المقال السابق

إقليمي الإمام الخامنئي : سياسة ترامب خدمتنا 
01/05/2019

المقال التالي

ثقافة و تربية مساجدكم متاريسكم 
01/05/2019
من الصحف كيف يرى حزب الله فصول المواجهة بينه وبين جنبلاط؟

- النهار | ابراهيم بيرم  
لا يذهب "حزب الله" بعيداً في ظنونه وهواجسه في شأن المواجهة الجديدة بينه وبين رئيس الحزب التقدمي ‏الاشتراكي وليد جنبلاط، ولا يأخذها، كما درج البعض، على محمل ان جنبلاط بات يستشعر ويستشرف ان ثمة ‏تحوّلات عاصفة في الاقليم تسير رياحها في اتجاهات مغايرة لمصالح الحزب، فبادر الى أخذ المبادرة بصدره وقرر ‏ان يعود الى أداء دور"رأس الحربة" الذي اضطلع به بين عامي 2005 و2008، فالظروف مختلفة والادوار ‏مقلوبة‎.‎
وعليه، يكوِّن بعض رموز "حزب الله" من خلال عملية رصد متكاملة لـلحركة الجنبلاطية الاخيرة استنتاجاً فحواه: ‏‏"ان الهواجس والمصالح الجنبلاطية المحلية هي التي حدَت به الى هذا "السلوك العدواني". لذا فالامر بالنسبة الى ‏الحزب تحت السيطرة لاحقاً، وأفق المعالجة والاحتواء ليست مقفلة، وبالتالي لسنا في وارد الانزلاق الى دائرة ‏المواجهة الاعلامية المفتوحة‎".‎
وفي المقابل، لا يجد الحزب نفسه مخطئاً أو مقصراً عندما لم يكلّف نفسه عناء الرد على نفي صفة اللبنانية عن ‏مزارع شبعا، فمثل هذا الكلام لن يغير من الوقائع الجغرافية - التاريخية لهذا الحيّز من الجغرافيا اللبنانية والعائدة ‏ملكيتها بحجج وصكوك الى لبنانيين، اذ كان لا بد من ان يُترك جنبلاط وجهاً لوجه أمام رأي عام واسع يتجاوز حدود ‏الطائفة الشيعية، ويرفض رفضاً قطعياً مثل هذا الكلام الاستفزازي ويعتبر انه يبرر الاحتلال الاسرائيلي لهذه ‏الارض التي تُعدّ قصر مياه استراتيجياً، عدا عن أهميتها السياحية والزراعية‎.‎
ثم إن الحزب بات يعتبر نفسه خبيراً متضلعاً من قواعد اللعبة التي ينطلق منها الزعيم الجنبلاطي في حركاته ‏وسكناته السياسية، لذا لم يبادر بداية الى الدخول معه في مساجلة إعلامية، وهو أمر يعي انه يبعث الاستياء في نفس ‏جنبلاط ويزيد منسوب حنقه، ما يدفعه الى الخروج عن طوره و"التغميس خارج الصحن" فيدخل في حيّز المحظور ‏والخطأ ويزيد مخاوف الناس من احتقانات داخلية وتداعياتها المحتملة‎.‎
إذاً، "لعبة" الحزب مع زعيم التقدمي باتت تعتمد على نظرية "الاعصاب الفولاذية" في مواجهة حملاته، فلا يبادر ‏الى التراجع ومن ثم التجاوب مع مطالبه الظاهرة والمبطّنة، ولا قرار بمساجلته في انتظار ان يفرغ كل ما في جعبته ‏وبعدها فان لكل حادث حديث ولكل مقام مقال‎.‎ الى ذلك، فان الحزب يعرف تماما حراجة "الوضع الجنبلاطي" في المعادلة الداخلية الحالية، ويدرك ايضا ان الزعيم ‏الاشتراكي اوشك ان يحرق مراكبه مع حليفه التاريخي، أي رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان دوماً ملجأه ‏وملاذه في اللحظات الصعبة، يدوِّر له الزوايا ويهدّىء مخاوفه، وقبلها دخلت علاقته مع "بيت الوسط" عتبة الفتور، ‏بل ربما دخلت عهد القطيعة المضمَرة. اما علاقته مع "التيار الوطني الحر" فهي موسمية أو "على القطعة". واما ‏الثقة المهتزة بينه وبين معراب، فانها لم تتبدل وتتحول يوماً بفعل تناقضات الماضي والحاضر. وعموماً فان لدى ‏الحزب استنتاجاً مفاده ان السنة التي انقضت على الانتخابات النيابية لم تكن "سنة السعد" لجنبلاط، فهو بدا وكأنه ‏خارج كل المعادلات والحسابات، ولم يعد ذاك "الصبي المدلل" وبيضة القبان الذي يهرع الجميع لاسترضائه اذا ‏استشعروا انه منزعج او لديه ما يطالب به. ورفع من منسوب انزعاجه ان بعض شركائه لم يعودوا يعارضون ‏ويمانعون بالحدّة نفسها عودة الانفتاح على دمشق، فشعر انه يمكن ان يظل وحيداً‎.‎
ولهذا كله اندفع جنبلاط الى المربّع الاول الذي يقلق ويبعث الازعاج، وهو ربما وجد ان الافضل والانسب له ان ‏يفتح باب المواجهة مع الحزب استهلالاً انطلاقاً من حسابات عدة ابرزها‎:‎
‎- ‎ان الحزب هو الطرف الاقوى، لذا فان "الدقَّ به وافتعال المواجهة معه" من شأنه ان يخيف الآخرين ويجعلهم ‏يعيدون مراجعة حساباتهم‎.‎
‎- ‎ان جنبلاط يدرك في عقله الباطني ان الحزب هو الأرفق به كونه أخذ قراراً منذ زمن بتجنّب فتح أي اشتباك معه ‏نظراً الى حاجته اليه، فضلاً عن ان الحزب هو الآن في موضع "المحشور" اقليمياً بفعل الضغوط الاميركية ‏المتصاعدة عليه وحاجته الى إبقاء جسور العلاقة قائمة مع كل الاطراف الداخليين‎.‎
ربما المدخل المباشر للاشتباك هو ترخيص وزير "حزب الله" السابق حسين الحاج حسن لمعمل الاسمنت في ‏الباروك والعائدة ملكيته الى الاخوين فتوش حليفَي الحزب التاريخيين. وهنا تُدرج المسألة في سياق الامر الواقع ‏الصعب الذي يشقّ عليه الارتضاء به لمحاذير عدة ابرزها‎:‎ ‎- ‎ان هناك تمدداً لآخرين في مناطق محسوبة عليه بالكامل‎.‎
‎- ‎وهناك ايضاً خطر مستقبلي كامن على معمل الترابة في الساحل الشوفي في سبلين، إذ ثمة احتمال كبير ان تتحول ‏شركات الإعمار والبناء في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لاحقاً لشراء حاجتها العالية من الاسمنت من معمل ‏الباروك لأكثر من سبب بدلاً من معمل سبلين كما هي الحال منذ اعوام‎.‎
وهنا يذكر البعض قصة الهجمات الشرسة التي كان جنبلاط يشنّها بعد عام 2005 على آل تاج الدين ومشاريعهم ‏الاعمارية الضخمة، والتي وصلت الى حد اتهامهم ببناء ما سمّاه "مستوطنات شيعية" على الطريق الساحلي وفي ‏حاصبيا وسواها. وعندما توقفت تلك الحملة الجنبلاطية فجأة، بحث البعض عن الاسباب فوجدوا ان آل تاج الدين ‏قرروا ابتياع جزء من حاجة مشاريعهم من الترابة والاسمنت من معمل سبلين، فانتهى الامر وكأن شيئاً لم يكن ‏وانعقدت علاقات صداقة بين الطرفين‎.‎
في أي حال، فان الاستنتاج الذي استقر عليه الحزب هو انه حدد منذ زمن ما يسميه "الدوافع الثلاثة" التي تحرك ‏جنبلاط وتتحكم بكل لعبته السياسية صعوداً او هبوطاً. ولكن ما لا يخفيه الحزب هو انه اختار هذه المرة ان يدير ‏الاذن الطرشاء لجنبلاط، لا ان يبادر كما هي العادة الى الوقوف على خاطره وليكن ما يكون، فليس من الضرورة ‏ان تكون عملية "مراضاة الخواطر ومراعاتها" هي السياسة الحكيمة والحصيفة دوماً‎.‎

مقالات المرتبطة