وجه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم كلمة إلى العسكريين، بمناسبة عيد الأمن العام الخامس والسبعين، جاء فيها:
"يحل العيد الخامس والسبعين للأمن العام، فيما الحزن العميق يترك ألما بالغا في صفوفنا جراء استشهاد ثلاثة من خيرة رجالنا، فضلا عن ثلاثة وعشرين أصيبوا بجروح مختلفة جراء الإنفجار الهائل الذي كاد أن يمحو العاصمة بيروت، وأودى بمئات القتلى وآلاف الجرحى، ومثلهم ممن اضطروا الى ترك بيوتهم التي تصدعت، ناهيكم بدمار نزل بآلاف الوحدات السكنية والشركات والمحال التجارية.
ما يزيد من شدة الألم ووقعه، ان الكارثة أصابت كلا منا بطريقة او بأخرى. هول ما حصل لا يمكن نسيانه أو تجاوزه لأجيال كثيرة. وسيبقى في عقولنا وضمائرنا ووجداننا إحتراما للشهداء الذين سقطوا.
الضرورة القصوى حاليا هي للتعاضد والتعاون وفقا لأرفع معايير الشفافية للنهوض من الفاجعة التي أصابت كل لبنان بلا استثناء. هي للتماسك الوطني في ظل تصدع أصاب من الدولة والمجتمع مقتلا، لا يمكن إنكاره في حال من الأحوال. من يحاول أن ينفي ذلك أو يقلل من حجم اهتزاز بناء الدولة، بعدما انكشف الأخير على سلسلة أزمات كلها ذات طبيعة وجودية كونها لامست حق العيش ذاته بدءا من الهواء النقي، وصولا إلى الإنفجار الرهيب وما بينهما من مآزق اقتصادية واجتماعية ومالية ونقدية وصحية، إنما هو شريك في كل ما أصاب وطننا.
لبنان ليس خطأ تاريخيا، ولا هو فائض جغرافي، بل دولة كاملة الأوصاف. هو دولة متميزة بأنبل شعب أصر دائما على العيش المشترك وأعطاه قيمة دستورية. مهمتنا اليوم أن نصون ونحصن دولتنا وشعبنا مترفعين عن صغائر تحاول العبث بوطننا. من أجل هذا أقسمنا على الوفاء والتضحية ذودا عن لبنان دولة وشعبا ومؤسسات.
يمر لبنان اليوم في ظروف حساسة جدا، تتضمن مخاطر عالية في ظل تتابع الأزمات وتراكمها. لكن الخروج من هذا النفق ليس عسيرا، وإن كان ينطوي على صعوبات. طالما كان لبنان اللبنانيين الحيويين والمبدعين والخلاقين. طالما كان لبنان اللبنانيين المؤمنين بقوة الإرادة، وبحب الحياة انتصارا على الموت.
نحن دولة قوية في التاريخ، بنا يؤرخ التاريخ، وبقدم حضارتنا يعرف العالم، وبأبجديتنا كتبت البشرية سيرتها. لذا فإن لبنان ليس أسطورة مختلقة، بل هو حقيقة ثابتة وساطعة. من بين كل الدول سجل القدرة الحقيقية على العيش بين متنوعين وذلك بقرار واع وصادق من شعبه الذي كان أقوى من كل الاحتلالات.
وحدنا في لبنان آمنا بحرية الفرد واعتقاده، فلم تكن دولتنا تفرض اعتقادا واحدا، بل كانت فضاء للحرية والتعبير والتنوع والتسامح، ومن خرج على هذه القيم وعنها، إنما لفظه التاريخ خارجا ليستمر لبنان كما يعرفه ويحبه العالم أجمع. تنوعنا كان نقيضا لكل عقل آحادي ضيق. ما نجح به لبنان في هذا السياق عجز عنه كثيرون. فكم من دولة كان يجمع شعبها الكثير من المشتركات ولم تفلح في الاستمرار.
في مناسبة مئوية إعلان لبنان الكبير، كلنا مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى التفكير والتبصر في عناصر القوة لحفظها والبناء عليها، وفي مكامن الاختلال التي تتهددنا حاليا مع تلك التي هددتنا سابقا للفظها مرة واحدة وأخيرة. لكن هذا لا ينفي على الإطلاق، أن ما حل بلبنان كان وراءه كل من قدم ذاته على وطنه، وفضل أهواءه على هويته الوطنية. لبنان يتمتع بتراث ديموقراطي وسياسي وفكري وثقافي قادر على بلورة مستقبل متطور وحديث. إنها مناسبة لتأكيد خيارنا الذي سيبقى دائما: نبني وطنا ينعم أبناؤه بالعدالة والحرية والحق الانساني".
رصد المحور