المقال السابق

من الصحف ‎«‎القوات» بعد استقالتها: محاولة فرض وصاية على «الشارع المسيحي‎»‎
22/10/2019

المقال التالي

من الصحف  لقاء جمع السيد نصرالله بوزير المال 
22/10/2019
من الصحف  هذه بعض تصورات حزب الله لمآلات مرحلة ما ‏بعد الحراك 

النهار- ابراهيم بيرم

‎ خلال الساعات الـ24 الاولى لانطلاق الحراك الاحتجاجي في الشارع، ظهر الامين العام لـ"حزب الله" ‏مطلقاً مواقف نوعية وجليّة سارع البعض الى اعتبارها خريطة طريق للخروج من الازمة التي وجدت ‏البلاد نفسها تراوح فيها منذ ليل الخميس الماضي، بينما أدرجها البعض الآخر في خانة الاجراء الوقائي ‏بغية درء مخاطر ما هو آتٍ ولا ريب بفعل الاتساع المرتقب لرقعة هذا الحراك وتجذّره في الشارع ‏واستعصائه على كل اجراءات الترهيب والترغيب التي يمكن ان يتعرض لها. لكن في كلا الحالين، بدا ‏واضحاً ان سيد الحزب الذي تتجه اليه الانظار في الملمّات والمراحل المفصلية، إنما يعكس في خطابه ‏المدروس بدقة استشعاراً مبكراً لاندلاع الازمة واتساع نطاقها‎.‎
الخطاب أعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله، عندما اعطى المشروعية لمطالب الناس وحراكها، وعندما، ‏في المقابل، دعا المشاركين في الحراك الى اعتبار ان رسالتهم وصلت الى أذهان مَن يتعيّن ان تصل ‏اليهم، اي الطبقة السياسية التي بات عليها الشروع فوراً في بحث جاد عن حلول، والى التأكيد ان اسقاط ‏الحكومة الحالية أمر لا مصلحة فيه الآن، لان بديلها متعذِّر، وان اسقاط العهد امر مرفوض قطعياً، وان ‏على المراهنين على ذلك ان يعيدوا النظر في حساباتهم‎.‎
والأبعد من ذلك، ان نصرالله ترك باب الاحتمالات مفتوحاً عندما اعلن صراحة ان الحزب لم يوعز الى ‏قاعدته بالمشاركة في الحراك، ولكن اذا اضطره تطور الاوضاع ونزل الى الشارع، فساعتئذ لن يخرج إلا ‏اذا ضمن حدوث تحوّل في عمق المشهد‎.‎
وعليه، فان العارفين ببواطن الامور في عقل الحزب انطلقوا على الفور في قراءة دقيقة لما انطوى عليه ‏هذا الخطاب، فكانوا امام الاستنتاجات الآتية‎:‎
‎- ‎ان الحزب ليس في وارد ترك الامور على عواهنها، وانه سيكون له امام كل مقام مقال‎.‎
‎- ‎ان الحزب استشعر منذ فترة هذه اللحظة، لاسيما وقد حذَّر بلسان سيده واكثر من رمز من رموزه من ‏التداعيات السلبية للعجز عن الاصلاح والقصور عن جبه الفساد والهدر‎.‎
‎- ‎ان الحزب قد حسم خياراته وأفصح عنها، فهو في موقف الدفاع الشرس عن الدولة مع عِلمه انه سيتحمل ‏تبعات مثل هذا الموقف الشاق‎.‎
‎- ‎تدرك الدوائر المعنية داخل الحزب يقيناً ان ثمة مَن هو متحفز من خصوم الحزب واعدائه للدخول على ‏خط الحراك الجاري بغية توظيفه لمآرب وغايات سياسية، وبغية تصفية حسابات قديمة معه، إلا انه قرر ‏ضمناً ألّا يبدو اطلاقاً في موقف الهجوم على الحراك او معاداته او حتى توجيه اصابع الاتهام اليه، بل ان ‏إعلامه يبدي تعاطفاً مع مطالب هذا الشارع المتحرك، واستطراداً مع وجعه وصرخته‎.‎
‎- ‎لا يكتم الحزب انه صار في طور التنسيق التام في كل خطواته مع الرئيس سعد الحريري، وابداء ‏الاستعداد لتوفير كل سبل ديمومته في دست الحكم في موازاة التمسك بالعلاقة المميزة مع العهد وسيده، ‏فهم بالتكافل والتضامن مع حركة "امل" صاروا رباعياً وقعت عليه اعباء التصدي للوضع والعمل على ‏تلافي الانهيار‎.‎
‎- ‎استعداد الحزب للانفتاح على كل الاجراءات الاصلاحية التي يتعين على الرئيس الحريري طرحها بغية ‏الخروج من عنق زجاجة الازمة واعادة الامور الى طبيعتها‎.‎
وعليه، فان الحزب ينتظر مبدئياً ان تخرج رزمة الاصلاحات التي قدمها الرئيس الحريري ويفترض أنها ‏نالت تأييداً من غالبية قوى الحكم، الى النور لتكون بمثابة انتصار تحقق تحت وطأة ضغط الشارع ‏وحراكه، وإن كان التقويم الاوّلي ان ذلك الانجاز سيجد مَن يعترض عليه في الشارع المحتج ولا يتجاوب ‏معه، مما سيفضي لاحقاً الى انقسامه والى بداية إضعافه، خصوصاً ان ثمة مَن بدأ يبدي تململاً من ‏استمرار هذا الحراك ومن آثاره السلبية على دورة حياة الناس. وهذا لا يمكن ان يعدّ نوعاً من قهر لارادة ‏الشريحة المعترضة في الشارع بقدر ما هو مكسب تحقق وفتح الباب امام اصلاحات سيتعين على القوى ‏المشاركة في الحكم تقديمها طوعاً أو قسراً، ومن ثم التعامل بشكل جدي مع شعار الاصلاح ووقف الفساد ‏والهدر، وهو ايضا سيكون نوعاً من كبح جماح غلاة الحراك الذين رفعوا شعارات قصوى لا يمكن تحقيقها ‏إلا ضمن سياق تطور تدريجي‎.‎
وبقطع النظر عن مآلات الحراك ونهاياته المحتملة، فان ما بعد الحراك غير ما قبله، فهو في حد ذاته طي ‏لصفحة مضت وفتح لصفحة اخرى في المشهد السياسي العام حيث ثمة إضعاف تلقائي لقوى خالت نفسها ‏ضامنة لوضعها ومؤبّدة لهيمنتها، وهي بذا فُرِض عليها التراجع ومن ثم اعادة النظر في كل مسيرتها ‏ومسارها ومضامين خطابها ورهاناتها‎.‎
وفي كل الاحوال، يلمس المتصلون بدوائر القرار في الحزب اطمئناناً ضمنياً الى ان الامور وإن بلغت ‏خلال الايام الخمسة الأخيرة هذا الحجم من التطور الذي بدت فيه الكلمة الفصل للشارع الملتهب، إلا ان ‏الامور في نهاية المطاف ستبقى تحت السيطرة ، خصوصاً ان الكل مضطر الى الانخراط عاجلاً أم آجلاً ‏في لعبة الاستيعاب والمعالجة، لان أحداً لا يمكنه اعلان الاستقالة من المسؤولية وادارة الظهر، وإن حاول ‏البعض المناورة والاستفادة من حراجة الوضع لتعزيز اوراقه وتصفية بعض حساباته مع مَن يدرجهم في ‏خانة الخصوم. ومهما يكن من أمر، فان لدى الدوائر المعنية في الحزب استنتاجاً لا تسقطه اطلاقاً، وهو ان ‏الحزب سبق له ان واجه مثل هذا الوضع واصعب بكثير، لكنه نجح بعد وقت قصير في استيعاب مفاعيل ‏الهجمة الشرسة عليه وفي تبديل مسار الامور لاحقاً لمصلحته‎.‎

صحيفة النهار

الكلمات المفتاحية

مقالات المرتبطة