في سياق سعيه لتوسيع رقعة نفوذه في الدولة، يعمل الوزير جبران باسيل على تأمين التأييد اللازم لإجراء تغيير يشمل قادة الأجهزة الأمنية، باستثناء قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، كل بذريعة ما. كذلك يسعى للسيطرة على مفاصل مهمة في الجسم القضائي والنقابات العمالية!
لا يوفّر وزير الخارجية جبران باسيل فرصةً لتعزيز فكرة سيطرة ما يسمّي «تيار رئيس الجمهورية» على مفاصل الدولة اللبنانية. ولأجل ذلك يسعى إلى حصر الحصّة المسيحية في الدولة بتياره. ويبدو أن باسيل يتصرف بموافقة الرئيس ميشال عون، على أن «العهد القوي» قد بدأ الآن، وأن بعض التعيينات الإدارية الرفيعة التي تمت في الفترة الأولى بعد انتخابات الرئاسة، تحتاج إلى تغييرات، بحثاً عن ولاءٍ صافٍ، من دون الإبقاء على تأثير لأي قوى أخرى على هذا الموظف أو ذاك.
ويجهد باسيل تحت عنوان «تثبيت الشراكة الكاملة» وفق مبدأ المناصفة، إلى قضم كل ما يعترض طريق مشروعه، ليس في إدارات الدولة فحسب، بل يسعى مؤخّراً إلى نقل هذا الأمر إلى المواقع في القطاع الخاص وإلى النقابات المهنية والعمالية!
في الجسم القضائي مثلاًً، يخطط باسيل لإحداث تغييرات وإجراء تعيينات في مواقع يشغلها قضاة مسيحيون، ليعيّن أشخاصاً يدينون بالولاء الصافي له. ولأجل ذلك، لا يريد أن يشاركه أحد في اختيار رئيس جديد لمجلس شورى الدولة، بينما يعمل لتغيير رئيس التفتيش المركزي جورج عطية، ويسوّق لطرح تعيين رئيس جديد لمجلس القضاء الأعلى وتسمية أعضاء مسيحيين فيه.
وفي ما خصّ مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، فإن آخر المعلومات تؤكّد موافقة باسيل ومعه عون على خروج جرمانوس من السلك القضائي، وأن فكرة أولية ستُعرض على جرمانوس لكي يبادر إلى تقديم استقالته من منصبه ومغادرة السلك، مقابل وعد بتعيينه سفيراً من خارج الملاك في دولة مهمة.
أما في الأسلاك العسكرية، فيرى باسيل أنه يجب منع السيطرة الكاملة للعماد جوزيف عون على قيادة الجيش. وبعدما جمع الرئيس عون باسيل وقائد الجيش قبل فترة، تبين أن وزير الخارجية يريد تشكيلات عسكرية متنوعة، ويريد تأثيراً مباشراً في المؤسسة العسكرية، لا أن ترد طلباته إلى اليرزة من خلال مكتب المستشار العسكري لرئيس الجمهورية، العميد المتقاعد بول مطر، فضلاً عن أن باسيل أثار أخيراً مسألة تغيير مدير مخابرات الجيش العميد طوني منصور، وتعيين آخر يختاره باسيل بنفسه. وتنقل مصادر متابعة لنشاط وزير الخارجية، لـ«الأخبار»، رفض باسيل المطلق لأي مقترح أوّلي بتمديد ولاية بعض الضباط لعامين إضافيين. وتشير مصادر واسعة الإطلاع إلى أن باسيل وعون غير راضيين عن منصور، لسبين رئيسيين: عدم اكتشافه مبكراً وجود «سوء إدارة أمنية» في لواء الحرس الجمهوري، وأداؤه دوراً يراه باسيل سلبياً في تنسيق تحركات العسكريين المتقاعدين احتجاجاً على مشروع الموازنة.
يجري التسويق لفكرة أوّلية تقضي باستقالة جرمانوس وتعيينه سفيراً في دولة مهمة
وفيما يعتبر باسيل أن جهاز أمن الدولة ليس «كله في يده»، محدّداً سعيه بالبحث عن مدير جديد يؤمّن سيطرة مطلقة لرئيس التيار الوطني الحر بدل أن يتقاسم النفوذ مع أي ضابط آخر (قاصداً بعض الضباط المحسوبين على الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري)، يسعى المدير الحالي اللواء طوني صليبا إلى كسب ودّ باسيل، من خلال قبوله تنفيذ مهام قد لا يكون هو وضباطه مقتنعين بصوابيتها، مثل ملف وزارة الخارجية و«الأخبار» أو توقيف «قليلي الأدب»!
في المقابل، يرى باسيل أنه مقابل موافقة تيار رئيس الجمهورية على إطاحة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية على خلفية شبهات فساد، فإنه صار من الضروري تعميم هذه المحاسبة وإطاحة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بسبب ملف الآبار الارتوازية ودور قوى الأمن الداخلي في الانتخابات النيابية. ويفترض أيضاً أن من الضروري تغيير رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن العميد خالد حمود، «الذي يكافح الفساد فقط في صفوف مناصري العهد». وترجّح مصادر معنية أن تواجه فكرة باسيل اعتراضاً من الرئيس سعد الحريري على أي مس بعثمان وحمّود، لأنه يرى فيهما ركنين أساسيين من فريق عمله. كذلك من المستبعد أن يطالب باسيل بأي تغيير في المديرية العامة للأمن العام، لأنه يدرك أن حزب الله وحركة أمل لن يقبلا باستبدال اللواء عباس ابراهيم.
يبقى جانب آخر في عمل باسيل، هو شروعه في الكلام عن ضرورة أن يجري تعميم مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في النقابات المهنية الحرة والنقابات العمالية. وهو انتهز «سقطة» بشارة الأسمر (غير المحسوب على العهد) للسيطرة على رئاسة الاتحاد العمالي العام والاتحادات العمالية الأخرى، وفق قاعدة أن الآخرين محسوبون على المرجعيات الاسلامية، وهو المشروع نفسه المنوي تنفيذه في نقابات الأطباء والمهندسين والمحامين.
صحيفة الاخبار