المقال التالي

إقليمي إصابة جنديين إسرائيليين خلال اشتباكات مع مقاومين في نابلس
27/09/2021
رأي الباحثون عن العدالة.. 

سامية فضل الله*                       

بعد نكبة المرفأ وحجم الدمار والخسائر البشرية  والمادية، ارتفعت الاصوات التي تتحدث عن العدالة!! وعن تحقيق العدالة!؟ ،أية عدالة هذه التي تتحدثون عنها ؟. اهي عدالة الارض ام عدالة السماء . اذا أردتم العدالة فعلا وعملا يجب أن نفتح كل الملفات التي غابت عنها العدالة او غيبت ، على امتداد طوائف الوطن وأطيافه بدءً بالسياسيين قبل غيرهم من المواطنين ، والا .. فلتصمتوا جميعاً والى الأبد.. 
دعونا نحاول أن نقفز فوق كل ما حدث، ويكفينا ما سيحدث.. ومع كل حدث تذكروننا بمرحلة الحرب القذرة والرهيبة، كم دعونا وابتهلنا أن لا تطال أولادنا وأحفادنا بشرها، كما طالتنا نحن .. النسيان نعمة، ولكن لا لم ولن ننسى، إنما نحاول أن لا نتذكر.. و جئتم أنتم يا ابطال الحرب ، تعيدوا لأذهاننا ما مضى وما كان ، نحن من عاصر الحرب، واكتوى بنارها، وكل ما حدث من بشاعات فيها، انتبهوا نحن عاصرنا، لكن لم نشارك.. نحن الأكثرية التي لم تقف يوماً وراء حاجز، ولم تحمل يوماً سلاح، ولم تشارك يوماً في أحاديث ومناظرات طائفية مقيتة.. بل كنا نستمع لصوت فيروز كل صباح وعبر كل الاذاعات، نحلم بوطن واحد موحد، إن لم يكن لنا، فلأولادنا.. وبالرغم من كل ذلك لم نسلم.. ضاعت منا أجمل سنوات العمر في الملاجئ وبين الانقاض، وفي زنازين الاعتقال.. أهدرت كرامتنا مرات ومرات على حواجز الطائفية..والمناطقية ، وكم احترقت منا الاعصاب، وضاعت العقول، وزاغت الابصار.. 

في الماضي والحاضر ،هل ثمة.. حكم صدر، بحق أو بغير حق، عادل أو جائر، نحن هنا لا نناقش.. بجنس الملائكة وجنس الاحكام ولا بحكم صدر، او بعدالة تحققت ، جئتم اليوم بعد "نكبة المرفأ"لتقولوا لنا لقد تحققت العدالة أخيراً.. تباً لكم، نحن، ونحن فقط، من يحق له أن يطالب بالعدالة، فإذا كنتم لا تستطيعون تحقيقها لنا أولاً ولنا ثانياً ولنا أخيراً، فلتصمتوا جميعاً، ودعونا نربي أولادنا وأحفادنا، ليحافظوا على ماتبقى من وطن، سرقتموه ومزقتموه وغدرتم به، وشرعتم أبوابه أمام كل الغزاة في العالم من شرق وغرب ... وما تزالون....

الم تعلموا حتى الان ان مصائب .. ومعاناة.. وأحلام اللبنانيين  واحدة.. جميعهم يصطفون طوابير لساعات امام محطات البنزين والافران والسوبر ماركت ،ويعانون من أقساط المدارس العالية.. وجميعهم يقفون أمام أبواب المستشفيات، يقلبون جيوبهم شبه الفارغة، ويضربون كفاً بكف، حين يكتشفون أن ما يحملوه لا يغطي ثمن علبة "بنادول".. والجميع بطوائفهم واحزابهم يلعنون السياسة والسياسيين جهاراً نهاراً.. من قال انهم مختلفون؟!!  المصيبة تجمع ولا تفرق ".
 
الم تعلموا ان ناهبي هذا البلد وسياسييه هم  فقط من ينعق بالخراب، والتفرقة يوميا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ،ومحطات التلفزة ، ويملؤونا سماءنا الصافية بالغرابيب السود، ولا يتركون فسحة امل ، ولو صغيرة،.. ساسة هذا البلد هم فقط  من يملأ الفضاء الرحب بالتصاريح الرنانة والمؤثرة والكاذبة في آن، وكل هدفهم الايحاء بالفرقة والاختلاف.. ثم يعودوا ليجلسوا على طاولة واحدة ويقسموا المقسم ويشربون الانخاب على جثة الوطن ، الذي مزقوه حسب اهوائهم ومشاريعهم الداخلية والخارجية .وخرجوا ببيان لا يعبر عما يختزن في صدورهم من غل ،كفاكم ضحكا على اللحى..  لو تضعون كل دجلكم، السياسي وغير السياسي، في حقيبة سفر، وتذهبون بغير رجعة.. لتبق البلد لمن يعرف قيمتها، ويعرف كيف يحافظ عليها..

يخطىء من يظّن من اللبنانيين أن الحرب المسماة "أهلية"  أنتهت إلى غير رجعة، وهي التي بدأت يوم أحد في 13 نيسان من العام 1975وأُسكتت مدافعها في 5 تشرين الثاني من العام 1989، حيث توافق حراس الهيكل من اللبنانيين على وضع حدّ للتقاتل الذي وصف بأنه "عبثي"، وأدّى إلى الآف القتلى والجرحى من كل المذاهب والطوائف والملل ممن شاركوا ولم يشاركوا في الحرب، التي لا تزال مفاعيلها حاضرة على رغم إنقضاء نصف قرن على بدئها.

الحرب صحيح بمعناها المادي والحصري إنتهت، هذا صحيح، ولكن الأسباب التي أدّت إلى إندلاعها لا تزال تفعل فعلها، وحاضرة في النفوس، ويكفي مشاهدة حلقة حوارية بين متخاصمين في السياسة حتى يتبيّن للمشاهد هذا الحجم المخيف من الحقد الدفين، أو مراقبة مواقع التواصل الإجتماعي، وذلك بفعل الترسبات التي لا تزال تؤثّر سلبًا على المقاربات السياسية. لا يزال اللبنانيين أسرى إيديولوجيات متباعدة، ولا يزالون بعد 46 سنة متمترسين وراء شعارات فئوية وطائفية بعيدة كل البعد عن الوحدة الحقيقية، ولا تزال كل فئة قابعة في خنادق التقوقع، رافضة الخروج منها إلى رحاب المواطنة الحقيقية والإنتماء الواحد إلى وطن موحدّة شعاراته وخياراته وتأثيراته وأهواؤه وميوله.

بعد حوالي ثمانين عاما مروا على "الاستقلال" تخللها حروب متعددة ،ولا يزال اللبنانيون غير متفقين على هوية واحدة لوطن واحد، وغير متوافقين على رؤية مشتركة لما يُمكن أن يكون عليه مستقبل هذا الوطن، حيث تحاول كل فئة منهم رسم ملامحه وفق ما تمليه عليها تطلعاتها الفردية والآحادية وإرتباطاتها الخارجية المتناقضة مع توجهات الآخرين الذين لهم أيضًا نظرة مختلفة عما يُمكن أن تكون عليه صورة هذا الوطن.

وبدلًا من أن تكون الغلبة للمواطنة نرى إنحيازًا فطريًا وغرائزيًا من جانب كل فئة لمزيد من التقوقع والإنغلاق والهروب إلى الأمام من المصارحة المباشرة، وذلك من خلال تبادل التهم التي لا تخلو مفرداتها من تعابير تخوينية، ما يؤدي إلى مزيد من الإنعزال ومزيد من تنامي الشعور بالغبن المترافق مع شعارات تنمّي ما في النفوس من نقمة على الدولة ومؤسساتها.
ذهبوا الى جنيف ولوزان وباريس وعقدوا الجلسات المطولة لحل مشاكلهم ، لكن الوطن  لم يحضر على طاولة الحوار، وحضرت الأنخاب والنبيذ المعتق ،ولذى لم يستطيعوا الإتفاق على قواسم مشتركة لتوحيد الرؤى التي من شأنها أن تكون بداية لخروجهم من شرنقة الطائفية ورسم معالم موحدّة لمستقبل عيشهم الواحد، من دون أن يعني ذلك إلغاء خصوصية كل فئة، وهي المفترض أن تكون مصدر غنىً وليس سببًا للفرقة والإنقسام.

ومشروع الدولة الوطنية في لبنان وصل إلى حائط مسدود، لأن  «اتفاق الطائف» الذي يتغنى به المحاربون القدامى ، ابقى أسباب الحرب قائمة، وبدلا من الانتقال من الطائفية إلى الدولة، تمّ تكريس الطائفية بشكل نهائي بديلاً عن الدولة، وتحوّل السياسيون إلى زعماء طوائف، بدلاً من أن يكونوا أصحاب مشاريع وطنية جامعة، كما استساغت أطراف عديدة لعبة الاستثمار في التناقضات الإقليمية، لتثقيل وزنها الداخلي، على حساب وزن الوطن.
*ناشطة اعلامية 

بريد المحور

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة