نيويورك تايمز: بعد الفشل في أفغانستان.. الإمبراطورية الأميركية تتراجع
يقول الكاتب روس داوثات إن الفشل الأميركي في أفغانستان يشبه إلى حد بعيد إخفاقات الإمبراطورية الرومانية التي حدثت بعيدا عن روما نفسها. واستعرض الكاتب الهزائم والاخفاقات الأميركية خلال العقود الثمانية الماضية، لينتهي للقول إن النظام العالمي الأميركي الذي بدأ في 1945 يواجه تهديدا حقيقيا. ويضيف داوثات في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز (New York Times) أن البعض قد يعتقد أن أميركا ستكون أفضل حالا بدون قوتها العظمى المهيمنة، مشيرا إلى أن هناك طرقا قليلة جدا للعودة من وضع الإمبراطورية، إلى مجرد أمة عادية. وأشار الكاتب إلى أنه في أحد مقاطع الفيديو الأكثر جذبا للانتباه التي تم تداولها بعد سقوط كابل، تظهر مجموعة من مقاتلي طالبان في حظيرة تحتوي على طائرات مروحية أميركية مهجورة ومعطلة.
وعلق بأن هذا المشهد يحمل سمات قوية من نهاية الإمبراطورية الرومانية، حيث وقوف مقاتلي طالبان إلى جانب الطائرات يشبه وقوف القوط الغربيين أو الواندال إلى جانب أجزاء وقطع من الثقافة الرومانية عندما أطاحوا بالإمبراطورية. ويعود داوثات ليقول إن اللمحة المقدمة في الفيديو ليست بالضرورة مقدمة لانهيار إمبراطوري حقيقي، رغم أن الفشل في أفغانستان يشبه إلى حد بعيد الإخفاقات الرومانية التي حدثت بعيدا عن روما نفسها، الهزائم التي عانى منها الجنرالات الرومان في صحاري بلاد ما بين النهرين أو الغابات الألمانية، عندما تجاوز نفوذ الإمبراطورية قبضتها. ويتحدث داوثات عن 3 إمبراطوريات أميركية منذ 194،: الإمبراطورية الداخلية، وهي أميركا القارية بأقمارها الصناعية في المحيط الهادي ومنطقة البحر الكاريبي، ثم الإمبراطورية الخارجية، التي تتكون من المناطق التي احتلتها أميركا وأعادت بناءها بعد الحرب العالمية الثانية ووضعتها تحت مظلتها العسكرية، أوروبا الغربية وشرق آسيا على حافة المحيط الهادي، وأخيرا، إمبراطورية أميركا العالمية الناعمة، التي توجد أينما تصل قوتها التجارية والثقافية، وهذه الأخيرة هي أهم إنجازات أميركا، حسب رأي الكاتب، لكن اتساعها يقاوم حتما تكاملا أكمل وسيطرة أميركية أكثر مباشرة.
ووصف فكرة جعل الإمبراطورية الأميركية عالمية بالمتغطرسة، إذ تسببت في أوضح الهزائم لهذه الإمبراطورية أولا في جنوب شرق آسيا في الستينيات، ثم في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بعد هجمات 11 أيلول 2001، وإخفاقات مماثلة، مع إراقة دماء أقل ولكن عواقب إستراتيجية أكثر أهمية، في روسيا في التسعينيات. قال إن محاولة خلق علاقة خاصة مع روسيا خلال العقدين الماضيين لم تكن حكيمة، وأدت إلى ظهور الرئيس فلاديمير بوتين ومهدت الطريق للصين لتصبح منافسا حقيقيا، وليس شريكا صغيرا في نظام عالمي سلمي. وأوضح أن الإخفاقات المذكورة أضعفت بشكل ملموس الإمبراطورية العالمية الأميركية، وقضت على الخيال الأميركي بعد 11 سبتمبر بالسيطرة الحقيقية على العالم. وأضاف أن الوضع لا يزال يبدو وكأنه سيناريو حيث خسرت روما حروبا حدودية أمام بارثيا والقبائل الجرمانية في وقت واحد، وهو وضع سيئ ولكنه قابل للتعافي، أكثر من الانهيار الإمبراطوري الصريح، طالما أن لدى أميركا إمبراطوريتين أخريين تعتمد عليهما.
وقال أيضا إن الهزائم على الحدود البعيدة والضعف الإمبريالي في أوروبا الغربية وشرق آسيا يمكن أن تكون لها أيضا عواقب أقرب إلى قلب الإمبراطورية، وإلى تسريع التطورات التي تهدد حقا النظام الأميركي كما كان موجودا منذ عام 1945، ومثّل لذلك بوفاق ألماني روسي وإعادة التسلح الياباني وغزو صيني لتايوان. واستمر داوثات في توقعاته قائلا إن هذه التطورات ستؤثر حتما على الإمبراطورية الداخلية أيضا، حيث سينتشر الشعور بالتدهور الإمبراطوري المتسارع، وتتوسع الانقسامات الأيديولوجية المتفاقمة بالفعل، ويتزايد الشعور بالانهيار والحرب الأهلية التي تلوح في الأفق. وختم بالقول إنه لأمر جيد أن أميركا أنهت وجودها العسكري غير المجدي بأفغانستان "وما زلنا نخشى بعض العواقب المحتملة للضعف وعدم الكفاءة التي تم الكشف عنها في ذلك الانسحاب"...
نيويورك تايمز