انتقل تيار "المستقبل" من الدفاع إلى الهجوم. لا يملك في جعبته من وسائل سوى «غيرة الدين». هذه المرة كان دور قطاع الاتصالات. وقد وجد أن أفضل طريقة لمواجهة ما تكشفه لجنة الاتصالات من وقائع ومعلومات هو في التركيز على أن الوزارة مستهدفة في طوائف وزرائها!
استراتيجية تيار «المُستقبل» في منع مُحاسبة الفاسدين والعابثين بالمال العام لا تتغيّر. في كل مرّة تُفتح فيها «الدفاتر المالية» ويكون أحد رموزه من بين «المُشتبه» فيهم، يذهب الى أمر من اثنين: إما القول بأن العملية هي تصفية حساب مع السياسة الاقتصادية للرئيس الراحل رفيق الحريري، أو حرف الأنظار كلياً عن المسار الحقيقي وتحويلها الى قضية مذهبية، المُستهدف فيها «الطائفة السنية ورجالاتها». أوراق الابتزاز هذه يشهرها هذا التيار، مستفيداً من ظرفين: الأول إدراكه أن جميع القوى السياسية تتمسك بسعد الحريري رئيساً للحكومة، والثاني والأهم حذر الطرف المقابِل من الانزلاق في الاتجاه الطائفي، ما يجعل الأمور تسير عكسَ ما يشتهيها من رفعوا لواء محاربة الفساد، وتجعلهم كمن يسير في حقل ألغام.
لم تمُر فترة طويلة على تجربة حسابات الدولة التي أنهت وزارة المال التدقيق فيها وإعادة تكوينها، فاستقرت مخالفاتها في أدراج القضاء. وها هي تعاد اليوم مع ملف الاتصالات الذي يريد «المُستقبل» ضبضبته، في ظل الاشتباه في «تورّط» اثنين من وزرائه بالفظائع المرتكبة فيه. ففيما رفض كل من الوزيرين محمد شقير وجمال الجراح علناً تلبية دعوة المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم للاستماع إليهما بشأن بعض المعلومات التي أثارتها لجنة «الإعلام والاتصالات»، كان الحريري يفعّل اتصالاته سرّاً في اتجاه حزب الله للتساؤل عمّا إذا كان استدعاء الوزيرين شقير والجراح حصراً، وتحييد وزراء آخرين من غير تيارات (المقصود هنا الوزير السابق نقولا الصحناوي)، هو استهداف سياسي لـ«المستقبل»، علماً بأن النائب حسين الحاج حسن (رئيس لجنة الإعلام والاتصالات) سبقَ أن أكد في أكثر من تصريح أن ما تقوم به اللجنة «ليسَ استهدافاً سياسياً لأحد، بل إن ما يحصل له خلفية إصلاحية». هذه اللغة استخدمها شقير نفسه مع الحاج حسن، إذ اتصل بعضو كتلة «الوفاء للمقاومة»، وذهب في محاولاته بعيداً لفرملة عمل اللجنة، من خلال الادعاء أن استدعاءه وسلفه الجراح من قبل المدعي العام المالي علي إبراهيم يُظهر كأن الاشتباك في ملف الاتصالات هو سنّي - شيعي، خصوصاً أن إبراهيم شيعي، والملف سينتقل أيضاً إلى ديوان المحاسبة الذي يرأسه قاضٍ شيعي، وتبحث فيه لجنة الإعلام والاتصالات النيابية التي يرأسها نائب في حزب الله. كذلك علمت «الأخبار» أن شقير الذي كان تياره يشتكي من «هيمنة نائب البقاع جميل السيد على اللجنة ويبدو كأنه يديرها طوال الوقت»، طلب من الحاج حسن تأجيل الجلسة التي كانَ مقرراً عقدها يومَ أمس بسبب سفره مع الحريري الى الإمارات لحضور مؤتمر استثماري، واعداً بأنه سيحضر الجلسة اللاحقة. يأتي ذلك في ظل عودة رئيس لجنة الاتصالات عن قرار المشاركة في مناظرة مفتوحة على الهواء مباشرة مع شقير في برنامج «صار الوقت» على قناة «أم تي في». فما الذي يجري؟ وهل هناك توجه لركن هذا الملف على الرف؟
تساؤلات كثيرة طرحها أعضاء في اللجنة حول ما إذا كان وزير الاتصالات يسعى الى كسب الوقت، خصوصاً أنه في اليومين الماضيين لم يتوقف عن «تطمين» محيطه بأن «القصة بالسياسة وتحل بالسياسة». ويعتبر هؤلاء أن «قرار الحزب عدم المشاركة في هذه المناظرة هو نتيجة تخوف مشروع وتجنّب لمواجهة مذهبية يريدها المستقبل، لكون شقير لا يؤتمن جانبه، وربما يذهب فعلاً الى تغليب اللغة الطائفية والمذهبية خلال الحلقة على حساب الجانب التقني والمالي لتضييع الحقيقة». لكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أن «تمرّد وزير الاتصالات ومن يقف في ظهره لا يُمكن النظر اليه أو التعاطي معه على أنه سلوك مؤقت، بل تمرد متكرر ستستمر اللجنة في مواجهته من خلال استكمال دورها الرقابي كما ينص النظام الداخلي لمجلس النواب، من أجل محاسبة المسؤولين عن هدر المال العام والتأكيد أن محاربة الفساد ليسَت مجرد شعار».
صحيفة الاخبار