صدر عن المكتب الإعلامي في رئاسة مجلس الوزراء البيان التالي:
لا يمكن لعاقل الاقتناع والتسليم بهذا العجز السياسي، وبانقطاع الحوار المجدي بين المعنيين، وبتعطيل كل المخارج التي تؤدي إلى إيجاد تسوية لتشكيل حكومة فاعلة ولديها صلاحيات التعامل مع الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الحادة، بحيث توقف مسلسل الانهيارات المتدحرجة في البلد والتي تسببت بها سياسات مالية خاطئة متراكمة على مدى عقود، ويعمّقها اليوم الانقسام السياسي الحاد الذي منع ويمنع تشكيل الحكومة منذ أكثر من عشرة أشهر، ويتسبّب بانهيار العملة الوطنية.
إن الأزمة الخطيرة التي بلغها البلد، تستوجب من الجميع وقفة ضمير تستدرك الانهيار الشامل الذي يزيد من عذابات اللبنانيين ويقطع الطريق على أي خطة إنقاذ، بعد أن كانت حسابات شخصية "غطّت حقائق" وجمّدت خطة التعافي للحكومة قبل أكثر من سنة، وكان الشروع بتنفيذها وفّر على لبنان واللبنانيين الكثير من الخسائر.
لكن المفارقة أن بعض هذا العجز السياسي يحاول الاختباء خلف قنابل دخانية، ويرمي أثقال عجزه على حكومة تصريف الأعمال، عبر عناوين "التعويم" و"التفعيل"، ودفعها لمخالفة الدستور.
أمام هذه الوقائع، نعيد التذكير والتأكيد على ما يلي:
1- تبقى الأولوية، دائماً وأبداً، لتشكيل حكومة جديدة تُنهي الانقسام السياسي الذي يدفع البلد نحو الاصطدام المدمّر على كل المستويات.
2- إن تشكيل الحكومة هو مسؤولية وطنية، ويكتسب في ظل الظروف الراهنة صفة المهمة المقدّسة التي يفترض أن يتجنّد لها جميع المعنيين، لأن التأخير في ولادة الحكومة العتيدة يشكّل طعنة للوطن والمواطنين، ويتسبب بهذا الانفلات المخطّط في سعر صرف الدولار الأميركي الذي هو أساس كل المشاكل بعد أن تضاعف سعره منذ استقالة الحكومة، وكذلك في فقدان الأدوية والمحروقات وفي تفاقم أزمات الكهرباء والمستشفيات.
3- إن السعي، الظاهر والباطن، لمقولات "تعويم" و"تفعيل" الحكومة المستقيلة، لا يستند إلى أي معطى دستوري، وبالتالي فهو محاولة للقفز فوق وقائع دستورية تتمثّل باستقالة الحكومة وبحصول استشارات نيابية ملزمة أنتجت رئيساً مكلّفاً.
4- إن الدستور واضح في المساواة صراحة، بين صلاحيات الحكومة قبل نيلها الثقة وبين الحكومة بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة. فما يحقّ للحكومة أن تقوم به، بعد تشكيلها وقبل نيلها الثقة، هو تحديداً ما يحق للحكومة المستقيلة القيام به. وقد نصّت المادة 64 في بندها الثاني على الآتي "...ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال". إن أي تفسير لهذا النصّ مخالف لما هو متعارف عليه ومعمول به منذ وضع الدستور، وهو ما أكده مجلس النواب سابقاً.
5- تشكّل الدعوات لـ"تعويم" و"تفعيل" الحكومة المستقيلة، اعترافاً بالفشل، ومحاولة للإلتفاف على الهدف الأساس المتمثّل بتشكيل حكومة جديدة، مما يعني التسليم بالفراغ الذي لا يجب الاستسلام له مطلقاً.
6- إن الظروف الاستثنائية الصعبة والتاريخية التي يمرّ بها لبنان، تستدعي استنفاراً وطنياً وتنازلات من كل الأطراف، لتشكيل حكومة لديها الصلاحية لاستئناف التفاوض الذي كانت الحكومة قد بدأته مع صندوق النقد الدولي، على قاعدة خطة التعافي التي وضعتها الحكومة المستقيلة.
7- في ظل تزايد الضغوط المالية والاجتماعية على المواطنين بسبب التأخّر بتشكيل الحكومة، تحاول بعض القوى السياسية التهرّب من مسؤولياتها ورمي فشلها وعجزها عن صياغة تفاهم الحكومة العتيدة. بل وتحاول بعض تلك القوى إلقاء تبعات ممارساتها وعجزها على حكومة تصريف الأعمال، بينما تقع المسؤولية مباشرة على هذه القوى نفسها.
8- إن الحكومة المستقيلة تحمّلت بمسؤولية كبيرة وتاريخية، عبء السياسات الخاطئة التي أوصلت البلد إلى حالة الانهيار، ووضعت خطة شفافة وموضوعية لمعالجة هذا الانهيار، لقيت تأكيداً على صوابيتها من صندوق النقد الدولي ومن جهات دولية عديدة، ولولا إضاعة الوقت الذي حصل من سياسيين واقتصاديين وماليين، معروفين ومستترين، حاولوا مقاومة تلك الخطة لتعطيلها وإدخال البلد في حالة الفوضى المالية والاقتصادية، لكان قطار التعافي قد انطلق منذ سنة كاملة.
9- إن الحكومة المستقيلة، قامت بواجباتها كاملة على مدى ستة أشهر من عملها كحكومة قائمة، وهي استمرت بعد استقالتها في القيام بواجباتها كاملة في تصريف الأعمال، وبأعلى درجة من المسؤولية الوطنية، وبأقصى جهد، ويتابع رئيسها ووزراؤها، يومياً وعلى مدار الساعة، كل الملفات، ويعملون على معالجة المشكلات المزمنة والطارئة، ولم يتقاعسوا في التعامل مع كل الملفات والمهمات. ولولا هذا الجهد المبذول والمستمر، لكانت المشكلات أكبر بكثير مما هو حاصل اليوم. وبالتالي، فإن هذه الحكومة التي واجهت أكبر التحديات ـ عدداً وصعوبة ـ التي مرّت على لبنان في تاريخه، بذلت أقصى جهودها، من منطلقات وطنية وبمعايير علمية، منذ تشكيلها وعلى مدى ستة أشهر، وبعد استقالتها على مدى عشرة أشهر ونيّف.
10- إن العمل بصمت هو سمة هذه الحكومة، وهي لم تحاول استثمار الجهود، الفردية والجماعية، لرئيسها ووزرائها، في حسابات سياسية أو انتخابية، لأن الهمّ وطني لا شخصي، ولأن الأولوية هي للناس لا للسياسة.
11- إن الحكومة المستقيلة أنجزت مشروع البطاقة التمويلية، وكذلك برنامج قرض البنك الدولي لمساعدة العائلات المحتاجة، ووضعت صيغاً عديدة لترشيد الدعم تنتظر إقرار البطاقة التمويلية في مجلس النواب لتحديد الصيغة المناسبة. كذلك تقوم بمعالجة مختلف الشؤون الحياتية والمعيشية والاجتماعية للمواطنين، وتعمل على تخفيف تداعيات قرار مصرف لبنان بالتوقف عن تمويل استيراد البنزين والمازوت والدواء والفيول للكهرباء، والذي لم نوافق عليه من دون البطاقة التمويلية.
إن رئاسة الحكومة تؤكّد أنها لن تتقاعس عن القيام بأقصى جهدها في تخفيف وطأة الأزمة، وفي تسيير أعمال الدولة، وتصريف الأعمال بأعلى درجة، على أمل أن تتحمل القوى السياسية مسؤولياتها في الإسراع بتشكيل حكومة جديدة، حتى لا يطول عبور النفق المظلم.
المحور