استقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، عند الخامسة من بعد ظهر الاربعاء في القصر الجمهوري في بعبدا، البطريرك الماروني بشارة الراعي، وعرض معه آخر التطورات على الساحة المحلية. وجرى التطرق خلال اللقاء الى مواقف البطريرك الأخيرة لا سيما التي وردت في عظتي الاحد الأخيرتين حول موضوع حياد لبنان.
البطريرك الراعي
وبعد اللقاء، ادلى البطريرك الراعي بتصريح الى الصحافيين، قال فيه: " تشرفت بزيارة فخامة رئيس الجمهورية، وانا اعتدت من وقت الى آخر ان نلتقي معا لنتباحث في كافة الشؤون التي تهمنا. ولقد تكلمنا في مواضيع عدة، ولكن يبدو ان ما يهمكم هو موضوع واحد يتعلق بالحياد والتحييد. انكم جميعا تتذكرون ان فخامة الرئيس تقدم بمشروع صوتت عليه الجمعية العامة للامم المتحدة لجعل لبنان مركزا لـ"اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار". وقد أشار فخامته في حينه، الى ان هذا الحوار والتلاقي لا يكونان بمجرد الكلام بل من خلال الأفعال. والقاعدة لذلك هي ان يكون لبنان حياديا كي يتمكن من ان يكون مكانا للحوار. وهذا الامر لا خلاف عليه مع فخامة الرئيس على الاطلاق. اما اذا كان لبنان غير حيادي، بمعنى ان يدخل اليه أي كان، فيما هو يسير في هذا الاتجاه او ذاك ، فهذا غير مقبول".
أضاف: "ما معنى الحياد؟ هو لا يعني ان اتنحى جانبا ولا اتعاطى بأي امر. بل المقصود الحياد الإيجابي المفيد والناشط، حيث ان لبنان اذا ما تمتع بنظام حيادي يشبه سويسرا والنمسا وفنلندا والسويد، فهو يلتزم بالقضايا العامة للعالم العربي من دون الدخول في شؤون الصراعات السياسية والعسكرية او في احلاف، لكنه يكون المدافع الأول والمعزز للعدالة والسلام والتفاهم في القضايا العربية والدولية. بالإضافة طبعا اننا نستثني دائما إسرائيل التي بيننا وبينها عداوة. ولبنان يحمل القضية الفلسطينية بكاملها لأنها قضية حقوق للفلسطينيين، كذلك الامر بالنسبة الى القضايا العربية المشتركة البعيدة عن الشؤون السياسية والعسكرية، فيكون لبنان المعزز لها. ولا ننسى ان لبنان كان طوال تاريخه يلعب دور الجسر الثقافي والحضاري والاجتماعي بين الشرق والغرب، بيننا وبين اوروبا. وقد حملنا تراث الشرق الى الغرب واتينا بتراث الغرب الى الشرق. هذا هو لبنان ودوره الذي لا يمكنه ان يقوم به اذا لم يكن حياديا".
وقال: "ان لبنان حيادي بطبيعته وانطلاقته، من دون ان يكون ذلك مدونا في نصوص. وعندما كان كذلك، يوم لم يكن يتدخل في الصراعات وفي الامور المحلية للدول، كان في الخمسينيات والستينيات يُعرف بسويسرا الشرق، حيث كان يتمتع بالنمو والبحبوحة، ما يعني ان تكوين لبنان في الاساس كان حياديا. ولا يجب اعتبار الحياد موجها ضد أحد على الاطلاق، بل هو لصالح جميع اللبنانيين، وجميع الفئات والأحزاب والمكونات اللبنانية لأنه يجلب الاستقرار السياسي الى الوطن. عندها يكون لدينا النمو الاقتصادي والتجاري والاجتماعي والمالي. وما من امر بامكانه انهاضنا من الوضع الذي نحن فيه اليوم بما فيه من ازمة اقتصادية الى جانب الفقر وغير ذلك الا الحياد. ولأننا نعيش هذه الفترة من الفقر والبطالة والحاجة، بات الباب مشرعا للجميع لكي يتدخلوا عندنا. ومع الأسف، هناك الكثير من التدخلات الخارجية من هنا وهناك، وهي تقوم بدفع الأموال لجماعات وتنشىء جمعيات لها، وكأن البلد اصبح سائبا. لا لبنان ليس سائبا. ونحن عندما نتكلم على الحياد، فهذا يعني ان هناك دولة قوية وجيش قوي، لأن من أولى شروط نظام الحياد ان تكون الدولة قادرة على حماية نفسها بنفسها اذا ما اعتدى احد عليها".
وختم: "هذه المفاهيم ليس حولها أي اشكال حولها مع فخامة الرئيس، وهو من اول المنادين بها. لذلك تحدثنا معا عن هذا الموضوع ثم انتقلنا الى مواضيع أخرى. وهذا ما أحببت قوله الى الرأي العام، لأن البعض اعتقد وكأننا نغني في اتجاه فيما رئيس الجمهورية هو في اتجاه آخر، لدرجة ان كثيرين قالوا ان هناك خلاف ما. ان الرئيس هو اول مُطالب بالحياد وفق المفاهيم التي شرحتها الآن".
حوار
ثم دار حوار بين البطريرك الراعي والصحافيين، وردا على سؤال حول ما اذا ستكون لديه لقاءات مع شخصيات مختلفة: أجاب: "هذا امر طبيعي. وأول ما قاله رئيس الجمهورية ان هذا الموضوع بحاجة الى ان يتم العمل في شأنه مع كافة المكونات، كي لا يشعر أي احد انه موجه ضده او هو مقصى عنه، وهذا امر أساس".
وسئل عن انه في عظته دعا الى فك الحصار عن الشرعية وتوجه الى الأمم المتحدة، وكأن بكركي تطلب تدخل الأمم المتحدة والدول الغربية في الشأن الداخلي، بما يشكل احراجا لرئيس الجمهورية"، فأجاب: " لا لا لا، لا يجب عليكم خلط هذه الأمور بعضها ببعض. لقد ناشدت فخامة رئيس الجمهورية، وهذه مساندة لفخامته، بأنه ليس من المسموح اليوم لهذه الفئة وتلك الا يهمها من لبنان الا مصالحها . وانا أتكلم هنا على كافة المكونات التي عندما تكون مصلحتها تسير مع الدولة، وعندما لا تكون مصلحتها كذلك فهي تقاطع الدولة. انا أقول الى فخامة الرئيس: انت الرئيس، فأمسك بالجميع. انا اقصد اذا سيادة القرار الحر وشرعية الدولة، حيث لا يفتح كل احد شرعيته على حسابه. وهم كثر وانا لا اعني فئة واحدة. وقد ناشدت الدول الصديقة لكي تكون الى جانبنا لكوننا نعيش ازمة اقتصادية كبرى، ولكي لا تبقى متفرجة علينا. واخيرا ناشدت الأمم المتحدة فقط في مساعدة لبنان على بلوغ نظام الحياد. من هنا فإن الأمور الثلاثة مختلفة عن بعضها البعض".
وردا على سؤال حول ما إذا كان طلب من رئيس الجمهورية ان يتحدث مع حزب الله بخصوص ما جاء في عظته، لا سيما وان كثيرين يوجهون اتهامات لحزب الله ، فأجاب: "بالعكس تماما، لقد اخبرت فخامة الرئيس ان كل الذين أتوا الي وفسروا هذا التفسير قلت لهم: انا اعني الجميع، كل احد على قدره. وسبق وقلت ان الكثيرين يسيرون مع الدولة عندما تكون مصالحهم كذلك، واذا لم يعجبهم الامر يقاطعون. لا يا جماعة. نحن في لبنان الولاء يجب ان يكون للبنان أولا وليس الى فلان او فلان، ولا الى هذا او ذاك من الأحزاب ولا الى هذه الدولة او تلك، لا، انا كنت اشد هنا الى جانب رئيس الجمهورية، هذا ما قلته له. ومن اتى الينا وفهم عكس ذلك، قلت له: لا، انا اقصدكم كلكم، لأنه ليس باستطاعتكم ان تسيروا وكل احد ولاؤه لنفسه او لجماعته. وكم من مرة قلت ان لدينا مشكلة في لبنان ان الولاء هو للزعيم او للحزب او للمصالح. فأين الولاء للبنان؟ هذا ما اقصده. ولقد ناشدت فخامة الرئيس لأنه الرئيس".
سئل: كلن يعني كلن؟
فأجاب: "في هذا الموضوع نعم، لكن بمقاييس مختلفة".
وسئل عن توقيت العظة الأولى وان من استقبلهم على اثرها هم من طرف واحد، فأجاب: "انا على الدوام في عظة الاحد، اعطي للمفهوم الروحي تطبيقا معينا، وفي كل مرة يكون التطبيق مختلفا. ولقد صادف الامر هكذا. فأنا لم اقم بحسابات معينة، ولم اكن ادري ان موضوع الحياد ستكون له ردة الفعل الكبيرة هذه. ومعنى ذلك ان الناس متشوقة لهذا الموضوع. انا طرحته هكذا، كي ادخل تطبيقا يجب ان أتكلم به. وقد تطرقت الى مواضيع متعددة لم تستجلب ردات فعل. هذا الموضوع اتى هكذا وقد ضمنته العظة من دون أي تفكير آخر او مسبق، و تفاجأت بردات الفعل الكبيرة حوله. عندها فهمت ان الشعب يعنيه هذا الموضوع. وفي الاحد التالي قمت بتوسيعه. وفي الاحد المقبل سوف اوسعه اكثر كي ابدد كافة التساؤلات التي هي ليست في محلها. اما بخصوص الاستقبالات، فأنا استقبل الجميع. وهم يأتون تباعا. بكركي مشرعة الأبواب الى كل انسان يريد ان يشرفنا. ويشرفنا ان نستقبل الجميع".
وعن إمكانية انشاء جبهة معارضة مدعومة من بكركي، أجاب: "ان بكركي لا تسير لا مع معارضة ولا مع موالاة. بكركي تتكلم في الشؤون الوطنية والمبادئ الوطنية. لذلك نحن لسنا مرتبطين بأحد. واذا ما ارتبطنا بالموالاة او بالمعارضة، فقدنا كلمتنا الحرة. نحن نريد ان تبقى كلمتنا حرة كي تخاطب جميع الناس".
وسئل كيف سيُترجم التوافق بينه وبين رئيس الجمهورية حول موضوع الحياد، قال: "كليا، كليا التفاهم كلي بيننا. غير ما يتكلم الاعلام من خلاف".
أضاف: "امر طبيعي ان يكون هذا التوافق، لأنه عندما نتكلم مع رئيس الجمهورية فأننا نتكلم مع رئاسة البلاد وليس مع أي كان. نحن دائما هكذا."
وعما اذا عاتبه الرئيس عون على كلامه، أجاب: "كان مسرورا جدا، يبدو انكم لا تعرفون الرئيس بعد".
رصد المحور