د. باسم عثمان
ان من اهم نتائج الانتخابات الإسرائيلية الاخيرة، أن الناخب الإسرائيلي أعلن انحيازه الواضح والمعلن لصالح اليمين واليمين المتطرف واجندته السياسية المعلنة، أعلن انحيازه لصالح مشروع دولة "إسرائيل" الكبرى: القائمة على الاستيطان والتهويد وضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، شطب القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية واختزالها بحكم إداري ذاتي، في معازل سكانية للفلسطينيين محاصرين بكل أشكال الاستيطان في قلب دولة الاحتلال وتحت هيمنتها الكاملة، السياسية والاقتصادية والأمنية.
إن فوز كتلة اليمين واليمين المتطرف، يعني في الواقع فوز مشروع ترامب – نتنياهو، وإعلان حرب إسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وتفويضاً لليمين الاسرائيلي لضم الأراضي الفلسطينية وتهويدها، وإعلان صريح بتقويض عملية "السلام" والرهان عليها وعلى خيار المفاوضات.
في السياق نفسه ,حققت القائمة العربية المشتركة تقدّمًا كبيرًا في هذه الانتخابات فاق التوقعات، عبر حصولها على 15 مقعدًا من أصل مجموع أعضاء الكنيست البالغ 120، وتموضعها كقوة ثالثة بين القوى والتكتلات الأخرى, ويعزى هذا الى الوحدة بين احزابها وتياراتها السياسية, والتي تعززت على خلفية الرؤى السياسية والصفقات المشبوهة لترامب ونتنياهو, وما تضمنته من انكار تام للحقوق الفلسطينية, وسياسات وقوانين تكرس التمييز العنصري والعرقي والقومي, والاقتلاع والسلخ والتهويد, ما شكل السبب الرئيسي لتحقيق هذا الإنجاز الغير مسبوق.
وعلى أهمية هذا الإنجاز الذي حققته " القائمة المشتركة"، إلا أنه يجب ان يستند الى برنامج سياسي توافقي بين مكوناتها السياسية، يتجاوز اللعبة البرلمانية الإسرائيلية، الى الإحاطة بأولويات الهم والمصالح والدور للفلسطينيين في مناطق 48، لان انجاز التمثيل في انتخابات الكنيست ليس غاية بحد ذاته؟! وانما الوسيلة للدفاع وتحقيق الغايات الوطنية والحقوق المدنية، ومواجهة السياسات العنصرية للأحزاب اليمينية الإسرائيلية ضد الوجود الفلسطيني وحقوقه.
ان المشاركة الفلسطينية باللعبة البرلمانية الإسرائيلية، هي وسيلة لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من مطالب للفلسطينيين، من حقوق مدنية ومساواة والاحتفاظ بالهوية الوطنية الفلسطينية، ولا يمكن وصفها واعتبارها وسيلة للتغيير الجوهري داخل المجتمع الاسرائيلي، ما يقود الى "اسرلة" المجتمع الفلسطينيوجعله جزءًا من معادلة سياسية إسرائيلية عامة ستؤدي به الى الذوبان والتفكك والانصهار.
من جانب اخر، وهو الأهم، فإن التصدي للهجمة اليمينية الإسرائيلية التي عبرت عنها نتائج الانتخابات الإسرائيلية وبلغة واضحة للقاصي والداني، والتي لم تدع مجالا او هامشا لسياسات انتظاريه ورهانات فلسطينية على مسارات عقيمة، تستدعي من عموم الحالة الوطنية الفلسطينية وخاصة التي تملك زمام القرار السياسي، العمل على بلورة واستنهاض كل عناصر القوة الفلسطينية، لخوض المعركة الفاصلة مع الاحتلال وسياساته ومشاريعه التصفوية وإفشالها، الأمر الذي يستدعي الشروع فوراً في تطبيق الخطوات الوطنية التالية:
- الانتقال الى انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الداخلية القائمة على أسس راسخة، ديمقراطية، مؤسساتية، وفق قيم ومفاهيم ومبادئ الائتلاف والشراكة الوطنية في هذه المرحلة، مرحلة التحرر الوطني، بديلاً للاستئثار، والتفرد والتهميش والإقصاء، هو الممر الإجباري لضمان الفوز في معركة إسقاط "رؤية ترامب – نتنياهو"، وبما يمكن من توحيد الشعب الفلسطيني، في المؤسسة الوطنية، وفي البرنامج، وفي الحقوق، لذلك, فإن البديل الوطني التوافقي لمواجهة الاستحقاقات والنتائج الأخيرة, يجب ان يستند إلى الخطوات التي تخرجنا من أوسلو واتفاقياته، وتحررنا من قيوده والتزاماته، لصالح العمل بمهام المتطلبات الوطنية لهذه المرحلة وتحدياتها.
- طلب العضوية العاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، بالبناء على القرار 19/67 (نوفمبر2012) للجمعية العامة، الذي منحها العضوية المراقبة واعترف بها دولة تحت الاحتلال.
-الدعوة لمؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، وبموجب قرارات الشرعية الدولية، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وبسقف زمني محدد وبقرارات ونتائج ملزمة.
التحضير لمؤتمر وطني شعبي فلسطيني عام، يجمع ممثلين عن الشعب الفلسطيني في كل مناطق تواجده، داخل الوطن المحتل والشتات والمهجر، لتوحيد الطاقات الفلسطينية وبلورة الرؤية الوطنية المطلوبة، للتصدي لـ"صفقة ترامب - نتنياهو"، والتصدي للنتائج العبثية لسياسات وإجراءات المنظومة السياسية الرسمية الفلسطينية، بما يضمن وحدة الشعب الفلسطيني و وحدة حقوقه الوطنية والبرنامجية، وفق الخصوصية السياسية والقانونية والجغرافية، تحت راية م.ت.ف، الممثل الشرعي والوحيد لكل الشعب الفلسطيني.
استنهاض المقاومة الشعبية بكل اشكالها ضد الاحتلال والاستيطان، والانتقال من مربع الانتفاضات الجزئية الجغرافية الى الانتفاضة الشاملة، في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبما يقود إلى عصيان وطني شامل، حتى رحيل الاحتلال والاستيطان.
تعديل وظائف وطبيعة ومهام السلطة الفلسطينية وحكومتها، من سلطة مقيدة باتفاقيات أوسلو واستحقاقاته، إلى سلطة تلتزم بتطبيق البرنامج الوطني التوافقي، في الميدان، في جانبه الاقتصادي والأمني والخدماتي، بما يوفر لشعبنا عناصر القوة والصمود والثبات في حرب الاستقلال التي يخوضها فوق ارضه.
أن فوز اليمين واليمين المتطرف الاسرائيلي، يحمل في طياته العديد من المعاني الواجب على عموم الحالة الوطنية الفلسطينية استخلاصها، وقراءة نتائجها، بما يمليه علينا واجب المواجهة الشاملة للاحتلال والاستيطان ومشاريع الضم وفي إطار من الوحدة والمقاومة والالتزام بالبرنامج الوطني التوافقي.
في مجال العمل الوطني الفلسطيني، تقوم المواجهة الشاملة لـ نتائج الانتخابات الإسرائيلية. وتطرف الشارع الإسرائيلي وناخبيه لصالح رؤية ترامب نتنياهو, وسياسات الاستيطان والضم ,على ثلاثة مرتكزات متكاملة فيما بينها: استعادة الوحدة الداخلية، والخروج من أوسلو، وتعبئة الطاقات الفلسطينية واستنهاضها من مربع الانتفاضات الجزئية الى الانتفاضة العامة والعصيان الوطني الشامل، هذه الركائز تشكل مجتمعة، قاعدة صلبة لمقاومة فعّالة، تُحدث التغيير اللازم في المعادلة الداخلية والإقليمية والدولية.
*كاتب وباحث سياسي
بريد المحور