وجه رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب كلمة الى اللبنانيين جاء فيها: "أيها اللبنانيات واللبنانيون،
300 يوم مروا على استقالة حكومتي، وما زال لبنان يتوغل في نفق يزداد ظلاما، وكلما لاح بصيص في الأفق، تطفئه الحسابات السياسية التي لم تعد تقيم وزنا لمصير البلد ولا لمعاناة اللبنانيين الذين، و بسبب عدم تشكيل حكومة، يستنزفهم البحث عن حبة دواء أو علبة حليب أطفال أو ليتر بنزين، ويكتوون بنار الأسعار التي تفوق بكثير قدراتهم ومداخيلهم، فيتجذر إحباطهم، ويدفع بعضهم إلى البحث عن الأمل والانفراج بعيدا عن وطنهم الذي يخسر يوميا كفاءاته العلمية وشبابه وتتآكل قدراته.
على مدى خمس عشرة سنة مضت، تحول الفراغ إلى قاعدة في البلد، بينما وجود الدولة ومؤسساتها هو الاستثناء.
أما اليوم، فالحلقة المفرغة تحاصر الآمال بإمكانية الخروج من المأزق الذي أضحى أزمة وطنية تهدد ما تبقى من مقومات الدولة والدستور والمؤسسات.
لكن الأخطر هو ما تتركه هذه الأزمة من تداعيات سلبية على يوميات اللبنانيين الذين يستعيدون مشاهد مؤلمة من زمن ليس ببعيد، وهي تُستعاد اليوم في سياق مسار الانهيار المتعدد الأوجه، وكأن هناك من يسعى ويعمل على تكرار تلك الطقوس تحقيقا لغايات في النفوس.
ومن دون العودة إلى سرد وقائع أصبحت معروفة لدى اللبنانيين، فإن الواقع المالي المأزوم بتراكم الأخطاء في السياسات المالية، والذي وضعنا خريطة طريق لمعالجته في خطة التعافي التي اعتمدتها حكومتنا وباشرنا التفاوض مع صندوق النقد الدولي على قاعدتها، ثم توقفت باستقالة الحكومة، تحتاج اليوم إلى حكومة قائمة تستكمل التفاوض مع صندوق النقد لوضع البلد على سكة الخروج من الأزمة الحادة التي ترخي بأثقالها على لبنان واللبنانيين.
نحن اليوم أمام واقع صعب جدا عبر عنه البنك الدولي في تقريره قبل أيام عندما اعتبر أن لبنان غارق في انهيار اقتصادي، قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب أي أفق حل يُخرجه من واقع متردٍ يفاقمه شلل سياسي.
وما قاله البنك الدولي تؤكده الوقائع التالية:
أولا - عجز في تشكيل حكومة جديدة تتصدى للمشكلات الحادة، المالية والاجتماعية والمعيشية والاقتصادية.
ثانيا ـ عدم ارتقاء القوى السياسية إلى مستوى المسؤولية الوطنية وقصور في إدراك حجم الأزمة وتداعياتها.
ثالثا ـ استمرار توقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
رابعا ـ استمرار تجميد خطة التعافي التي وضعتها حكومتنا.
خامسا ـ تقليص مصرف لبنان الاعتمادات لاستيراد المواد الأساسية.
سادسا ـ فقدان الأدوية وحليب الأطفال والمحروقات بسبب اعتماد التخزين للمواد الأساسية، من قبل بعض التجار.
سابعا ـ ممارسة التهريب بمختلف الطرق ولمختلف المواد الأساسية، على الرغم من الجهود لمواجهة عمليات التهريب بمختلف أشكاله.
ثامنا ـ تردٍ متدحرج في تأمين الحد الأدنى من متطلبات اللبنانيين المعيشية والاجتماعية والدوائية والخدماتية من بنزين ومازوت وكهرباء.
تاسعا ـ نزف حاد في الطاقات العلمية والبشرية.
عاشرا ـ حصار خارجي مطبق على لبنان، وممارسة الضغوط المختلفة لمنع وصول المساعدات إليه، لدفعه إلى الانهيار الشامل.
إن كل هذه الوقائع، تجعل الظروف الداخلية على مشارف الانهيار الشامل الذي سيكون اللبنانيون ضحاياه، بينما ستعاود القوى السياسية النهوض لتقديم نفسها كمنقذ للناس والبلد.
إن الانهيار، في حال حصوله، لا سمح الله، ستكون تداعياته خطيرة جدا، ليس على اللبنانيين فحسب، وإنما على المقيمين على أرضه أيضا، وكذلك على الدول الشقيقة والصديقة، في البر أو عبر البحر، ولن يكون أحد قادرا على ضبط ما يحمله البحر من موجات.
إنني، وبإخلاص، أوجه نداءين: واحد للبنانيين، والآخر لأشقاء وأصدقاء لبنان.
للبنانيين، أدعوهم إلى الصبر على الظلم الذي يعانون منه أو سيطالهم من أي قرار تأخذه أي جهة ويزيد في معاناتهم.
لا أريد توجيه الاتهام لأحد، لأن المرحلة تتطلب أعلى درجات المسؤولية كي نتمكن من تخفيف آلام السقوط في حال حصوله لا سمح الله.
وأدعو القوى السياسية، إلى تقديم التنازلات، وهي صغيرة مهما كبرت، لأنها تخفف عذابات اللبنانيين وتوقف المسار المخيف. فتشكيل الحكومة، بعد نحو عشرة أشهر على استقالة حكومتنا، أولوية لا يتقدم عليها أي هدف أو عنوان.
خافوا الله في هذا الشعب الذي يدفع أثمانا باهظة من دون ذنب.
لأشقاء لبنان وأصدقائه، أناشدهم عدم تحميل اللبنانيين تبعات لا يتحملون أي مسؤولية فيها. فالشعب اللبناني ينتظر من أشقائه وأصدقائه الوقوف إلى جانبه، ومساعدته في محنته القاسية، ولا يتوقع منهم أن يتفرجوا على معاناته أو أن يكونوا مساهمين في تعميقها.
أناشد الأشقاء والأصدقاء، لبنان في قلب الخطر الشديد، فإما أن تنقذوه الآن وقبل فوات الأوان، وإلا "لات ساعة مندم".
اللهم اشهد أني قد بلغت...
اللهم اشهد أني قد بلغت...
اللهم اشهد أني قد بلغت...
الله يحمي لبنان ، الله يحمي اللبنانيين"
المحور