- النهار- إبراهيم بيرم : هل بدَّل "حزب الله" موقفه من صندوق النقد بناءً على إشارة أتته أخيراً من طهران؟
في أعقاب الاطلالة الاعلامية الاخيرة للامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الجمعة الماضي، والتي انطوى كلامه فيها على امرين اثنين: الاول موضوع وباء "كورونا" المستشري وسبل مواجهته، والثاني موضوع الاستعانة بصندوق النقد الدولي بغية الحصول على قروض لتجاوز الوضع المالي الصعب، سارع بعض المحللين والسياسيين الى تبنّي استنتاج فحواه ان السيد نصرالله قد اعطى اخيرا الضوء الاخضر للاستظلال بهذا الصندوق ورفع "الفيتو" عن طلب القروض منه.لكن هذا التفسير انطوى، وفق مصدر على صلة وثيقة بالحزب، على "اشتباهين اثنين" كلاهما يندرج في لعبة "تلبيس" الحزب ما لا يريد ان يلبسه من مواقف.الاول يُظهر الحزب كأنه الحائل دون ان يتسلم لبنان اموالا مخصصة له من الصندوق في مرحلة بالغة الحراجة. والثاني كأن الحزب رفع هذا الحظر المزعوم فجأة من الآن فصاعدا.واكثر من ذلك، فان قسماً من الذين تبنّوا هذا التفسير وروَّجوه سابقا قد مضوا الى أبعد من ذلك الى حد الزعم بان الحزب ما غيَّر موقفه إلا بعدما بادرت طهران في الايام الأخيرة الى مد يدها الى الصندوق اياه مستعطية منه قروضا ومساعدات.جوهر الامر مغاير تماما، وفق المصدر اياه، فلا الحزب بدَّل رؤيته ونظرته حيال الموضوع السجالي بناء على هذا المعطى او ذاك، ولا هو استطرادا بات في وارد دعم مطلق لقرار التوجه الى الصندوق من دون اي اعتراض او تساؤل.ويروي المصدر عينه لـ"النهار" حقيقة مقاربة الحزب الاساسية لهذه القضية الحساسة وذلك على النحو الآتي: ان اعتراض الحزب من الاساس وتحفّظه الجلي عن الاستعانة بالصندوق، كان ضمن رؤية عميقة تشاطره فيها جمهرة من المهجوسين بمستقبل الوضع المالي والنقدي والراغبين في الخروج من المأزق الراهن. فتجارب الصندوق في التعامل مع بعض طالبي الاستعانة به وبقروضه خصوصا في البلدان المشابه وضعها للوضع اللبناني، لم تكن مشجعة وذات نهايات سعيدة انطلاقا من ان الصندوق لا يوافق على منح قروض لطالبيها إلا بعد ان يلتزموا "روشتة" أو "وصفة" تنهض على اساسين اثنين:
- رفع الدعم الرسمي عن نحو 7 سلع وخدمات اساسية تدخل في خانة المواد الاستهلاكية اليومية لحياة ابناء الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمحدودة الدخل.
- رفع قيمة الضرائب والرسوم ايضا على عدد مماثل من الحاجات والخدمات، يضاف الى ذلك بطبيعة الحال عملية خفض رواتب العاملين في القطاع العام بعد ترشيقه.
من هذه المسألة وتداعياتها وارتداداتها المرتقبة، اطلق الحزب العنان لمخاوفه محذرا بصوت عال من إنهاك مضاعَف لتلك الشرائح الاجتماعية، ومنبها ايضا من مغبة امرين آخرين: وصاية قد يفرضها الصندوق على الوضع المالي والاقتصادي للبلاد، وان يطلب حصر ادارة هذا الوضع بخبراء يعيّنهم ويسمّيهم هو على غرار ما فعله في عدد من الدول ومنها مصر.إذاً اعتراض الحزب، وفق المصدر عينه، كان وما زال وسيظل على "روشتة" الصندوق التي يقرنها عادة بكل قرض لأي بلد قد يوافق على اعطائه، وليس على طلب النصيحة التقنية والاستشارة الفنية او حتى على قروض بلا مضبطة شروط، وهو امر مستصعب.ويضيف المصدر اياه ان الحزب لم يسبق له ان رفع صوته بالاعتراض على طلب الحكومة المساعدة التقنية من الصندوق، ولم يكن له اي موقف سلبي من وصول وفد خبراء الصندوق قبل فترة وجيزة الى بيروت وجولة اللقاءات المكثفة التي عقدها مدى ايام. وقد تناهت الى عِلم الجهات المعنية في الحزب نتائج هذه الجولة، وعلمت ان الوفد ادى بمهارة دور المستمع والمستجمع للمعطيات والوقائع، وانه في الختام طلب من المعنيين تزويده خطة الاصلاح التي ستعتمدها الحكومة مستقبلا كشرط لازم للموافقة على منح القروض، واستطرادا كي تبني الادارة العامة للصندوق على الشيء مقتضاه. وهكذا عاد الوفد من حيث أتى من دون اي شيء نهائي حاسم يتعين النظر فيه، فلا هو عرض ولا لبنان الرسمي طلب، ولا يزال الامر في دائرة الانتظار والترقب.اما عن الترويج لمقولة ان الحزب قد بدَّل مواقفه ورفع "الفيتو" عن قروض الصندوق بعدما طلبت طهران قرضا منه، فيجيب المصدر عينه: ان الربط بين كلا الامرين خاطىء من الاساس، فجلّ ما طلبته ايران من الصندوق ليس قرضا ولا مساعدة بل حصة مفترضة من مبلغ 50 مليار دولار اقره الصندوق اخيرا مساعدات للدول التي تفشى فيها وباء "كورونا" كونها (ايران) من اوائل الدول المبتلاة بهذا الوباء وتجهد لمكافحته.ويروي المصدر ان احد نواب الحزب في لجنة الصحة النيابية امين شري، طلب من وزير الصحة العامة في الاجتماع الاخير للجنة ان يسعى غير القنوات الرسمية الى تأمين حصة للبنان من مبلغ الصندوق المقر هذا، بغية تجهيز المستشفيات لمواجهة اخطار الوباء المستشري. وهنا تدخَّل نائب ينتمي الى كتلة "القوات اللبنانية" قائلا: هذا الطلب هو من نتائج تبدل الموقف الايراني حيال الصندوق. فبادر شري الى الرد بان الامر لا يعدو كونه مطالبة بحق مفترض للبنان الذي يواجه كما سواه مخاطر الوباء وتداعياته، وليس للمسألة اي بُعد آخر اطلاقا.والمهم بالنسبة الى الحزب، يخلص المصدر اياه، "ان لا يجد لبنان نفسه ذات يوم تحت وصاية الصندوق او تحت ادارته ليس إلا، وهناك صريف الاسنان".
صحيفة النهار