أحمد شعيتو
اصبح الإعلام الإلكتروني سمة اساسية من سمات الحياة المعاصرة بيومياتها، يشد اهتمام شرائح مجتمعية واسعة جدا على اختلاف مستوياتها الثقافية، يعتمد كمصدر اساسي للاخبار والمعلومات، يوجه قضايا الفكر والثقافة ويؤثر في العقول والوجهات بشكل متزايد. واذا كنا نتحدث عن تسارع نمو اهمية ودور هذا النوع من الإعلام فهذا لا يعفي من الاضاءة على خطورة متعددة الاوجه في ميدان الاعلام الالكتروني.
الإعلام الاكتروني او إعلام الانترنت وُصف انه "الإعلام الجديد" ، وقد كان في بداياته يشق طريقه بصعوبة أمام الاعلام التقليدي من قنوات واذاعات وصحف ومجلات. لقد بدأت القنوات التلفزيونية والاذاعات الكبرى تطلق مواقعها الالكترونية قبل دخول الالفية الجديدة وهذا شكل تحولا اعلاميا، وفيما بعد انسحب ذلك على الصحف العالمية الكبرى التي اطلقت نسخاتها الالكترونية، وعلى سبيل المثال اطلقت جريدة الغارديان نسختها الالكترونية عام 1999. لكن في آخر عشر سنوات اصبح للاعلام الالكتروني حيز مهم ومتسع من الاعلام ومن الدور الاعلامي، حيزٌ آخذٌ بالتنامي السريع نظراً الى الاتساع المطرد في حجم المتابعين لهذا النوع والمتفاعلين معه وبالاخص في ظل استغلاله التطور التكنولوجي المتسارع، والإفادة منه في تطوير طرق ايصال المادة وشكلها ومضمونها والتفاعل معها.
يشمل الاعلام الإلكتروني المواقع الالكترونية الإخبارية على تعدد انواع الأخبار من سياسية وامنية وثقافية وصحية وغيرها، وإن كان الابرز النوعان الأولان، يضاف اليها مواقع التواصل الاجتماعي والتي لا يمكن ان نضيفها اعتباطيا الى صفة الاعلام الا اذا كانت صفحاتها مدارة من قبل مؤسسات إعلامية ، أما صفحات الهواة والافراد فهي بحث آخر.
مواقع اخبارية ومواقع تواصل بات الإقبال الشديد عليها والتعود الى حد إدمان البعض يبرز الاهمية لكن يفرض محاذير، فقد تغيرت "قواعد اللعبة" اعلاميا اذا صح التعبير وقواعد الاتصال ، وإذا كانهذا الاعلام الجديد لا يلغي الاعلام التقليدي بشكل كلي ولكنه كالمغنطيس الذي يلتقط ويجذب اليه جماهير الوسائل الاخرى تدريجيا حتى غدت اكثرية الجمهور لصالحه، بل حتى بتنا نرى المواقف السياسية من كبار السياسيين في العالم تطلق من منصات مواقع التواصل والمواقع الالكترونية نظرا لإقرارها بأهميتها.
هذه "الانفوميديا" السريعة الوصول والانتشار برزت اهميتها في نشر المعلومة والافكار وايصال التوجيهات والاهداف الأيديولوجية أو السياسية أو الاقتصادية وغيرها والتاثير في الرأي العام المحلي والعالمي وتوجيهه في خدمة قضايا وطنية وسياسية ودينية واعلاء القيم الانسانية ونشر الثقافة وتروج للوطنية والمقاومة ودعم المقاومين وابراز انجازاتهم والتاثير في الراي العام المحلي والعالمي وفي الحرب النفسية لدى العدو ، والكثير من الادوار المهمة التي يطول الحديث عنها ، لكن لا بد ان نركز على الخطر المتنامي سواء من سوء استخدام او من سوء توجيه الاعلام الالكتروني وهو ما بات يحمل تاثيرات خطيرة على المجتمعات.
محاذير اكبر في الاعلام الالكتروني
اننا نلحظ في السنوات الاخيرة تناميا لسلبيات كبرى في ما تقدمه وسائل الاعلام على اختلافها ولكن تزداد الخطورة والمحاذير اذا كانت في الاعلام الالكتروني نظرا الى امور عدة:
-انتشار متسارع للمواقع الالكترونية وصفحات الاخبار على مواقع التواصل، فاذا كان بعضها جيدا ومدارا من قبل اعلاميين محترفين فان كثيرا منها يتم انشاؤه من قبل هواة او دخلاء على الاعلام.
-انتشار واسع بين المستخدمين وخاصة بين فئة الشباب، وتشير الدراسات مثلا الى ان اكثر من 70% من الشباب في لبنان يعتمدون الاعلام الالكتروني في تلقي الخبر والمعلومة او التفاعل معها.
-سهولة استخدامه في المكان والزمان حيث يتنامى استخدام الهواتف الذكية بشكل كبير بين الناس والاعلام الالكتروني بات يعتمد بشكل كبير على الهواتف الذكية في نشر مواده، ومن المعروف ان الهاتف يرافقنا في كل الاوقات والامكنة فلم يعد يقتصر الامر على اجهزة الكمبيوتر الثابتة والمحمولة.
- حفظ الاخبار والمواد على الشبكة العنكبوتية وبالتالي امكانية متابعة المواد والاخبار والمعلومات عندما نرغب وهذا يتيح مراجعة واستعادة اي مادة وخبر ومقطع مصور في اي وقت نحدده نحن.
- سهولة النشر المتسلسل للمواد والاخبار عبر تناقلها من شخص لآخر او على مواقع التواصل او المجموعات الشخصية والعائلية والاخبارية
- إمكانية التفاعل وإبداء الرأي مع الخبر والمواد الاعلامية والاخذ والرد وهو رأي يصل الى عدد كبير من المستخدمين.
مظاهر السلبيات والتوجيهات الخطرة:
لقد دخلت المواقع الالكترونية في لبنان او المنطقة في فوضى الكم والنوع وغياب الاحترافية في كثير من الاحيان، وبالاخص في لبنان، كما ان الكثير من المواقع التي تدّعي الاحترافية سقطت عنها هذه الصفة لصالح اهداف واسباب اخرى سنأتي على ذكرها.
ويمكن في اطار مفهوم وعمل الاعلام الالكتروني ان نورد المحاذير والمخاطر التالية:
-تفاقم "فوضى الخبر والمعلومة" بحيث باتت الاخبار والمواد يختلط الدقيق منها بالخاطئ والكاذب مما يعني بالنتيجة صعوبة التمييز بين الصحيح والخاطئ وخاصة لدى الجمهور الذي يفتقر للتثقيف والوعي. نجم ذلك عن التسابق المحموم والاعمى الى بث الاخبار دون تأكد وتثبت وفقط من اجل سبق صحفي و"سكوب" ومن اجل البحث عن اكبر عدد ممكن من القراء طمعا بالانتشار والشهرة او بتلقي مواد اعلانية اكثر، وهذه باتت ظاهرة واسعة في الاعلام الالكتروني.
-تفاقم ظاهرة الاخبار المضللة والموجهة بشكل مقصود لصالح جهات ودول معادية لمصلحة البلاد من اجل الترويج لأطراف واشخاص وسياسات معينة. يتلقى ويتابع الاعلام الالكتروني فئة الشباب والمراهقين بشكل خاص بحيث تشكل عوامل الجذب وسهولة الاستخدام طريقة تسهل الانصراف اليه عن الوسائل الاعلامية الاخرى لذا فان الافكار الموجهة الى الشباب للتاثير في عقولهم وتوجيهها ضد القيم الاخلاقية والوطنية يزداد تاثيرها في هذه الحالة بشكل واسع.
- يدخل الكثير من الاطراف المشبوهة لفتح بل تاجيج نقاش عبر المواقع ووسائل التواصل لا يخدم الا التقسيم في داخل الاوطان والانقسام الشعبي او تشويه صورة القامات الوطنية والمجموعات الوطنية او بث الحرب النفسية والتخويف من العدو والحروب.
- قلة وعي المتلقي تجعله لا يميز بين الموقع الاخباري المحترف والموقع الهاوي وغير العلمي والموقع الصادق من المضلل، ومسارعته الى تصديق بل نشر الاخبار والتي تكون مضامينها احيانا خطرة ونراها انتشرت كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل ومواقع الدردشة ويضاف الى قلة الوعي حب البروز واعتبار الافراد انفسهم مصدر معلومة.
- تنامي ظاهرة ما يسمى "الهوس بالمشاركة" على مواقع اخبار او مواقع التواصل وابداء الراي دون استناد الى منطق ودراسة ووعي في كثير من الاحيان مما اصبح يدخلنا في نقاشات وتفاعلات سلبية ومؤذية ومقسمة للمجتمع ومؤثرة على الوحدة الوطنية او الدينية.
- تفاقم انتشار المواد التي يراد منها ضرب القيم الصحيحة والاخلاقية في المجتمع والتي نراها تتداخل مع الاخبار السياسية في المواقع الاخبارية تحت عنوان اخبار منوعة وفنية وغيرها وبات ذلك يزرع القيم الفاسدة بشكل متنام.
المعالجات
تقع مسؤولية المعالجة والتنبه الى هذه المخاطر على عاتق الفرد بنفسه وعلى عاتق المجتمع متضامنا، وكذلك على المؤسسات المختصة.
على الصعيد الفردي يجب التنبه دائما الى فكرة انه ليس كل ما يكتب في مواقع الاخبار والتواصل الاجتماعي حقيقة، بل ان الكثير منها يكتب الأكاذيب بل يمتهنها، لذا صار لزاما النظر بعين الاعتبار الى ما يلي:
- التنبه والتمحيص بالخبر والمعلومة وعدم اعتبارها صادقة مباشرةً
- التركيز على اخذ المصدر من مواقع معروفة بمصداقيتها
- العمل على عدم التاثر السريع بالاشاعات والاخبار التي يشتم منها رائحة تضليل وفتنة والحذر من المواد المؤثرة على القيم.
- التريث قبل المسارعة الى نشر الاخبار لدى الاصدقاء او نسخها على مواقع التواصل والدردشة خاصة اذا كانت حساسة ويمكن ان يترتب عليها اثار سلبية وخطيرة على المحيط والمجتمع او على ردات فعل البيئة المحيطة.
على صعيد المجتمع والمؤسسات يمكن ان نعدد النقاط التالية:
-على الافراد الواعين توعية غيرهم في بيئتهم المحيطة وفي عائلتهم الى مخاطر ما يتم نشره، بحيث اذا وقفوا على خبر او معلومة خاطئة ومشبوهة او تلقوها المسارعة الى التنبيه للخطأ ونشر المعلومة الصحيحة.
-على المتخصصين والمؤسسات الاعلامية الملتزمة اقامة حلقات توعية وتثقيف لحسن استخدام الاعلام الالكتروني وكيفية التمييز بين المواقع المحترفة وذات المصداقية والمواقع التي لا يعتد بها او باغلب موادها، وسبل التمييز بين الاخبار والمواد الخاطئة او المشبوهة وتلك التي يمكن الاخذ بها ، وإن كان لا يمكن الوصول للتمييز الكلي ولكن يبقى النجاح النسبي افضا من لا شيء.
-الانكباب عبر مؤسسات وسلطات مختصة على تنظيم عدد وعمل المواقع الالكترونية والرقابة عليها وعلى ما تبثه من مواد، وان كان هذا الفضاء مفتوحا ويتحجج كثيرون بالحرية ليمرروا فوضى الخبر او التضليل لكن هذا لا ينفي امكانية الرقابة والتوجيه بل المحاسبة، لا سيما استنادا الى قانون الاعلام والمواثيق الاعلامية التي وقعت والخاصة بالاعلام الالكتروني، وما ورد في توصيات لجنة الاعلام بخصوص موضوع الاعلام الاكتروني وعمله.
خاص المحور