المقال السابق

دولي وفاة أول عسكري أمريكي بفيروس كورونا على متن روزفلت
14/04/2020

المقال التالي

دولي 1509 وفيات بكورونا في الولايات المتحدة في الساعات الـ24 الأخيرة
14/04/2020
من الصحف  سقوط الهيركات يشرّع بيع الدولة؟

كتبت صحيفة "الأخبار " تقول : طارت الـ"هيركات" قبل أن تصبح اقتراحاً. غالبية "الطبقة الحاكمة" ‏تكفّلت بالقضاء عليه. ثم صار الحديث عن بيع الدولة أكثر جرأة. الذريعة ‏هي ببساطة أن الدولة هي التي تتحمّل أغلبية الدين، وهي التي يُفترض أن ‏تتحمل جزءاً من المسؤولية. هنا ليس مهماً من أدار دفة الدولة وأفرط في ‏انتهاك ماليتها، الأهم أن هؤلاء منتخبون، وإعادة انتخابهم صكّ براءة لهم

رغم أن مسودة الخطة الحكومية لمعالجة خسائر الدولة لم تتضمّن صراحة اقتراح "قص الودائع" (هيركات)، إلا أن ‏هذا الاقتراح سقط بالضربة القاضية. التيار الوطني الحر والحزب الاشتراكي وتيار المستقبل وحركة أمل عطلوا ‏مفعوله قبل وصوله إلى المهد، ثم أتى الحرم الديني ليقضي عليه. لم يكن ينقص سوى دار الفتوى، الذي دبّج سيدها ‏بياناً، وصل فيه إلى اتهام السلطة بشن حرب اقتصادية "لسلب أموال الناس بالباطل من المصارف‎".‎

ليس رئيس الجمهورية بعيداً عن التوجه المعارض للهيركات. مصادر بعبدا عمّمت أمس أنه ليس في وارد القبول ‏بهذه الخطوة. وقالت إنه أبلغ المعنيين بموقفه هذا منذ فترة، لكنه لا يدخل في الجدال القائم حولها، خصوصاً أن ‏الموضوع لم تطرحه الحكومة ولم تقدم أي اقتراح بشأنه‎.


لا "قصّ شعر" للودائع إذاً. وبالتالي، فإن النقاش سيفتح مجدداً في آلية الوصول إلى تسديد الخسائر التي تقدرها ‏الخطة بـ83 مليار دولار، لكن ذلك لا يعفي أن لكل من المعترضين حساباته وأسبابه لرفض "مساهمة المودعين". ‏المزحة السمجة هي في الإشارة إلى أن المطلوب أولاً استعادة الأموال المنهوبة. تلك نغمة يكثر سماعها على لسان ‏الناهبين أنفسهم، وهؤلاء يدركون أن ما من قوة ستحاسبهم، وما من قوة ستسحب منهم ما راكموه من ثروات على ‏مدى سنوات طويلة من الهدر والسرقة، وإن ينص اقتراح الحكومة على التدقيق في حسابات مشبوهة لموظفين‎.


كان المطلوب ضريبة على الثروة لمرة واحدة. وتلك الضريبة ليست اختراعاً لبنانياً، وبالتالي فإن اللجوء إليها في ‏حالة الإفلاس قد يكون أكثر من ضروري، في بلد لطالما أعفى الأغنياء من الضريبة العادلة على الدخل، وأمّن لهم ‏كل أدوات التهرب الضريبي، وأولاها السرية المصرفية‎.


لم يناقش أحد في تفاصيل هذه الضريبة، أو الفئة التي يجب أن تشملها. قد يعترض البعض على تخفيض السقف إلى ‏‏100 ألف دولار، وقد يطلب البعض أن تطال من يملكون ما فوق مليون أو 10 ملايين دولار، لكن النقاش انتهى ‏عند حدود الحق المقدس في الملكية. ما الحل إذاً؟ الكل يدور حول أملاك الدولة. بيع الدولة هو "حلهم الوحيد" الذي ‏ينقذ مصرف لبنان وأصحاب المصارف والمودعين الكبار، الذين هم في الغالب سياسيون أو نافذون بين السياسيين ‏وشركائهم وواجهاتهم وأقاربهم. والحل أيضاً هو تحجيم القطاع العام‎.


مبرر "الحقد" على الدولة من أصحاب الدولة أنها هي التي تسببت في وصول المديونية إلى ما يقارب 100 مليار ‏دولار. والدولة هنا ليست سوى السلطة، التي كانت تحفر قبر البلد بيديها. مجلس الوزراء يقدم مشاريع قوانين ‏موازنة بعجز كبير، ومجلس النواب يصدّق. والكل يدرك من أين يسدد العجز. من الاستدانة. وهنا مصرف لبنان ‏لم يكن يعترض، كما فعل عندما انهار الهيكل. يموّل العجز عبر هندسات تدرّ المليارات على أصحاب المصارف ‏من جهة، ثم يعود فيؤكد متانة العملة من جهة أخرى. وبذلك، كانت السلطة السياسية تستدين لتبذّر وتهدر وتسرق، ‏والسلطة النقدية تؤمن لها كل ما يلزم للقيام بذلك، فيما المصارف تقامر بأموال المودعين، عبر الموافقة على حصر ‏غالبية "استثماراتها" في الدين العام‎.
يختصر أحد النواب المتمولين الموقف بالتالي: لا يمكن للحكومة أن تكتفي بالإشارة إلى أنها لم تطل في خطتها 90 ‏في المئة من المودعين، ثم تتجاهل أن الـ10 في المئة الباقين يشكلون الاقتصاد والاغتراب ويدخلون الدولارات إلى ‏البلد ويبنون المشاريع. يضيف: هؤلاء لا يمكن مخاطبتهم على طريقة أموالكم لم تعد لكم من ناحية، ثم نطلب منهم ‏من الناحية الأخرى أن يسهموا في عملية الإنقاذ. من سيكون مستعداً لتحويل الأموال مجدداً إلى لبنان، يسأل. لذلك ‏يعتبر أنه قبل الحديث عن الخسائر وكيفية تسديدها، يجب الإضاءة على كيفية الوصول إلى الوضع الراهن والعمل ‏على عدم تكراره‎.‎

الحديث يزداد عن ضرورة توزيع المسؤوليات والخسائر بشكل عادل. وهنا، لا يكفي أن تدفع المصارف 20 مليار ‏دولار من رأسمالها، ربما ينبغي أن يفرض على أصحابها الذين ثبت سوء إدارتهم لأموال الناس، أن يسهموا من ‏أموالهم الخاصة‎.


يوضح نائب اقتصادي أنه عندما تخلفت الحكومة عن الدفع وعدت بإصلاحات، أين أصبحت هذه الإصلاحات؟ ‏وعلى سبيل المثال، ما فائدة أي عملية قص للودائع، إذا بقي مزراب الكهرباء مفتوحاً؟ ألم يكن الأولى بالحكومة أن ‏توضح للرأي العام ما هي خطتها لوقف استنزاف الموازنة من قبل قطاع الكهرباء؟ ألم يكن الأولى أن يسارع ‏مصرف لبنان إلى إلزام المصارف بتخفيض الفوائد على القروض، والتي لا تزال تتخطى العشرة في المئة، بحجة ‏ارتفاع الفائدة على الودائع المجمّدة لآجال طويلة؟‎


من ضمن مروحة المسؤوليات يأتي دور المودعين. هنا يلين المعترضون عند الإشارة إلى إمكانية استعادة جزء ‏من الفوائد المرتفعة التي أعطيت للمودعين منذ العام 2016، وخاصة عبر الهندسات المالية‎.


خلاصة كلام معارضي الهيركات أن الدولة، كشخص معنوي، تتحمل مسؤولية جزء كبير من الانهيار، وهي لا ‏بد أن تسهم في الخروج منه. كيف ذلك؟ هنا تصل الزبدة مجدداً: من خلال بيع ما تملكه، أو مشاركته مع القطاع ‏الخاص، بعد إجراء تقييم لممتلكاتها وممتلكات مصرف لبنان. لكن ماذا عن مسؤولية من بدّد هذه الأموال، ولماذا ‏يتحمل الشعب اللبناني، المالك الفعلي لأملاك الدولة، كلفة سوء الأمانة؟ يجيب نائب في كتلة كبيرة: ببساطة، لأنه ‏هو من أتى بهذه الطبقة إلى الحكم، وهو بتكرار انتخابها إنما يشرّع لها سرقتها! وفق هذه "النظرية"، يجري ‏البحث عن حلول للأزمة‎.‎
‎ ‎

صحيفة الاخبار

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة