بعد طول انتظار، تسرّبت «المسودّة الثالثة» من «مشروع تنظيم ووضع ضوابط استثنائية موقّتة على بعض العمليات والخدمات المصرفية»، أو مشروع قانون «كابيتال كونترول»، مقدّم من وزارة المالية.
ولم يشأ الوزير غازي وزني أن يكذّب الدلائل التي تؤكّد دائماً انحيازه إلى الضفة التي لا يقف عليها الفقراء وصغار المودعين، ودعمه للمصارف وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة، بل أصرّ من خلال الخلل البنيوي الذي يعانيه مشروعه على هذا الدور.
وفيما كان الخوف في السابق من أن يمنح مشروع «الكابيتال كونترول» صلاحيات استثنائية لسلامة، مع الدور السلبي الذي لعبه ويلعبه بإغراق البلاد وحماية جشع المصارف، يشكّل مشروع قانون وزني جملة مخاطر، ليست محصورة في منح سلامة صلاحيات استثنائية، بل أيضاً في منح المصارف وجمعية المصارف هكذا صلاحيات للتعامل مع الودائع بالعملات الأجنبية، وفي نقض الهدف الرئيسي من طرح القانون في أساسه.
فهو يضع محطّة 17 تشرين تاريخاً مفصلياً وتحديده فاصلاً زمنياً لتصنيف الأموال والودائع والتحويلات بين قبل وبعد في المادة الثانية منه. وتحديد 17 تشرين، ليس استناداً طبعاً إلى الانتفاضة الشعبية التي اندلعت بعد القرار الغبي/ المشبوه من حكومة الرئيس سعد الحريري بوضع تعرفة على تطبيق «واتساب»، بل إلى القرار المشبوه للمصارف بالإقفال لمدّة غير مسبوقة في تاريخ لبنان.
وتنظّم المادة الرابعة مثلاً، عمليات تحويل الدولارات إلى الخارج بداعي دفع الأقساط والطبابة والمعيشة في الخارج، أي يسمح بإخراج الأموال بالعملات الصعبة إلى الخارج ولو بمبالغ صغيرة. في المقابل، فإنه في المادة السادسة لا يعفي رواتب اللبنانيين بالدولار من القيود في الداخل، كما يفعل مع الرواتب بالليرة اللبنانية، مع أنها تقع في خانة «الأموال الجديدة». وفيما يحرّر المشروع الأموال الجديدة للشركات الأجنبية مثلاً، إلّا أنه لا يحرّر تلك الأموال عندما تدفعها الشركات لموظفيها على شكل رواتب أو دفعات صغيرة لمشتريات وخدمات في السوق، بل يبقيها رهن مزاجية المصارف وقيودها الجائرة والاستنسابية التي ستصبح في حال إقرار المشروع قانونية!
يبدو وزني كمن يبحث عن حلّ للطبقة التي تعيش أو تعلّم أبناءها في الخارج
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشيكات بالعملات الأجنبية، فإنه تركها أيضاً رهن المصارف، بعدم التأكيد على قبضها «كاش»، ما يعني أنها ستحتجز في الحسابات المصرفية.
بعد مسودة وزني الثالثة، عودة سريعة إلى الأرقام، تظهر انحيازه الكامل إلى المصارف على حساب صغار المودعين، الذين يشكّلون غالبية أصحاب الحسابات، لكن مجموع ودائعهم ليس سوى «الفتات» مقارنة بما يملكه كبار المودعين (84% من المودعين في لبنان يملكون فقط 8.2% من مجمل الودائع، وسقف حساباتهم لا يتجاوز 75 مليون ليرة لبنانية، أي أقل من 50 ألف دولار بسعر الصرف الرسمي).
وبدل أن يظهر في روحية المشروع الحفاظ على الأموال ومنع تهريبها إلى الخارج، يبدو وزير المال كمن يبحث عن حلّ لطبقة من اللبنانيين، تحديداً تلك التي تعيش أو تعلّم أبناءها في الخارج لتحريرها، ولو جزئياً، من القيود، عبر السماح لها بتحويل الأموال إلى خارج البلاد. كذلك يطلق المشروع يد المصارف والمصرف المركزي للإجهاز على ما تبقّى من أموال لصغار المودعين بالعملات الأجنبية، عوض إيجاد حل لهم.
المشروع لم يُعرض على مجلس الوزراء، ولا يزال قابلاً للتعديل. فهل ستتبناه الحكومة كما هو، أم أنها ستُلجم اندفاعة وزير المال نحو أصحاب المصارف ورياض سلامة؟
صحيفة الاخبار