوده رحيل رياض سلامة، ومحاكمته، ومعه جمعية المصارف، بأعضائها كافةً، وتحرير الاقتصاد والموازنة العامة من هيمنة المصارف والسياسات النقدية. ورغم أن أي فريق سياسي لم يتبنّ بعد خيار إسقاط سلامة، فإن ما جرى أمس في شارع الحمرا يؤشر إلى مزاج عام يمكن أن يتصاعد في الأيام المقبلة. وخشية من ذلك، استخدمت السلطة، أمس، بشخص رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، ووزيرة الداخلية ريا الحسن، العنف المفرط ضد المتظاهرين، وأوقفت منهم نحو 51 شخصاً. كذلك جنّدت السلطة كل جماعتها من منتحلي صفة «ثوار»، من نواب وأصحاب شركات وإعلاميين وتلفزيونات وأعضاء جمعيات «غير حكومية» مموّلة من الغرب وناشطين في ما كان يُعرف سابقاً بـ«مستقلي 14 آذار»، للتفجّع على واجهات بعض المصارف التي تعرّض لها المنتفضون في شارع الحمرا، وتحميل حزب الله مسؤولية المواجهات التي جرت، ما دفع بالحزب إلى نفي أي صلة له بالمنتفضين.
حكومياً، لم تصِل المشاورات التي استؤنفت أمس الى تذليل العقبات القائمة أمام الحكومة على خلفية الصراع على الصلاحيات والحصص والأوزان. لكن تقدماً حصل في الساعات الماضية بعدَ اللقاءات التي عقدت، أولاً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل، كما بين وزير المالية علي حسن خليل والرئيس المكلف حسان دياب. هذا التقدم ينحصِر في إطار «فرملة» اندفاعة باسيل في اتجاه إعلان عدم المشاركة في الحكومة، وهو الموقف الذي كانَ ينوي اعلانه مساء أمس بعدَ اجتماع تكتل «لبنان القوي»، لكن ذلك لم يحصل، نتيجة مشاورات ساعتين ونصف ساعة في عين التينة. وتمّ الإتفاق على معادلة تنص على «الذهاب الى تأليف حكومة بالتشاور مع دياب، إذ لا بديل عنه في المدى المنظور». وقالت مصادر مطلعة أن «عون وباسيل كانا لا يزالان يُصران على استبدال دياب (بالنائب فؤاد مخزومي مثلاً)، لكن الخيارات المطروحة غير مقبولة بالنسبة الى حزب الله والرئيس بّري. وقد أُبلغ باسيل بهذا الأمر، كما جرى التأكيد أنهما لن يذهبا الى المجهول ويدخل البلد في أشهر إضافية من التعطيل لحين الإتفاق على بديل لدياب». وفيما جرى النقاش بإمكانية توسيع الحكومة الى 24 وزيراً، لا يزال دياب عند رأيه بتأليف حكومة من 18 وزيراً، لكن التقدم الذي حُكي عنه سيُترجم في الأيام المقبلة، إذ ستكثّف اللقاءات مع الرئيس المكلف، ومن المفترض أن يبدأ بها الرئيس برّي. علماً ان رئيس المجلس، بحسب مصادر «الأخبار»، كان يمتنع منذ نحو أسبوع عن تحديد موعد لدياب لزيارة عين التينة، تعبيراً عن استيائه من طريقة تعامل الأخير مع تأليف الحكومة، إلا ان موعداً حدّد للقاء بينهما هذا الأسبوع. وبالتزامن مع لقاء عين التينة، أجرى دياب لقاءات أخرى منها مع وزير المال والمعاون السياسي لحزب الله الحاج حسين الخليل اتفق خلالها على التسريع في تشكيل الحكومة.
السلطة، ممثلةً بالحريري ووزيرة الداخلية، أفرطت في استخدام العنف أمس
وعلمت «الأخبار» أن لقاء بري - باسيل «الايجابي» ساهم في إقناع الرجلين بعضهما بعضاً بإعطاء فرصة جديدة للرئيس المكلف. إذ أقنع باسيل بري بـ«تطرية موقفه لجهة عدم تغيير شكل الحكومة من حكومة اختصاصيين الى حكومة تكنوسياسية، خصوصاً أن «قطوع» اغتيال قائد فيلق القدس الحاج قاسم سليماني والرد الايراني مرّا من دون تداعيات كبيرة في المنطقة، وبالتالي قد يكون من المصلحة إعطاء فرصة لحكومة اختصاصيين تلبّي تطلعات الشارع وترضي المجتمع الدولي».
وفي المقابل، أقنع بري باسيل بالتهدئة والتراجع عن الاعلان أمس عن موقف حاسم للتيار، يتراوح بين عدم المشاركة في الحكومة مع إعطائها الثقة وفقاً للبرنامج الذي يعلنه رئيسها، وبين عدم منحها الثقة نهائياً. علماً أن إشارات وصلت الى التيار، قبل اللقاء، مفادها أن تغيراً في أداء دياب قد يطرأ بما يخفّف من استياء التيار الوطني الحر. وهي إشارات ساهمت أيضاً في إقناع باسيل بالتراجع عن إعلان موقف حاسم.
وفي المعلومات أن الاستياء البرتقالي مردّه الخشية من أن تكون البلاد أمام «تجربة نجيب ميقاتي ثانية»، بمعنى افتعال المشاكل مع التيار الوطني الحر حصراً لإثبات أن رئيس الحكومة المكلف ليس «صنيعته». فهو، تقريباً، اتفق على أسماء الوزراء مع بقية الأطراف السياسية، باستثناء التيار، مع الاتهام الدائم لباسيل بالعرقلة. ويأخذ العونيون على دياب تمسّكه بـ«الشكليات» كالاصرار على حكومة من 18 وزيراً تضم ست نساء وتكون إمرأة نائبة لرئيسها، وإصراره على دمج بعض الوزارات، واقتراح أسماء اختصاصيين لحقائب لا تناسب اختصاصاتهم، واختيار أسماء غير مؤهلة أساساً. إذ أن الرئيس المكلف ينتقي أسماء ويريد فرضها على التيار، مثلاً، مع الايحاء بأن هذه الأسماء تمثل التيار رغم عدم موافقته عليها أو أنها ليست محسوبة عليه أساساً. وبالتالي، «إذا لم يكن يريدنا أن نسمي فإن ذلك لا يعني أن ينتقي أسماء ويحسبها علينا» وفق مصادر في التيار.
وعلمت «الأخبار» أن أداء دياب في التأليف اثار «نقزة» لدى كل الأطراف التي سمّته، خصوصاً مع بروز إشارات مقلقة تشير إلى أن إصراره على بعض الأسماء يبدو في مكان ما وكأن الأمر «مطلوب منه من طرف خارجي ما».
صحيفة الاخبار