المقال السابق

دولي بوتين لماكرون: لضرورة تسوية مشاكل لبنان دون تدخل خارجي
12/08/2020

المقال التالي

لبنان  جعجع : صار بدنا افلاطون ليخلصنا
12/08/2020
إقليمي الأسد : الرد على قيصر بالانتاج والاكتفاء الذاتي


أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن انتخابات مجلس الشعب تشكل محطة تاريخية من محطات الحرب كتب شعبنا تفاصيلها بأقلامه الناخبة وإرادته وتحديه وتؤكد تصميم الشعب السوري على الالتزام بالاستحقاقات الدستورية والوفاء للدماء الزكية والأرواح الطاهرة.

وقال الرئيس الأسد في كلمة له اليوم أمام أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث إن الانتخابات التي خضتموها مؤخراً مختلفة فبالرغم من وباء كورونا وتأثيره في إحجام البعض عن المشاركة كان هناك تعدد للوائح ومنافسة حقيقية وهذه المنافسة حراك وطني وأي حراك وطني حراك إيجابي لأنه يعبر عن الالتزام الوطني.

وأوضح الرئيس الأسد أن “قانون قيصر” ليس حالة منفصلة أو مجردة عما سبقه من مراحل الحصار وأن الرد عملياً على الحصار يكون بزيادة الإنتاج والاعتماد على الذات مؤكداً أنه لا يمكن للوطن أن يصمد وهو ينهش من قبل الإرهابيين وينهب من قبل الفاسدين، وأنه لا فرق بين إرهابي محلي أو مستورد أو جندي صهيوني أو تركي أو أمريكي فكلهم أعداء على أرضنا.

وشدد الرئيس الأسد على أن الجولان باق في قلب كل سوري شريف، لا يغير من وضعه قرار ضم من حكومة كيان صهيوني أو نظام أمريكي لا أخلاقي، وحقنا في عودته لا ينفصل عن حقنا في تحرير كل أراضينا من الإرهاب.

وفيما يلي النص الكامل للكلمة:

كان من المفترض أن تعقد هذه الجلسة تحت قبة المجلس كما جرت العادة لكن ضرورة التباعد المكاني فرضت علينا أن نختار مكاناً آخر لعقد هذه الجلسة، فأرحب بكم في قصر الشعب، وأبارك لكم الفوز وأتمنى لكم التوفيق في مهامكم.

السيد رئيس مجلس الشعب، السيدات والسادة أعضاء المجلس:

عشر سنوات من الحرب الشرسة المتواصلة، دماء غزيرة ومحطات كثيرة يربط بين كل عناصرها وطن وشعب ودستور، فمحاولات إسقاط الوطن وإلغاء السيادة وتفتيت الشعب وضرب المؤسسات يحققها دستور، ويمنعها آخر، ولأنه منعها وأفشلها في سورية فقد شنت عليه الحرب، ولأنه يرمز للوطن والشعب والسيادة والكرامة والوجود فقد سالت من أجله ودفاعا عنه الدماء، وتصميم الشعب على الالتزام بالاستحقاقات الدستورية توقيتا ومشاركة هو أيضاً دفاع عن الدستور وما يرمز إليه، وهو وفاء لتلك الدماء الزكية والأرواح الطاهرة، وانتخاب مجلسكم الكريم يأتي في السياق نفسه فهو يشكل محطة تاريخية من محطات الحرب كتب شعبنا تفاصيله بأقلامه الناخبة، بإرادته، بتحديه، هذا يعني أن مسؤوليتكم في هذه الظروف هي أيضاً مسؤولية تاريخية تحملون فيها المهام الجسام، تدافعون عن مصالح الشعب وتحققون طموحاته.

الانتخابات التي خضتموها مؤخراً مختلفة فبالرغم من وباء كورونا وتأثيره في إحجام البعض عن المشاركة كان هناك تعدد للوائح ومنافسة حقيقية

وأضاف الرئيس الأسد: لا شك أن الانتخابات التي خضتموها مؤخراً هي انتخابات مختلفة كثيراً عن كل ما سبقها، والدليل، الضجيج الذي أثير حولها، خلالها وبعدها، وما زلنا نسمع الأصداء حتى اليوم، فبالرغم من وباء كورونا وتأثيره في إحجام البعض عن المشاركة في الانتخابات وتقييد المرشحين في نشاطهم الانتخابي خلال الحملة، مع ذلك كان هناك تعدد للوائح، وكانت هناك منافسة حقيقية لم نشهدها سابقاً وهذه المنافسة هي حراك وطني، وأي حراك وطني هو حراك إيجابي لأنه يعبر عن الالتزام الوطني، ولكن عندما نقول إن هذا الحراك كان حراكاً إيجابياً فهذا لا يعني أنه يخلو من السلبيات، وقد تكون هذه السلبيات كثيرة وقد تكون ضارة، وسمعنا الكثير من الكلام والانتقاد حول المعايير وحول التدخلات وحول المال السياسي وكثير من الاشياء الأخرى التي سمعناها معاً وقد يكون جزء من هذه الاشياء هو أشياء صحيحة ولو بجزء منها، فإذا كان هناك سلبيات وكان هناك ضجيج، فأين هي الإيجابية في هذا الحراك، الإيجابية الأهم هي أن هذا النوع من التجارب يجعلنا نرى مشاكلنا وسلبياتنا على الواقع وبشكل حقيقي وصادق.

وقال الرئيس الأسد: ومن صفات هذه المنطقة ربما العربية والشرق أوسطية أنها تعيش في كثير من الأحيان في حالة إنكار، انكار للمشاكل وإهمال للمشاكل، وبالتالي تبقيها من دون معالجة، رأينا بشكل واضح الأمراض الاجتماعية التي يتحدث عنها الكل الآن، رأينا بشكل واضح الخلل ربما في القوانين وربما بشكل أكبر في الإجراءات المتعلقة بالانتخابات، فإذاً الإيجابي هو الدرس إن استخلصنا هذا الدرس عبر الحوار، يجب أن نبدأ الحوار بعد الانتخابات، لا أن يتوقف الحوار حول ما طرح في الشارع بنهايتها، نبدأ الحوار من أجل أن نصل إلى ضوابط، هذه الضوابط قد تكون قوانين وتشريعات، قد تكون قرارات، وقد تكون إجراءات إدارية مختلفة، هذه الضوابط هي التي تحد من التصرفات الخاطئة بالرغم من أن فكرة التصرف الخاطئ هي تقييم ذاتي، ما يراه شخص خاطئاً يراه شخص آخر صحيحاً، مع ذلك من خلال الحوار نتفق على أشياء تعبر عن إجماع وتتحول إلى ضوابط قانونية، هذه الضوابط هي التي تمنع الأمراض الاجتماعية وهي التي تسمح بالمنافسة الانتخابية مع الحفاظ على تكافؤ الفرص، لذلك هناك من يقول اليوم إن ما حصل من منافسة خطوة باتجاه الأمام، وهذا صحيح، وهناك من سيقول إن السلبيات التي حصلت هي خطوة إلى الخلف، وأيضاً هذا الكلام صحيح، الحقيقة من يحدد خطوة إلى الأمام أو خطوة إلى الوراء هو الاستفادة من هذا الدرس والوصول إلى الضوابط، لذلك الكثير من النقد والكثير من الغضب الذي لمسناه وسمعناه ورأيناه هو شيء إيجابي، ولكن عندما نحوله إلى حلول تطور هذه التجربة الوطنية.

الخطط الناجحة تنطلق من الرؤى الاستراتيجية ولمجلسكم دور محوري في الحوار وجسر مهم بين المواطن والسلطة التنفيذية

وتابع الرئيس الأسد: السيدات والسادة، إذا كانت الحرب تفرض نفسها على جدول أعمالنا فذلك لا يعني أن تمنعنا من القيام بواجباتنا، وإذا كان الدمار والإرهاب يفرضان العودة إلى الوراء بشكل عام فهذا لا يمنعنا من التقدم إلى الأمام في بعض القطاعات لنكون في وضع أفضل مما كنا عليه قبل الحرب، وهذا ليس كلاماً إنشائياً، هذا كلام واقعي وممكن جداً، صحيح أن الحروب تفرض استهلاك كل الطاقات لصالحها، لكن قوة الشعوب بالتأقلم مع الظروف وتطويعها لصالحها لا بالاستسلام لها، وبمقدار ما تدفعنا الحرب والحصار إلى الوراء بمقدار ما علينا أن نتقدم إلى الأمام ونحن قادرون على ذلك ولو ببطء، وعلينا ان نضع في الاعتبار أن الفوز في الحرب لا يقتصر على خوضها عسكرياً واقتصادياً ومعنوياً، بل أيضاً تخطيطياً وتنظيمياً وإدارياً، والخطط الناجحة تنطلق من الرؤى الاستراتيجية السلمية التي لا يمكن الوصول إليها دون حوار بناء داخل المؤسسات وخارجها، ولمجلسكم دور محوري في هذا الحوار.

وقال الرئيس الأسد: المجلس هو الجسر الأهم بين المواطن وبين السلطة التنفيذية، هذه بديهيات وبالتالي نجاح المجلس ونجاح أعضاء المجلس مرتبط بالعلاقة الوثيقة بين الجهتين، العلاقة مع المواطن تهدف أولاً إلى فهم المشكلات، المعاناة، التحديات والهواجس والطموحات التي يفكر بها المواطن وبالوقت نفسه أن نشرح لهذا المواطن ما هي السياسات وما هي القوانين وما هي مبررات ما نقوم به سواء في السلطة التشريعية أو في السلطة التنفيذية، أما العلاقة مع السلطة التنفيذية فهي دستورياً تتلخص بالرقابة والمحاسبة، لكن الرقابة تبقى قاصرة إن لم ترتبط بفهم كل تفاصيل الخطط التي تطرحها السلطة التنفيذية، وهذا الفهم مرتبط بالحوار بمعنى، ربما يأتي أي مسؤول ويطرح أمامنا خطة رائعة، خطة مثالية، نذهب إلى التطبيق بعد عدة أشهر أو بعد عدة سنوات نرى أن النتائج متواضعة أو أن النتائج ربما تكون قريبة من الصفر، لماذا لم نر هذه الأمور منذ البداية، لأن هناك أسئلة كثيرة تسأل، لم نقم بها وربما لم نقم بالحوار من الأساس، هل الأدوات متوافرة لهذه الخطط، هل الزمن واقعي لهذه الخطط، هل هناك وزارات أو مؤسسات أخرى تؤثر في تنفيذ هذه الخطط، وبالتالي عندما تقصر مؤسسة واحدة تؤدي إلى تقصير كل المؤسسات المعنية، هل هناك ظروف خارجية تؤثر في هذه الخطط كما هو الوضع اليوم، كل هذه الأشياء وأسئلة كثيرة أخرى هي التي تساعدنا على توقع مقدار نجاح هذه الخطة أو عدم نجاحها، والأهم من ذلك تساعدنا على المتابعة الموضوعية، ولاحقاً عندما يحصل تقصير نستطيع أن نحدد بدقة سبب التقصير ومن هو الجانب أو الشخص أو المسؤول المقصر.

الخلل بالتشريعات يضر بالمؤسسات ويهز ثقة المواطن بها ويضعف المعنويات ويزعزع الاستقرار

وقال الرئيس الأسد: عملياً بهذه الطريقة نتحول من انتظار النتائج إلى استباق النتائج، وبالتالي نختصر الزمن، نختصر الزمن على الوطن وعلى المواطن ويتحول المجلس من مجرد رقيب ومحاسب إلى شريك في عملية التنمية.

وأضاف الرئيس الأسد: أما الجانب التنظيمي والإداري فهو يستند إلى التشريعات السليمة، والتشريعات هي في صلب عمل مجلسكم، يستند إلى التشريعات السليمة التي تنظم العلاقة بين مؤسسات الدولة وبين المؤسسات والمواطنين، وهي التي تخلق تكافؤ الفرص والعدالة وبالتالي تعزز الانتماء للوطن، أي خلل في التشريعات، ومع كل أسف الخلل واسع جداً، سوف يؤدي إلى خلل في عمل أي مسؤول مهما كان جاداً ومخلصاً، فإذا افترضنا أن هذا المسؤول مخلص وشريف ولا توجد نوايا للفساد، فكل مسؤول يأخذ القرار بطريقته، وبالتالي حالة واحدة قد تنتج قرارات متعددة، العشرات من القرارات، وهذا بأحسن الأحوال يخلق الفوضى، أما إذا كانت هناك نوايا للفساد فستكون النتيجة هي انتشار الفساد.

وتابع الرئيس الأسد: هذا الخلل بالتشريعات يضر بالمؤسسات ويهز ثقة المواطن بها ويضعف المعنويات ويزعزع الاستقرار، وكلاهما أي المعنويات والاستقرار هما جوهر العدوان على سورية وهما بالوقت نفسه جوهر الدفاع عنها وخاصة أن هذه الحرب غير التقليدية من الناحية العسكرية عبر جلب مئات الآلاف من الإرهابيين من مناطق أخرى من العالم أيضاً اعتمدت على الجانب النفسي بهدف تحطيم المعنويات وتحقيق الهزيمة الذاتية ولاحقاً الاستسلام المجاني.

وقال الرئيس الأسد: ولا شك أن شعبنا قد أظهر خلال سنوات الحرب وعياً غير عادي في مواجهة آلات إعلامية جبارة تمكن من إسقاطها بالضربة القاضية في أكثر من محطة، لكن تلك الآلات لن تيئس من تكرار محاولاتها، وكسب جولة أو جولات لا يجوز أن يدفعنا للشعور بكسب الحرب، وبالتالي الاطمئنان والسقوط في فخ المباغتة من قبل الأعداء عندما تسنح لهم الفرصة، لذلك وبالرغم من وعي مواطنينا الكبير كنا نرى حالات متكررة من تشوش الرؤية واليأس والانهزامية لدى البعض في مجتمعنا، بالطبع هؤلاء لا يشكلون الأكثرية لكنهم مؤثرون من خلال تعميم مزاجهم السلبي على الآخرين على مدار الساعة في وقت نحتاج فيه لكل ذرة طاقة إيجابية في المواجهة مع أعدائنا، نحتاج الأمل بدل اليأس، نحتاج القوة بدلاً من الضعف، والبعض من هؤلاء يسوق تشاؤمه وسوداويته قسراً لدرجة أن جملة تدعو للتفاؤل أو التحمل أو الثبات أو الصمود تصبح بالنسبة لهم معيبة، ومعيبة ومستنكرة وقائلها منفصل عن الواقع.

لا أعتقد أن هناك شخصاً يملك الحد الأدنى من الوطنية يقبل بالطروحات الانهزامية اليوم بعد كل تلك التضحيات

وأضاف الرئيس الأسد: وكثيراً ما أتساءل، لو ذهب هؤلاء الأشخاص إلى عزاء لشخص فقد عزيزاً أو أكثر، ما الذي يقولون في هذا العزاء لذلك الشخص؟ هل يقولون له اصبر؟ هل يقولون له استعن بالصبر إن الله مع الصابرين؟ أم يقولون له لا أمل لقد ذهبوا ولن يعودوا ولا سبيل أمامك سوى الانتحار؟ وتابع الرئيس الأسد: لا أحد يجادل في أن الظرف الحالي هو ظرف محبط في سورية، في المنطقة، في العالم ككل، ولكن هناك فرق بين أن يكون هذا الإحباط هو نتيجة للظروف الموضوعية التي نعيشها ونلمسها وبالتالي يكون الإحباط نسبياً، وتبقى دائماً هناك فسحة من الأمل، فسحة من الأمل لتغير الظروف، وبين أن يكون هذا الإحباط هو نتيجة لتعميم المحبطين وبالتالي تجذيره في النفوس وتحويله إلى حالة انهزامية، ولا أعتقد أن هناك شخصاً يملك الحد الأدنى من الوطنية يقبل بالطروحات الانهزامية اليوم بعد كل تلك التضحيات، فأجساد الجرحى ودماء الشهداء ليست بالمجان، لها ثمن، ثمنها الصمود ومن ثم الانتصار.

وأوضح الرئيس الأسد أنه إذا كان البعض يبرر انهزاميته بالرغبة بالعيش، فالكل يريد أن يعيش وفي مقدمتهم المقاتلون، الشهداء، الجرحى الذين لم يذهبوا لمواجهة الموت حباً بالموت بل حباً بالحياة، حباً بالشعب، حباً بالوطن، الرغبة بالعيش غريزة إنسانية، لكن من يرغب بالعيش عليه أن يدفع عن نفسه الموت، فالإنسان لن يعيش لأنه فقط راغب بالعيش بل لأنه قادر على العيش، لذلك وعبر العصور أتت الأوبئة وقضت على الملايين وبقي الأقوى، أتت الغزوات وقضت وأبادت حضارات وممالك وشعوباً وثقافات وسلم منها الأقوى، هذه هي قوانين الحياة التي لا تتغير، يكفي أن نتذكر أن هناك جندياً بطلاً كان يواجه الموت بعيداً عن عائلته وأحبته لأشهر ولسنوات محاصراً مع القليل من الذخيرة والطعام بمعنويات عالية، هل ننسى حصار سجن حلب ومطار الثعلة ووادي الضيف وصمود أبطالهم الأسطوري؟ هل ننسى صمود أهل حلب ودير الزور والفوعة وكفريا عندما لم يكن هناك حتى القليل من الماء في أغلب الأوقات؟ هل ننسى أسرانا في السجون الإسرائيلية الذين قاوموا كل أنواع القهر والإغراءات، من أجل التنازل عن مبادئهم وتغيير ولاءاتهم ولم يقبلوا؟ هل ننسى البطل المحرر صدقي المقت الذي عرض عليه الخروج من السجن ورفض إلا بشروطه المتوافقة مع مبادئه وانتماءاته الوطنية، هؤلاء، هذه النفوس الشامخة هي التي تعطي الوطن الحياة والعيش لا تلك النفوس المسحوقة التي تسوق للحياة من خلال دعوتها للانتحار.

وقال الرئيس الأسد: المواجهة تبنى على فكر مقاوم للتحديات، على إيمان بالقدرات الذاتية، على بنية نفسية صلبة صامدة، فالحروب ليست رحلة جميلة والدفاع عن الأوطان ليس قصة رومانسية، ومن لم يع هذه البديهيات أو تجاوزها عبر العصور فقد وطنه، هذا الكلام هو ليس بهدف تقليل حجم المخاطر ولا هو استخفاف بقوة أعدائنا، لكن الخطر يدفعنا إلى الحذر والعمل من أجل تفاديه أما الذعر فيؤدي إلى الشلل والفشل المحتوم، وفي هذا الإطار دار هناك مؤخراً جدل بين وجهتي نظر حول كون “قانون قيصر” خطيراً ومدمراً أو أنه مجرد حالة دعائية لا تأثير لها، يعني وجهتي نظر، الأولى مذعورة والثانية لا ترى الواقع بشكل صحيح، وفي الواقع، فإن كلا الرأيين خطأ لأن “قانون قيصر” ليس حالة منفصلة ومجردة لكي نتساءل عنه بسؤال مجرد، هو ليس حالة منفصلة عن كل ما سبقه، هو جزء من مراحل أخرى من الحصار سبقته بسنوات وكان لها آثار بالغة الضرر على السوريين، وكانت تتصاعد بشكل مستمر، وعملية التصعيد لخنق الشعب السوري كانت مستمرة معه ومن دونه، الفرق الوحيد أن هذه المرحلة وضعوا لها عنواناً وبالتالي نسينا العنوان الأكبر وهو الإرهاب الاقتصادي وتلهينا بالعنوان الأصغر وهو قيصر، نسينا أنه جزء وافترضنا أنه الكل، نسينا أنه تتمة وافترضنا أنه بداية.

الولايات المتحدة تحتاج للإرهابيين في المنطقة وفي مقدمتهم “داعش” وأرادوا من “قانون قيصر” التعبير عن دعمهم للإرهابيين

وأضاف الرئيس الأسد: بالمحصلة هذا القانون فيه شيء من الضرر الإضافي، وفيه الكثير من الحرب النفسية، فإذن علينا ألا ننفي ضرره وألا نبالغ بتضخيمه وأن نعمل من أجل تحجيمه، لأن أعداءنا لا يبنون خططهم على خطوة واحدة أو حدث واحد وإنما على تراكم من الخطوات والأحداث، فإذن علينا أن ننظر إلى السياق العام لكي نفهم هدف كل حدث ودوره في هذا السياق العام وفي مخططاتهم، ولفهم خلفيات القانون علينا أن نسأل عددا من الأسئلة البسيطة والبديهية، لماذا صدر هذا القانون بهذا التوقيت، هم دائماً يصعدون من دون قوانين فما حاجتهم لهذا القانون؟

وتابع الرئيس الأسد: أولاً من خلال السياق العام للحرب، كلما فشل الإرهابيون في مهامهم كان هناك تصعيد، مرة يذهبون إلى مجلس الأمن، مرة يصعدون في موضوع الكيماوي، مرة يقومون بقصف قواتنا وإلى آخره، في هذه المرة وبعد تحرير غرب حلب وجنوب إدلب كان العنوان هو العدوان الاقتصادي بهدف إضعاف نتائج الانتصارات التي حققتها قواتنا وجعلها باهتة ومن دون أي معنى بالنسبة للشعب السوري، أما الجانب الآخر فهو تحفيز الإرهابيين، فخلال السنوات الماضية فقد الإرهابيون ثقتهم بأسيادهم وبدؤوا بتسليم السلاح وبدؤوا بتغيير مواقفهم وفقدوا الأمل بأن يحققوا شيئاً كما كانوا يوعدون عبر السنوات الماضية، والولايات المتحدة تحتاج لهؤلاء الإرهابيين ليس فقط في سورية، في سورية، في العراق، في ليبيا، في اليمن، في أماكن أخرى،  وأنا لا أتحدث عن بعض الإرهابيين، كل الإرهابيين وفي مقدمتهم “داعش”، بغض النظر عن الأكاذيب التي يسوقها الأمريكي تجاه “داعش” وتجاه “جبهة النصرة”. هؤلاء الأقرب إلى قلب الأمريكي، “داعش” و”النصرة” و”جبهة الشام” و”أحرار الشام” وهذه التسميات المختلفة، هم يريدون من هذا القانون أن يعبروا عن التزامهم تجاه الإرهابيين، وأن يقولوا لهم نحن معكم حتى نهاية الطريق، فإذن التوقيت هو ضمن السياق العام لما يقوم به الأمريكي.

وقال الرئيس الأسد: أما السؤال الثاني فلماذا ترافق “قانون قيصر” مع حرق المحاصيل في المنطقة الشرقية ومع منعها من الوصول إلى المواطنين السوريين، لأنهم يعلمون تمام العلم أن القانون وحده لن يكون قادراً على خلق الحالة التي يريدونها، بمعنى أنه حالة إعلامية أو نتائجه الإعلامية أكبر بكثير من نتائجه الفعلية، لذلك كان لا بد من إجراءات أخرى توازيه من أجل أن نشعر بهول هذا القانون، وبالتالي كان لا بد من أن يكون هناك ضغط على لقمة المواطن عبر الضغط على موضوع القمح بالإضافة إلى المواد الأساسية الأخرى.

وأضاف الرئيس الأسد: أما السؤال الثالث فهو لماذا تزامنت الضربات الإسرائيلية الأخيرة في البادية والمناطق المجاورة لها مع صدور القانون، لأنها أتت لتسهيل حركة “داعش”، فخلايا “داعش” تتوضع في مناطق البادية وما حولها، وهي ليست خلايا نائمة، هي خلايا نشيطة، وهذا جانب آخر من جوانب “قانون قيصر”، فإذن هو ليس مجرد قانون لفرض عقوبات اقتصادية وإنما هو عنوان لمرحلة جديدة من التصعيد لا تختلف في الجوهر عن كل ما سبقه مع بعض الإضافات في الشكل والمضمون، في الواقع كل المراحل الأخرى تعتمد على المنهجية نفسها عندما يكون هناك تصعيد، تحريك للإرهاب، حصار اقتصادي، ضغوط سياسية وغزارة في الأكاذيب.

الرد العملي على الحصار يكون بزيادة الإنتاج في كل القطاعات

وتابع الرئيس الأسد: المضحك أن الأمريكيين يطلقون على عقوباتهم تسمية العقوبات الذكية التي تتلخص في حرق المحاصيل ومنع وصولها إلى المواطنين بالإضافة إلى منع الأدوية والوقود وغيرها، يعني القراصنة وقطاع الطرق واللصوص عبر التاريخ كانوا أيضاً يطبقون العقوبات الذكية بالطريقة نفسها لأنهم كانوا يستولون على أرزاق الغير ويمنعون وصولها، هنا نسأل سؤالاً ..إذا كان قطع الأرزاق وخنق الشعب السوري هو عقوبات ذكية فماذا نسمي خنق جورج فلويد في الولايات المتحدة من قبل شرطة النظام الأمريكي؟ ما هو التشابه بين محاولات خنق الشعب السوري وخنق جورج فلويد لأسباب عنصرية، هل هو الذكاء أم الوحشية؟ أعتقد أن الجواب واضح للجميع، فإذن الجانب الأول لمواجهة خططهم هو أن نفهم الأمور بأعماقها لا بمظاهرها وأن نبحث عن الحقائق ثم نربط فيما بينها وبعدها نحدد الخطوات التي يجب اتخاذها.

وقال الرئيس الأسد: الرد العملي على الحصار يكون بزيادة الإنتاج في كل القطاعات وهذا ينطلق أولاً من التعامل مع المشكلات والسلبيات والتحديات التي تواجهنا، وهي معروفة لمعظمنا، فحلها والتخلص منها هو مطلب وطني بمعزل عن تحديات الحرب والحصار، لكنه أصبح اليوم في ظرفنا الراهن أكثر إلحاحاً، وعملية التطوير أكثر ضرورة، في مقدمة هذه التحديات يأتي الوضع المعيشي الذي يرتبط مباشرة بالقدرة الشرائية لعملتنا الوطنية، وأنا لست خبيراً مالياً لكن هناك بديهيات وحقائق معروفة ولا بد من الانطلاق منها، فالعوامل التي تؤثر في الليرة معروفة، التأثير المباشر للحرب الذي أدى إلى تباطؤ الاقتصاد بفعل تدمير البنية التحتية، والتراجع الكبير للاستثمار، أيضا الحصار الذي أدى إلى منع استيراد المواد الأساسية الضرورية لعملية الإنتاج، للخدمات، ولحياة المواطن بالإضافة إلى منع التصدير الحيوي لأي اقتصاد في العالم، أيضاً تراجع الوضع الاقتصادي للدول المجاورة، وهناك علاقة مباشرة بيننا وبين اقتصاديات الدول المجاورة فلا بد أن نتأثر، أضيف إليها حصار كورونا داخل البلد أو الحظر، أضيف إليها الحصار الدولي بسبب كورونا أيضاً والذي أدى الى تراجع غير مسبوق بالنسبة للاقتصاد العالمي، كل هذه العوامل أثرت بشكل متصاعد خلال العشر سنوات الماضية في موضوع الاقتصاد والليرة السورية، هذه الحقائق هي بديهيات ليست تبريراً لأي تقصير وإنما وصف لحالة، وهي ستؤثر فينا شئنا أم أبينا لكن هذا التأثير ليس مطلقاً، يعني أن تقضي علينا أو نقضي عليها، الضرر نسبي ولكن تعتمد مواجهة الضرر على قدراتنا، على إبداعنا، على إرادتنا، أما إذا انتظرنا تغير الظروف فلن تكون هناك أي نتائج.

لنتذكر أن وقوفنا مع الجيش كان سبب إنجازاته ووقوفنا مع ليرتنا سيكون سبب قوتها

وأضاف الرئيس الأسد: ما الذي يطرأ حتى يحصل تبدل سريع لسعر الصرف بشكل مفاجئ، العوامل لم تتغير، سعر الصرف كان يخضع للمضاربة من الخارج بحكم الحرب ومن الداخل بحكم الجشع، فإذن لم تكن هناك تغيرات طارئة والاقتصاد نفسه والتصدير المحدود كان هو نفسه، فإذن العامل الوحيد كان هو الهلع الشعبي، كل العوامل لها علاج إلا الهلع الشعبي عندما تركض الناس من أجل شراء الدولار والذهب بدلاً من الاعتماد على عملتها، وبالنظر لتجارب عدد من الدول التي انهارت عملتها وأسواق بورصتها في سنوات ماضية، خلال العشرين عاماً الماضية كان اقتصادها ممتازاً وكان وضعها الأمني ممتازاً، كل شيء ممتاز، وفجأة حصل هذا الانهيار لسبب وحيد وهو الهلع الشعبي، وهذا يعني أن توقعات المحللين كانت من دون أي معنى في ذلك الوقت.

وقال الرئيس الأسد: لذلك كل شخص كان يبيع الليرة من أجل الادخار كان في الواقع يساهم بالتضخم، والتضخم يساهم برفع الأسعار وبالتالي هو يخسر أكثر مما وفر، وهذا التصرف أناني لأنه يفكر بنفسه ولا يفكر بالضرر الذي يلحقه بالكثير من السوريين وبقدرة الدولة على توريد المواد الأساسية، البعض يعتقد أنه بمبلغ محدود لا يؤثر في الاقتصاد، هذا الكلام غير حقيقي، غير صحيح، كورونا ابتدأ بشخص وانتقل إلى كل العالم، وسعر الصرف عندما يتأثر سلباً ينتقل بالعدوى بشكل أسرع من الكورونا ومن الفيروس لأن الفيروسات بحاجة لاحتكاك مباشر أما سعر الصرف فهو ينتقل عبر الانترنت، هناك فرق بين الحاجة للعملة الأجنبية للإنتاج وهو شيء إيجابي وبين الاستغناء عن العملة، الاستغناء عن العملة يعني عملية إعدام لها، عملية الإعدام تعني أن نتحول رهائن لقرار دولة أخرى اقتصادي وسياسي، يعني أن نتحول إلى دولة فاقدة السيادة، يعني أن نتحول إلى عبيد، وأنا هنا لا أتحدث عمن لا يمتلك المدخرات، وإنما نتحدث عمن يمتلك حصراً مدخرات ولو كانت قليلة، من يمتلك المدخرات يصرف كل أمواله في السوق، ربما لا تكفيه حتى نهاية الشهر، لكن السؤال هل لدينا خطة؟ بكل تأكيد لدينا خطة، ولو لم يكن لدينا لكنا اليوم في مكان آخر منذ عام 2012، وهذه الخطة خطة غير تقليدية لأن ما يحصل مع سورية بعيد عن القواعد المالية وبعيد عن كل القواعد العلمية، ولا يمكن أن نتحدث عن هذه الخطط لأنها جزء من الحرب.

لكن بالملخص الإجراءات التي تطبقها المؤسسات تهدف لتثبيت سعر العملة، أما تثبيت هذا السعر أو إعادته إلى الوضع الأفضل بحاجة إلى تعاون الجميع لأن الليرة موجودة بيد الجميع وليس فقط بيد المؤسسات وعلينا أن ندعمها بدلاً من أن نفرط بها لصالح عملات أخرى، ولنتذكر أن وقوفنا مع الجيش كان سبب إنجازاته ووقوفنا مع ليرتنا سيكون سبب قوتها.

وتابع الرئيس الأسد: النقطة الأهم لمواجهة كل هذه التحديات، سواء كان سعر الليرة أو التحديات الاقتصادية الناشئة عن الحصار وغيرها فهي متعلقة بدورة الاقتصاد، دورة الاقتصاد تخفف من التأثيرات السلبية لتراجع سعر الصرف، وننطلق من السؤال البديهي وهو، هل يمكن في هذه الظروف أن نقوم بزج رأس المال في الاقتصاد الوطني وفي المشاريع؟ السؤال بحد ذاته يعني أننا ننتظر الظروف لكي تتبدل، الظروف لن تتبدل في المدى المنظور، فإذن علينا أن نسعى لتغييرها لكي لا نكون كقطعة الخشب في قلب المحيط التي تأخذها التيارات في الاتجاهات حيثما شاءت، على عكس ما يعتقد البعض هذا الظرف هو الظرف المناسب لزج الأموال، لتحسين الوضع المعيشي، لخلق فرص العمل، لدعم الليرة السورية وخاصة أننا لا نتحدث عن اقتصاد دولة أو اقتصاد مدمر لدولة مدمرة، بالرغم من كل الدمار فالاقتصاد السوري والاستثمارات ما زالت موجودة، هناك استثمارات كثيرة كانت موجودة قبل الحرب وقاومت كل الخسائر التي مرت بها وما زالت صامدة.

يجب التركيز على دعم الاستثمار الصغير لقدرته على دعم الاقتصاد الوطني ومواجهة الحصار، والقطاع الزراعي هو عماد الاقتصاد الوطني ويجب دعمه

وأضاف الرئيس الأسد: هناك استثمارات بدأت خلال الحرب، هناك استثمارات توسعت خلال الحرب، ماذا يعني هذا الكلام، يعني أن الإمكانيات موجودة، يعني أن القدرة موجودة ولكن ما نحتاجه هو المزيد من الإرادة والمزيد من الجرأة، هناك من يقول إن رأس المال جبان، وهذا مصطلح متداول كلنا نعرفه، صحيح، رأس المال الأجنبي جبان، أما رأس المال الوطني فلا يجوز أن يكون جباناً، رأس المال الوطني عندما يكون جباناً يكون خاسراً وعندما يخسر، يخسر معه الوطن، وعندما يخسر الوطن بسبب رأس المال الوطني لا يمكن أن يكون رأس المال هذا رأسمال وطنياً، لا يمكن أن يكون وطنياً إلا عندما يكون جزءا من دورة الاقتصاد.

وقال الرئيس الأسد: الدول التي بنيت عبر التاريخ وخاصة التاريخ الحديث بنيت برأس المال الشجاع، لم تبن برأس المال الجبان، بنيت برأس المال المبادر، لم تبن برأس المال المتلكئ، طبعاً بنفس الوقت هذا الكلام لا يكفي، بنفس الوقت يعني أن نقوم في المؤسسات الحكومية بشكل خاص وفي مؤسسات الدولة بشكل عام بالعمل بشكل حثيث على إزالة كل المعوقات من وجه كل أنواع الاستثمارات، ولكن كنا دائما نركز على الاستثمار الكبير، اليوم يجب أن ندعم الاستثمار الصغير لقدرته الأكبر على حمل الاقتصاد الوطني، السبب، أنه مرن، أكثر قدرة على تحمل الضغوطات وعلى مواجهة الحصار، أكثر تنوعاً وأكثر توزعاً جغرافياً وأكثر اعتماداً على الموارد المحلية، كلفه أقل وتمويله أسهل، ويجب إعطاء المزايا التفضيلية للصناعات التي تعتمد على الموارد المادية والبشرية وفي مقدمتها التي تخفف من الحاجة للاستيراد.

وتابع الرئيس الأسد: أيضاً بشكل خاص التي تدعم القطاع الزراعي باعتبار القطاع الزراعي هو عماد الاقتصاد الوطني بالإضافة لدعم تصنيع وتسويق المنتجات الريفية والمنتجات الأسرية، وأنا كما تلاحظون أتحدث عن الاستثمارات الصغيرة لأنها متنوعة وموزعة، فهي قادرة على أن تخلق فرص عمل وفعلاً تحمل الاقتصاد في وضعنا الحالي ويمكن أن تؤسس بسرعة أكبر بكثير من الاستثمارات الكبرى، وهذا من شأنه، أي دعم تصنيع وتسويق المنتجات الريفية، أن يخلق استقراراً أكبر للمجتمعات الريفية ويخفف الهجرة من الريف والضغط عن المدينة.

وكالة سانا

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة