هلال السلمان
في الوقت الذي يتواصل فيه العدوان الصهيوني، المدعوم أميركيًا على الجمهورية الاسلامية الايرانية منذ فجر الجمعة الماضي، ظهر أن من بدأ هذه المغامرة لم يتعظ من المقولة المشهورة ومفادها، أنه يستطيع ان يبدأ الحرب لكن ليس هو من يتحكم بنهايتها، وهذا ما تجلى بشكل واضح من الصمود الايراني بوجه الضربة الاولى، والمبادرة الى توجيه صفعات صاروخية الى عمق الكيان الصهيوني ومراكزه الاستراتيجية التي لم يتذوق مثلها منذ إنشائه عام 1948،
مما قلب السحر على الساحر، ودفع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الى الاستنجاد سريعا بالرئيس الاميركي دونالد ترامب لكي تدخل الولايات المتحدة الاميركية مباشرة في الحرب، بعد فشل أهداف العدوان وتلقي كيانه موجات صاروخية ألحقت خسائر ودمارا واسعا في تل ابيب وباقي أنحاء الكيان، وهو ما دفع الاخير الى قطع مشاركته في قمة الدول السبع في كندا والعودة سريعا الى واشنطن لدرس خيار الدخول في الحرب لنجدة الكيان الصهيوني، دون ان يتمكن من إتخاذ قرار بشأن "المغامرة" والدخول في الحرب بسبب الخلافات الحادة بين مستشاريه، حول مخاطر وتداعيات التورط في الحرب ضد ايران على مصالح الولايات المتحدة، وقواعدها العسكرية في المنطقة التي ستكون هدفا سهل المنال من قبل القوة الصاروخية الضاربة للجمهورية الاسلامية الايرانية، التي اعدت نفسها لهذا اليوم منذ سنوات طويلة.
والسؤال المطروح الان لماذا هذا العجز الصهيوني المبكر في المواجهة مع ايران؟، ولماذا حصل هذا الارباك الكبير لدى الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي يكثر من التهويل ضد ايران دون ان يجرؤ حتى الان على التورط في الحرب ؟.
مصادر مطلعة تلخص في حديث لـ"المحور الاخباري"، بعض المعطيات التي جعلت الكيان الصهيوني يخطئ في حساباته بشأن العدوان الذي شنه على ايران بعدما أوهم ترامب انه قادر على أداء المهمة لوحده ومنها:
أولا: بدا واضحا ان الهدف الاول للعدوان الصهيوني على ايران كان إسقاط نظام الجمهورية الاسلامية بالضربة القاضية، في سياق تحضير عسكري واستخباراتي استمر لسنوات طويلة، وهو ما جرى ترجمته في الضربة العسكرية الاولى التي طالت قيادات عسكرية من الصف الاول في قيادتي الحرس الثوري والجيش، تزامنت مع تحركات على الارض لمجموعات كوماندوس تابعة للموساد في قلب طهران لضرب مقرات حساسة للنظام، إضافة الى معلومات باتت تتردد عن محاولة اغتيال للامام السيد علي خامنئي باءت بالفشل، وتزامن ذلك مع ضخ دعاية صهيونية باتجاه الشعب الايراني للانقلاب على نظام الجمهورية الاسلامية، وهو ما صرح به رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بعد الهجوم الاول.
لكن الذي جرى أن هذا السيناريو فشل في تحقيق أهدافه حيث إنه رغم الضربة القاسية، بقي النظام متماسكا وسارع الامام الخامنئي الى تعيين بدلاء عن القادة الذين جرى اغتيالهم خلال ساعات فقط، وجرى استيعاب موجة عمليات الهجوم عبر مجموعات "الموساد" وجرى توجيه الموجة الصاروخية الاولى الى عمق الكيان في اليوم الاول لبدء العدوان الصهيوني، كذلك التف الشعب الايراني بأكمله خلف قيادته وتبخرت أوهام الصهاينة والاميركيين حول الانقلاب على النظام من الداخل .
ثانيا: ملأ الكيان الصهيوني الدنيا ضجيجا منذ اكثر من عقدين حول مخاطر الملف النووي الايراني والمزاعم عن ان هذا البرنامج هو برنامج لاغراض عسكرية وهو ما كذبته ايران، حيث إنضمت لمعاهدة منع الانتشار النووي، وسمحت بتفتيش مفاعلاتها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقبلت بمفاوضات مع اميركا للتوصل الى اتفاق يمنحها حق التخصيب للاغراض السلمية.
وعليه فإن العدوان الصهيوني الذي شُن تحت لافتة ضرب البرنامج النووي الايراني، فإنه لم يحقق هدفه واقتصرت نتائج الضربات العسكرية على منشأتي "فوردو" و"نطنز" على تضرر بعض الابنية المحيطة بالمفاعلين دون التمكن من المس بأجهزة الطرد المركزي التي تقوم بتخصيب اليورانيوم، وهي المحصنة تحت الارض، وهنا يسجل فشل جديد للكيان الصهيوني في ضرب البرنامج النووي الايراني ما جعل مسؤوليه يقرون بالعجز، ويطالبون واشنطن بالدخول بالحرب واستكمال ضرب البرنامج النووي الايراني.
ثالثا: اعتقد الكيان الصهيوني خاطئا أن الاغتيالات التي نفذها ضد قيادات الصف الاول العسكرية سوف تقضي على منظومة القيادة والسيطرة وتمنعها من تنظيم عمليات القصف الصاروخي على عمق الكيان، اضافة الى توجيه ضربات لمنصات صاروخية _معظمها مجسمات وهمية_ في العديد من المحافظات الايرانية.
لكن المفاجأة كانت في الموجات الصاروخية المتواصلة منذ بدء العدوان والتي دكت قلب تل ابيب وحيفا والمراكز الاستراتيجية للكيان بدءا بالمنشآت الاقتصادية في خليج حيفا، مرورا بالدمار الواسع الذي حصل في قلب تل ابيب، وصولا الى تدمير المقرات العسكرية والاستخبارية، مثل مقري جهازي "امان" و"الموساد" في هرتسليا، ومقر معهد "وايزمن" المختص بالقضايا الاستراتيجية، وخصوصا أنشطة الذكاء الاصطناعي للاغراض العسكرية.
يضاف الى ذلك كله ان هذه الموجات الصاروخية أصابت أهدافها وأسقطت فاعلية المنظومات الدفاعية الاسرائيلية من "القبة الحديدية" الى "مقلاع داوود" الى "منظومة حيتس3" الى منظومة "ثاد" الاميركية، وجعلت هذه الموجات الصاروخية المجتمع الصهيوني بأكمله رهينة الفوضى والتكدس الدائم في الملاجئ التي هي ايضا لم تحم هؤلاء، حيث سقط عشرات القتلى ومئات الجرحى الصهاينة، ما كشف هشاشة هذا الكيان امام الصمود والمبادرة الايرانية .
هذا المأزق الذي حل بالكيان الصهيوني، دفع قادته الى سرعة الاستنجاد بالرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي قطع مشاركته في قمة الدول السبع في كندا امس الاول وعاد على عجل الى البيت الابيض في واشنطن ليدرس خياراته لنجدة الكيان الصهيوني والتورط في الحرب، لكن الاجتماع الذي جمعه بمستشاريه امس لم يخرج بقرار حول التورط بالحرب، لأن هناك من حذره من ان هذه الخطوة لها مردودها الكارثي على مصالح اميركا في المنطقة.
لكن الانجرار الاميركي الى الحرب ضد ايران يبقى احتمالا قائما، إنما بالمقابل، فإن كلفته ستكون كبيرة على الاميركيين وحلفائهم وأدواتهم في المنطقة، وهو ما يدركه "اصحاب العقول الباردة" في دائرة القرار داخل البيت الابيض.
خاص المحور الاخباري