كتبت صحيفة "الاخبار" تقول : إحصاء الأزمات التي يعاني منها الناس في لبنان صار أمراً شاقاً. الطوابير تحوّلت إلى عادة، ولذلك بعد فشل ترقيع أزمة البنزين، يخشى أن تنتقل الطوابير إلى الأفران. القطاع الاستشفائي يتنفس بصعوبة والكهرباء مقطوعة والجوع يزداد، لكن الخبر اليوم هو «زيارة» الرئيس سعد الحريري إلى بيروت، وتسبقه أخبار ممجوجة من نوع: أسبوع حاسم، هل يعتذر أم يطرح تشكيلة جديدة على رئيس الجمهورية؟
تتزاحم الأزمات التي تؤدي جميعها إلى الانهيار. صامت السلطة لأسابيع، ثم نطقت كفراً. الحل الذي خرجت به لأزمة البنزين، لم يؤد سوى إلى رفع السعر. أما الزحمة والانتظارات الطويلة على المحطات، فلا تزال قائمة وتشكل معاناة للآلاف، وسط تزايد سيطرة السوق السوداء، التي لا يُعفى أحد من المسؤولية عنها، من الشركات إلى الموزعين إلى المحطات... وحكماً المستهلكين، الذين ولد بينهم بائعو الغالونات. سعر الصفيحة تخطى في السوق السوداء الـ200 ألف ليرة، وهو ما يعني، إذا استمر الشح في البنزين، انتفاء الغاية من التهريب، طالما أن السعر في لبنان لم يعد بعيداً عن السعر في سوريا.
إضافة إلى طوابير البنزين، بدأ أصحاب الأفران يحذرون من طوابير الخبز. وحتى بعدما زادوا الأسعار وقلّصوا وزن الربطة، صاروا يحذرون من إمكانية توقف المخابز عن العمل. حجتهم أنهم لا يجدون المازوت الكافي لتشغيلها.
المستشفيات، بدأت تحذر من التوقف عن العمل أيضاً، بسبب فقدان المازوت. نقيب أصحاب المستشفيات طالب بإعطاء الأولوية لها، داعياً أيضاً إلى تخصيص المستشفيات بدعم المازوت على سعر 1500 ليرة.
وفيما تحولت الأدوية إلى أثر بعد عين، بدأت مظاهر التضامن الاجتماعي تنتج مبادرات لشراء الأدوية من الخارج لمن يحتاجها، لكنها مبادرات لا يمكن أن تعوض النقص الهائل، والذي يطاول أدوية لا يمكن الاستغناء عنها، مثل أدوية الأمراض المزمنة. المشكلة أنه مقابل المبادرات المحدودة، بدأت تظهر مؤشرات إلى دخول صيادلة على خط البيع في السوق السوداء. ومن بوابة السعي إلى مساعدة المريض الذي لا يجد دواءه، صار بعض الصيادلة يعرض تأمين هذا الدواء أو ذاك بأسعار مضاعفة وبالدولار، بحجة أنها مستوردة.
«ألفاريز» توافق على قبض مستحقاتها على ثلاث دفعات
كل ذلك، يضاف إلى أزمة الكهرباء المستمرة. القطاع انهار تماماً. وحتى في بيروت بالكاد تصل الكهرباء إلى المنازل لساعتين يومياً. أما المولدات، فإن كان بعضها لا يزال قادراً على تعويض الفارق، إلا أن أغلبها بدأ تقنيناً قاسياً لعدم توافر المازوت ولعدم قدرة المولدات على تحمّل الضغط. وحتى المعلومات التي تشير إلى أن مصرف لبنان سيفتح اعتماد باخرة الفيول المتوقفة في مرفأ بيروت منذ 28 حزيران الماضي، فإن ذلك لن يكون سوى تأكيد أن الانهيار لا يعالج بالمفرق. جل ما سيحصل هو زيادة 150 ميغاواط إلى الإنتاج بما يعني بالكاد زيادة ساعة على التغذية.
الواقع يشير إلى أن المؤسسات كلها سقطت. الجلسة العامة لمجلس النواب نموذجاً. نقاشات قد تجري بين مجموعة من المخلوقات القادمة حديثاً من كوكب آخر، لكنها حكماً لا تمت إلى الواقع اللبناني بصلة. غرق في تفاصيل لا تسمن ولا تغني من جوع (حرفياً). ذلك الجوع الذي يجتاح كل المناطق، بأرقام صادمة لن تكفي المساعدات الانتخابية - الاجتماعية، لتخفيفها.
أما حكومة تصريف الأعمال، فـ «لا تندهي ما في حدا». بالكاد يتحدّث الوزراء مع رئيس حكومتهم. الخلافات الشخصية تسهم في عدم التعاون بين الوزارات أو بينها وبين رئاسة الحكومة. كلٌ يغني على ليلاه، وكل يعطي الأولوية المطلقة لحساباته الشخصية. وزير يعد نفسه برئاسة الوزراء، وآخر بدأ جولاته الانتخابية، وزميل له يغلق باب مكتبه على نفسه ولا يفتحه إلا عندما يغادر، فيما آخرون بالكاد يزورون وزاراتهم. كل ذلك يضاف إلى إصرار من رئيس الحكومة على رفض كل الدعوات لتحمّله المسؤولية، فقط لأنه لم يتخط بعد كيف أن الطبقة السياسية قد «استقالته» في ليل، ولأنه يرفض أن يكون كبش فداء لها، ولرياض سلامة الذي يتجاهله.
كل ما سبق في كفّة، وتشكيل الحكومة في كفّة. الخبر اليوم هو عودة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى بيروت. الخبر الأدق أن الحريري «يزور» بيروت. فهو منذ كلف تشكيل الحكومة لم يقم في بيروت بقدر ما أقام خارجها. وطبعاً السبب دائماً هو مصلحة لبنان التي يدور على عواصم العالم لضمانها، متناسياً أنه عندما تسلّم التكليف كان الدولار بسبعة آلاف ليرة، وها هو يقفز عشرة آلاف إضافية بمعيّة مساعيه إلى ضمان الدعم الدولي - السعودي فعلياً، قبل تشكيل الحكومة. لكن على الطريق، ولتمويه نبل مسعاه، لم يكن أمامه سوى أن يفتعل معارك وهمية، لا وظيفة لها سوى شراء الوقت، ريثما يصل الوحي السعودي، تشكيلاً أو اعتذاراً أو حتى تحيةً. من يريد أن يُشكّل فعلاً، ومن يعتقد أن خصوم اليوم حلفاء الأمس يعرقلون مسعاه، ما عليه إلا أن يحاول، ليل نهار، ابتداع الحلول وتفكيك العقد، حتى لو اضطره الأمر إلى المرابضة في قصر بعبدا.
اجتماع اليوم للجنة الوزارية المكلفة وضع معايير المستفيدين من البطاقة التمويلية
هكذا يبقى التشكيل معلقاً على مصالح شخصية، وعلى أخبار من نوع «أسبوع حاسم في ملف التشكيل»، أو «هل يعتذر الحريري؟»، فيما الناس لم تعد قادرة حتى على إحصاء أزماتها، التي تأتي البطاقة التمويلية لتلعب دور المخدّر فيها، علّها تشفع في تأخير الانفجار الاجتماعي. ولما أصدر مجلس النواب القانون، وترك آليات التنفيذ للجنة حكومية، فقد دعا الرئيس حسان دياب وزراء المالية والشؤون الاجتماعية والاقتصاد إلى جلسة تعقد لهذه الغاية، علماً أنه صار معلوماً أن معايير الحصول على البطاقة ستؤدي إلى استثناء غالبية الشعب اللبناني، فيما كانت الغاية منها قبلاً، على ما اقترح حاكم مصرف لبنان، أن تكون حقاً لكل اللبنانيين، بما يؤدي تلقائياً إلى استثناء اللاجئين السوريين والفلسطينيين، بحجة أنهم يستفيدون من برامج دعم أخرى. ومع افتراض أن نحو 20 في المئة من اللبنانيين لن يتقدموا إلى البطاقة، تكون النتيجة حصول ثلثي اللبنانيين على بطاقة هي، للتذكير، ليست مخصصة للأكثر فقراً، بل هدفها تعويض الارتفاع الهائل في الأسعار، بعد تخلي مصرف لبنان عن تمويل الاستيراد على السعر الرسمي. بما يعني بالتالي، أن البطاقة ليست دعماً بمفهوم الدعم الاجتماعي، بل هي خطوة تريد منها السلطة النقدية وقف تسرّب الدولارات، بعدما كانت هي نفسها تصر على دعم المحتكرين وكبار التجار والمهرّبين، فيما تحجب هذا الدعم عن القطاع العام على سبيل المثال.
إلى ذلك، لا يزال مصرف لبنان متحرراً من أي تدقيق في حساباته، بالرغم من أن القرار اتخذته الحكومة في آذار 2020، لكن من دون أن تتمكن من تنفيذه، بسبب الكم الهائل من العراقيل التي وضعت في طريقه.
المتابعون للملف والذين لم يكفّوا عن بث التفاؤل، يتوقّعون أن تصل هذه العراقيل إلى نهايتها هذا الأسبوع، على أن يُتوّج ذلك بتوقيع عقد جديد مع شركة «ألفاريز ومارسال». فبعدما كانت هيئة التشريع والاستشارات قد دعت وزارة المالية إلى التفاوض مع الشركة مجدداً، في ما يتعلق بالتعديلات التي طلبتها، وأبرزها طلبها دفع قيمة العقد كاملاً عند التوقيع، يبدو أنها تراجعت عن هذا الشرط. وبحسب مصادر وزارة المالية، وافقت الشركة على الحصول على مستحقاتها على ثلاث دفعات. وفيما لم تشر المصادر إلى توزيع النسب، أكدت أنها تسعى للحفاظ على نسب العقد السابق، أي 40 في المئة عند بدء نفاذ العقد، ثم دفعتين كل منهما 30 في المئة. وفيما يفترض أن ترسل الوزارة المسودة الأخيرة من العقد إلى هيئة الاستشارات اليوم، رجحت المصادر أن لا يتأخر الوزير بتوقيع العقد، فور ورود رأي هيئة الاستشارات. فهو لم يعد بحاجة إلى قرار من الحكومة، بعدما حصل على قرار استثنائي يطلب منه التفاوض مع الشركة وتوقيع العقد. هل هذا يعني أن التدقيق سيسير نحو التنفيذ بعد أكثر من سنة على إقراره وبعد ستة أشهر على إقرار قانون رفع السرية لغاية التدقيق الجنائي؟ تشير مصادر متابعة إلى أن لا شيء تغيّر في موقف المنظومة الحاكمة، وهي ليست مستعدة لإطلاق النار على نفسها، من خلال التدقيق الجنائي. وعليه، يدعو المصدر إلى انتظار أرانب جديدة تفرمل «حلم التدقيق».
صحيفة الاخبار