الأخبار: ملفّ السلاح الفلسطيني: هل تسعى أطراف الوصاية إلى توريط الجيش في حمام دم جديد؟
كتبت صحيفة "الأخبار": لا أحد يعرف سبب المبالغة الواضحة في بيانات المسؤولين الرسميين، في لبنان وفي السلطة الفلسطينية، بشأن ما يُطلق عليه مشروع نزع سلاح المخيمات في لبنان.
وإذا كان معلوماً أن الملف يمثّل مطلباً أميركياً - إسرائيلياً في هذه المرحلة بالذات، فإنه بالنسبة إلى لبنان، يتطلب الكثير من العناية في مقاربته، سيما أن أبناء المخيمات أنفسهم، لديهم ما يقولونه في الموضوع، كما أنه لا يمكن للعاملين على الملف إخفاء الهدف الفعلي من المشاريع المطروحة الآن.
منذ توقّف الحرب الأهلية في لبنان، انتقل الملف الفلسطيني إلى مرحلة جديدة، كان البارز فيها التحوّل الاستراتيجي الذي قاده الراحل ياسر عرفات، والذي قلب الطاولة على رأس الفلسطينيين قبل الآخرين. وكانت النتيجة بعد طول عناء أن منظمة التحرير الفلسطينية وقواها التقليدية لم تعد تشكّل القوة الوحيدة التي تتحكم بالقرار الفلسطيني.
ومع مرور الوقت، احتلت القوى الجديدة مُمثَّلة بحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" موقعاً متقدّماً، سرعان ما تعاظم على شكل قوة مقاومة داخل الأراضي المحتلة وفي قطاع غزة بعد تحريره عام 2005. وسرعان ما باتت قوة الحركتين الجهاديتين تظهر تباعاً في كل ساحة يعيش فيها فلسطينيون، خصوصاً في لبنان وسوريا والأردن.
منذ عقد تقريباً، وبعدما انحصر اهتمام سلطة رام الله بآليات التنسيق مع قوات الاحتلال والانخراط الكامل في النظام الرسمي العربي، كانت الفصائل المحسوبة على السلطة، خصوصاً حركة "فتح"، تشهد انقسامات متوالية، جعلتها في أكثر الأماكن أكثر من فريق، ولو أن سلطة رام الله بقيت تدير التنسيق بين جميع الأجنحة، مستفيدة من أنها صاحبة القرار المالي، كون السلطة بقيت مصدر التمويل لهذه الأجنحة بوجهيْها السياسي والعسكري.
لكنّ سلطة رام الله تدرك أن أجنحة "فتح" ليست كلها على الموجة نفسها مع رام الله، وهو ما بدأ ينعكس تراجعاً لنفوذ السلطة في مخيمات اللاجئين خارج فلسطين. وإذا كانت الفصائل المتوافقة مع السلطات السورية حافظت على حضورها القوي في دمشق، فإن علاقة الأخيرة مع سلطة رام الله لم تكن سيئة طوال الوقت. إلا أنها لم تضع أي قيود على قوى المقاومة من الفلسطينيين.
بينما ظلّ الأردن يعيش موجات هبوط وصعود على مستوى المزاج العام، رغم تفوّق التيار الإسلامي بين فلسطينيي الأردن، وهو ما يتقاطع مع نفوذ حركة "الإخوان المسلمين". لكنّ الأمور بقيت خاضعة لسقف السلطات الأردنية التي لا تزال تمنع المساهمة الفعّالة لسكان الأردن من الفلسطينيين في دعم إخوانهم داخل الأراضي المحتلة.
أما في لبنان، الساحة التي بقيت مفتوحة رغم كل النفوذ الذي مارسته سوريا سابقاً وتمارسه السعودية وأميركا حالياً، فقد حافظت سلطة رام الله على نفوذها وعلاقاتها مع القوى اللبنانية كافة، وظلت على الدوام شريكة للحكومات اللبنانية المتعاقبة في الإدارة العامة لملف اللاجئين الفلسطينيين. لكن، في المقابل، كانت قوى المقاومة، توسّع دائرة حضورها الشعبي داخل المخيمات، وعلى الساحة اللبنانية، ولا سيما حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي، مستفيدتَين من وقائع لبنانية داعمة، سواء لجهة ما وفّره حزب الله من غطاء ورعاية لكوادر المقاومة الفلسطينية، أو باستفادة "حماس" من وجود الفرع اللبناني لحركة الإخوان، المتمثّل بالجماعة الإسلامية.
وفوق ذلك، كان هناك صراع على الإمساك بالمخيمات، لكنه ظل مرتبطاً بتوترات على خلفيات أمنية وجنائية وحتى سياسية، خصوصاً بعدما تعزّز وجود المجموعات الإسلامية المتشدّدة داخل المخيمات التي ضمّت مروحة واسعة من المجموعات السلفية الدعوية أو المقاتلة، وبعضها كان له دور في دعم أنشطة داخل لبنان وخارجه تتعلق بتنظيم "القاعدة" ومتحوراته، من "النصرة" إلى "داعش" وغيرهما.
في هذه الأثناء، كان سكان المخيمات في لبنان، يعانون مشكلة مزدوجة: مشكلة حقوقهم المدنية غير المعترف بها لبنانياً، ومشكلة الوضع الأمني داخل المخيمات.
وفي الأولى، لم يعرف اللاجئون منذ وصولهم إلى لبنان عام 1948 أي وضعية هادئة، وظلوا على الدوام محط قهر وطعن في إنسانيتهم، وقد برزت العنصرية اللبنانية تجاههم على مستويات مختلفة، ولم يعد الأمر يقتصر على قوى اليمين التقليدية، وهو ما انعكس هجرة لقسم كبير من أبناء المخيمات إلى الغرب أساساً، بينما نجح بعض الميسورين منهم في الخروج للعيش خارج المخيمات، وبقي فقط الفقراء الذين يواجهون كل مصاعب الحياة، من بطالة ومرض ونقص فرص التقدّم، وحيث تنمو بين أحضانهم مجموعة من الفتوات، تحوّلت مع الوقت إلى عصابات يأمل أبناء المخيمات التخلصَ منها طوال الوقت، خصوصاً أن هذه المجموعات التي تتصارع على الفتات، تستخدم السلاح لمعالجة خلافاتها، حتى بات بالإمكان القول إن أبناء المخيمات في لبنان هم أول من يريد نزع هذا النوع من السلاح.
لكن، لدى البحث في ما تريد السلطات اللبنانية والفلسطينية القيام به، يجب النظر إلى أن الهاجس لا يتعلق بتحسين أوضاع الفلسطينيين في لبنان، ذلك أن الحل الوحيد الشامل يمكن تحقيقه في حالة إزالة المخيمات من أساسها، والإقرار بحق هؤلاء في الإقامة الكاملة في لبنان، مع الاعتراف بحقوقهم المدنية كاملة، وصولاً إلى منحهم الجنسية.
وهو ملف محل خلافات كبيرة داخل لبنان، ليست كلها متعلقة بالموقف المبدئي الداعم لحق العودة، بقدر ما يتصل الأمر بالتوازن الطائفي، ما يقود عملياً إلى أنه لا يوجد في لبنان من يريد نزع السلاح من أجل تحسين ظروف الفلسطينيين، بل لتحقيق رغبة الوصاية الأميركية - السعودية - الإماراتية، ومن خلفها إسرائيل، لإنهاء أي وجود ديموغرافي يمكن أن يشكّل في أي وقت مصدر تهديد لأمن العدو وكيانه. وهو الهدف الأساسيّ من كل خطة نزع السلاح.
ولأن الأمور بهذا الوضوح، يجدر التحدّث عن ملف نزع السلاح كما هو، لا كما يجري تزيينه من القائمين على الملف.
وإذا كانت سمة هذه المرحلة هي الوضوح، فإن من يريد نزع السلاح، بالطريقة التي تُطرح، إنما يريد تلبية شروط جهات الوصاية الأميركية - الخليجية، والأهم تحقيق رغبة العدو، ليس لأن سلاح المخيمات في لبنان يهدّد أمن الكيان، بل لأن القاعدة الجديدة التي تحكم العقيدة الأمنية لكيان العدو بعد "طوفان الأقصى" تقوم على فكرة نزع أي نوع من القدرات من يد كل من يمكنه أن يشكل تهديداً له ولو بعد سنوات طويلة.
وبهذا المعنى، فإن ما تريده إسرائيل يتوافق عملياً مع ما تريده سلطة رام الله التي يقول رئيسها محمود عباس علناً إنه ضد أي نوع من المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، داخل فلسطين وخارجها.
ولأن الأمر على هذا النحو، لم يكن مستغرباً سعي عباس إلى توريط الدولة اللبنانية والجيش والأجهزة الأمنية في معركة ستقود حتماً إلى حمام دم جديد، على شاكلة ما حصل في مخيم نهر البارد.
سلام متحمّس وعباس يبيع الهواء: حذر أمني رسمي من الطرح الفلسطيني
أظهرت وقائع الاجتماعات التي عقدها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بيروت، أن رئيس الحكومة نواف سلام بدا أكثر حماسة من رئيس الجمهورية جوزيف عون في مقاربة ملف سلاح المخيمات، إذ أبلغ عباس رئيس الجمهورية أنه لا يمانع دخول الجيش اللبناني إلى المخيمات ونزع السلاح بالقوة.
إلا أن عون أكّد أن الجيش ليس في وارد الدخول إلى المخيمات، ولا يريد الصدام مع أحد، وينبغي البحث عن وسيلة أخرى لمعالجة الملف، وهذا الرأي تتبنّاه أيضاً الأجهزة الأمنية الرسمية التي تخشى حمام دم في أي مواجهة، ولا تريد تكرار تجربة نهر البارد.
وهي ترى أنه يمكن الوصول، من خلال الحوار ومواقف حازمة، إلى اتفاق يجعل السلطات اللبنانية مسؤولة عن أمن المخيمات ومنع استخدامها ضد ما يهدّد الأمن في لبنان، بما في ذلك معالجة الملفات الجنائية وملفات المطلوبين للقضاء اللبناني ومكافحة الجريمة وتجارة المخدّرات وترويجها.
وعندما عرض عباس أن تتولى منظمة التحرير الملف، كان واضحاً أنه لا يملك الأدوات الكافية، إذ إنه يواجه أولاً مشكلة عدم موافقة أطراف في حركة "فتح" على ما يقوم به، وقد عبّر المعارضون عن مواقفهم في بيانات كثيرة صدرت بعد مغادرته بيروت، علماً أن أجواء هذه الأطراف كانت سلبية بعدما ناقش عباس الملف مع رئيس الحكومة نواف سلام، مستبعداً كلاً من السفير الفلسطيني في بيروت أشرف دبور والمسؤول الأبرز في حركة فتح - ساحة لبنان فتحي أبو العردات.
ويبدو أن التحفظات التي أبداها عون في لقائه مع عباس اختفت تماماً في لقاء الأخير مع سلام الذي وافق على مقترحات عباس، ودعا فوراً إلى اجتماعات تنسيقية لممثّلين عن الأجهزة الأمنية والوزارات المعنية، وكاد الصدام يقع في أحد الاجتماعات، عندما قال مسؤولون أمنيون إنه لا علم لهم بوجود اتفاق على خطط وجداول زمنية.
لاحقاً، بدا واضحاً أن المشكلة تكمن في أن سلام سار مع عباس على خلفية غير واضحة، علماً أنه يُفترض برئيس الحكومة معرفة الواقع الحقيقي لخريطة النفوذ داخل مخيمات لبنان، وأن عباس لا يملك القدرة ولا النفوذ اللذين يتيحان له تنفيذ ما يعد به.
وهو ما دفع بمسؤول رسمي بارز إلى الحديث عن توضيحات ضرورية ستصل إلى رئيس الحكومة، تركّز على أن هناك آليات للحوار مع الفصائل الفلسطينية التي تعمل ضمن هيئة العمل الفلسطيني المشترك، للتنسيق في كل الأمور، كما أن الحديث عن مباشرة العمل في بعض المخيمات الصغيرة في بيروت سيجعل الملف "أضحوكة"، لأن ما يراد خارجياً لا يتعلق بأسلحة فردية يحملها حراس يقفون على أبواب مقرات لفصائل فلسطينية في مخيم لا يوجد فيه سكان.
من جهة أخرى، كانت الجهات الرسمية اللبنانية في أجواء اتصالات أجرتها الفصائل الفلسطينية في ما بينها، ركّزت على وضع آلية عمل لمعالجة ملف المطلوبين وتجار ومروّجي المخدّرات في مخيّمَيْ شاتيلا وبرج البراجنة، حيث يُفترض تشكيل قوة عسكرية مشتركة تتولّى معالجة الملف بالقوة، وتسليم المتورّطين للسلطات اللبنانية، تلبية لمطالب أبناء المخيمات أولاً، وسكان الجوار ثانياً.
صحيفة الاخبار