اعلن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في كلمته بجلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس حسان دياب،منح الثقة للحكومة حرصا على عدم تفويت فرصة عمل جدي لخدمة وطننا وشعبنا. وجاء في كلمته :
"عندما تصبح الأوطان مجرد عقارات.. تغدو البشرية أرقاما لا تاريخ لها ولا حضارات. وعندما لا تعود الأرض موطنا للذاكرة ولا مرتعا للمواقف والبطولات ولا موردا للرزق الكريم يرويه إلى عطاء الله عرق أهل السواعد.. تسقط الخصوصية والقيمة المضافة التي تمنح المكان أبعادا قيمية وتراثية.
وعندما ينسلخ عن الوطن، التاريخ والقيم والمعايير والتضحيات والكرامات.. لن يستنكف التجار أن يعرضوه في أسواق المزاد كعقار يمثل رقما جديدا في سوق المال أو البناء.
فلسطين ليست كذلك، ولن تكون كذلك. وما كشفته صفقة القرن، هو مستوى الصلف العدواني الذي يحاول اليوم أن يحكم بمعاييره بعيدا عن معايير الحق والعدل الدوليين..
وهذا ما ينبغي أن نستشعر مخاطره على الدوام في لبنان قبل أن يأتينا ذات يوم بعض فجار ذاك العدوان يريدون مقايضتنا على بضعة أمتار من حدودنا أو مياهنا لمصلحة عدونا وعلى حساب مصلحتنا الوطنية.
العدوان يتواصل عبر صفقة أو بدونها، ولا يرد العدوان وفق منطق الحق والعدل والأمن الدوليين ومنطق شرائع السماء إلا المقاومة بكافة أشكالها.. فلنذهب إلى حيث ينفع العمل ولنعتبر من دروس الماضي وحكايا الأحرار في التاريخ.
الحكومة التي تمثل اليوم أمام المجلس النيابي الكريم، بهدف نيل الثقة. لم تكن خيارا من بين خيارات متعددة، بل تكاد تكون الخيار المتاح لكل من كان ولا يزال يريد تشكيل حكومة في البلاد. لقد عاينا كجهة سياسية متابعة لشأن التأليف الحكومي إصرارا ما لدى البعض كما عاينا تعقيدات أطاحت بخيارات سبقت.. ومن أسف شديد أن ذلك كله كان يحصل وسط مشاهد كر وفر في الشارع وتوترات كادت تنتقل بين المناطق والطرقات الدولية التي لطالما شهدت قطعا متعمدا رغم محاولات متتالية لمنع تكرار ذلك..
بكل صراحة ووضوح، هذه الحكومة لا تشبه فريقنا السياسي، إلا أنه لتسهيل مهمة التأليف ارتضينا بها ونحن واثقون أن هناك مساحة من الرؤى القابلة للتفاهم، بين مكوناتها، يمكن أن تتوسع لاحقا وفقا لجهودنا وتعاوننا جميعا.
صحيح أن هذه الحكومة تضم اختصاصات في أكثر من مجال، إلا أن الصحيح أيضا أن نجاح كل صاحب اختصاص يتوقف على قدرته أن يكون إيجابيا متعاونا ضمن فريق حكومي يكمله ويتكامل به.
الطموح إلى موقع رئاسة الحكومة في البلاد هو طموح مشروع، لكن الاستعداد لتحمل كلفته في زمن الأزمة الخانقة المالية والنقدية والاقتصادية هو الأمر الجدير بالتوقف.. خصوصا وأن الدولة قد أصابها زلزال والناس فيها باتوا يموجون بحثا عن ملاذات آمنة.
إن التصدي للمسؤولية والجرأة على الإسهام بتحمل ما يمكن أن يؤدي إلى إنقاذ ما للبلاد ضمن القدر الممكن أو المستطاع هو عمل شجاع ومميز ينبغي أن نقر به ونسجله، ونشجع عليه، ونتعاون مع أصحابه.
في الوقت نفسه، إن هذه الحكومة لم يكن لها علاقة في صناعة السياسات الاقتصادية التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، وقد تشكلت في لحظة سياسية تتطلب إنقاذا كما تتطلب عملا منهجيا دقيقا يبدأ من توصيف مالي ونقدي واقتصادي علمي لما حصل وصولا الى تقرير ما يتوجب فعله مباشرة ثم تباعا وقد تحتاج الحكومة في بعض قراراتها ازاء استحقاقات داهمة الى اوسع تشاور او تشارك أو تفهم وطني لما سيكون لتلك القرارات من تأثيرات على سياق معالجة الازمة المالية والنقدية الراهنة.
بالنسبة للبيان الوزاري على أهمية ما ورد فيه إلا أنه:
أيا تكن تلك المبررات لتطويل البيان الوزاري ، فإنها بكل صراحة لم تقنعنا، ولم نجد ضرورة لتفاصيل عرضها البيان كما كل البيانات الحكومية المتعاقبة. أما العمل على إقناع اللبنانيين بالشفافية والنزاهة والاستقامة فذلك لا يتحقق عبر البيان الوزاري.. الإقناع يبدأ بالممارسة التي تتوالى تباعا من كل وزارة أو من الحكومة مجتمعة فتتعزز بالتدريج ثقة المواطنين بما تنجزه الدولة وصولا إلى الثقة بما تعد به أصحابه.
إن كسب ثقة الناس رهن تنفيذ خطوات جدية في مسار مكافحة الفساد.. وقد عبر البيان الوزاري عن خطوات يهم الحكومة أن تشرع بها ونأمل أن تتكلل بالنجاح.
وتبقى أسئلة قلقة وحائرة تتداولها ألسن الناس كل في شأنه أو مهنته أو اختصاصه.. والمدخل الطبيعي للإجابة عنها هو انطلاق العمل الحكومي وعدم ترك البلاد دونما إدارة وتحمل مسؤوليات، ان المنهج المفترض لحل الازمات هو الحرص على تضييق الفواصل ودمج الخطوط لجنب غلواء الازمة لأن الرابح في كل الازمات هو من ينجح باحتوائها أو يستطيع يجاورها بما يمكنه من تجديد يراعي في الحياة.
إن السير بين أبنية متصدعة هو أهون بكثير من السير وسط قلوبٍ متصدعة قلقة عل ودائعها وجنى عمرها كما هي قلقة على مستقبل أبنائها وبلدها.
إن بلدا مثل لبنان، يقع على خط التماس مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وفي ظل تهديد دائم ومتواصل، استطاع عبر ما يختزنه شعبه من إرادة تحرر وإباء وطني.. أن يفرض معادلات توازن ردع مع هذا العدو توفر الأمن والاستقرار وتحفظ حقنا في استعادة ما تبقى لنا من أرض تحت الاحتلال سواء في مزارع شبعا أو تلال كفرشوبا أو الجزء الشمالي من بلدة الغجر.
إننا في الداخل نمتلك من الطاقات والإمكانات والموارد التي لو أحسسنا استخدامها أو استخدام أي منها بالشكل المناسب وبالتوقيت المناسب لأمكننا إنجاز معادلة اقتصادية منتجة في الداخل وقابلة للتبادل مع الخارج.. ضمن إطار سيادتنا الوطنية وأمننا القومي.
تبعا لصدق النيات وحسن الأداء، وحرصا على عدم تفويت فرصة عمل جدي سنحت من أجل خدمة وطننا وشعبه.. نمنح الحكومة الثقة".
رصد المحور