كتبت صحيفة " الاخبار " تقول : غلبت «الإيجابية» على الاستشارات النيابية غير المُلزمة لتأليف الحكومة، بعد أسابيع من المُناوشات بين القوى السياسية، ولا سيّما على جبهة التيار الوطني الحرّ - تيار المستقبل. فجأةً، الجميع يُريد «التوافق»... حول تقسيم الحُصص داخل الحكومة. فيما الأساس يكمن في إعلان كلّ فريق حقيقة موقفه من الإصلاحات المالية - النقدية: هل سيُضحّى مرّة جديدة بمصالح المواطنين والأملاك العامة لحساب أصحاب المصارف وحلفائهم السياسيين؟
أمّا وقد انتهت مرحلة التكليف، مع ما يُرافقها من مُشاورات نيابية غير مُلزمة لتَعرض الكُتل النيابية طلباتها في السوق، يُمكن العودة إلى النقطة الأساس في كلّ الحديث عن تأليف الحكومة الجديدة. الموقف المُطالبة به الكُتل النيابية الوازنة، ليس نزاعها حول «حصّتنا وحصّتهم» و«حقوق الطائفة» وغيره من العناوين التي لا تؤدّي سوى إلى السباحة في البُحيرة المُوحلة نفسها. فـ«القيمة» الحقيقية لكلّ النقاش تكمن في عَرض الكُتل صراحةً لبرامجها الاقتصادية - المالية، وكيف ستُقاتل لفرضها، إن كانت تُريد فعلاً إيجاد حلّ مُستدام، قوامه وضع استراتيجية حماية اجتماعية - اقتصادية، تُوفّر الأمان لكلّ الفئات المُتضرّرة من الانهيار، والبحث ليس فقط عن تعويم الاقتصاد، بل كيفية إعادة تحريك النموّ عبر رفد القدرات الاستهلاكية للمواطنين. كيف ستتعامل الحكومة الجديدة، برئاسة سعد الحريري، مع خيار صندوق النقد؟ وهل ستُمزّق خطّة التعافي المالي التي أقرّتها حكومة الرئيس حسّان دياب؟
مقالات مرتبطة
تهدئة من اليمن إلى سوريا والعراق ترخي بظلالها على بيروت: ولادة سريعة لحكومة «الأضداد»؟ ميسم رزق
الحريري: لنُحيّد كلّ اختلافاتنا السياسيّة ولنكن إيجابيّين (هيثم الموسوي)
في السنة المُنصرمة، قامت لأول مرّة حكومة لبنانية بتحديد المسؤوليات في الأزمة المالية والنقدية. عرضت الخسائر وأسبابها، ولا سيّما في القطاع المصرفي، مُقترحةً حلّاً لكيفية تسديدها. في الخطّة «إيجابيات» يُبنى عليها، ولو أنّها تضمنت «فخاخاً» عدّة، تُوجز بالـ«صندوقين»: برنامج مع صندوق النقد الدولي غير مضبوط، وإنشاء الصندوق السيادي لتشغيل أملاك الدولة وعقاراتها لتسديد جُزء من الخسائر. وعلى الرغم من مُشاركة كلّ «الحاضنة السياسية» لحكومة دياب، في وضع الخطّة، إلا أنّها عادت وضُربت من «بيت أبيها». قوى مثل حركة أمل وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، تُسقط «خطة التعافي المالي» من حساباتها، وكأنّها لم تكن. قوى أخرى، سمحت لبعض النافذين داخلها بأن يكونوا مطيّة لإسقاط الخطة، وتحديداً التيار الوطني الحرّ عبر النائب ابراهيم كنعان، الذي مثّل «خير حريص» على مصالح المصرف المركزي والمصارف التجارية في وجه مصالح المودعين واللبنانيين، مُشرّعاً أمامهم مجلس النواب، علماً بأنّه بعد فترة، عاد رئيس «التيار»، جبران باسيل لـ«يكتشف» خطأ إسقاط الخطة الحكومية من دون وُجود بديل لها. وبين الاثنين، يوجد فريق ثالث يُمثّله حزب الله. الأخير لم يُدافع علناً عن «التعافي المالي»، لكنّه عبر مُمثّله في لجنة «تقصّي الحقائق» النيابية، النائب علي فيّاض، كان الوحيد الذي دافع عن أرقام الخسائر الواردة فيها. بعد سنة من دفع البلد أكثر فأكثر نحو الانهيار، عبر رفض الخطّة وإقرار مشاريع القوانين المُرتبطة بها، ثمة فريقان فقط يُظهران «إيجابية» تجاهها: حزب الله والتيار الوطني الحرّ. التحدّي الرئيسي في الأيام المُقبلة يكمن في هذا الشقّ: ما هو المشروع الاقتصادي - المالي - النقدي؟ كيف ستُحدّد الخسائر؟ من سيلتزم تعويضها؟ هل ستُستخدم الممتلكات العامة؟كيف ستُحمى الفئات الاجتماعية؟ تحديد الموقف من هذه المسائل ليس «ترفاً»، فالبلاد أمام مُعضلة، وحلّها لا يتمّ عبر «فدائها» بحصّة من هنا، و«تعاون» من هناك.
ما يُعقّد الأمور أكثر، أنّه في ظلّ موازين القوى الحالية، يوجد صعوبة - أو شبه استحالة - للإتيان بحلّ ثالث، ما يضع البلاد أمام خيارَين فقط. الأول، عُبّر عنه بـ«خطة المصارف» التي وَجدت من يُهلّل لها في مجلس النواب، وفكرتها الرئيسية هي سلب أملاك الدولة ومؤسساتها، ووضعها في صندوق لاستخدامها في تغطية خسائر أصحاب المصارف - وليس تعويض أموال المودعين التي حوّل أصحاب المصارف جزءاً منها إلى أرباح لهم وبدّد مصرف لبنان جزءاً آخر منها - والسطو على جزء منها. هدف المصارف من ذلك، عدم استخدام أموالها الخاصة في إطفاء الخسائر، وعدم الدفع من الفوائد والأرباح التي جنتها لعشرات السنوات من الأموال العامة. والخيار الثاني هو الاتفاق على خطة مع صندوق النقد تكون مبنية على خطة «التعافي المالي» التي حدّدت الخسائر والمسؤولين عنها، وتحميل المُساهمين في المصارف مسؤولية تعويضها. لا يسلم هذا الخيار من السيئات أيضاً، ليس في ما خصّ اشتراط صندوق النقد تحرير سعر الصرف، فهو أصلاً مُحرّر حالياً، بل في إنشاء صندوق سيادي توضع فيه الأملاك العامة، والخصخصة، وفرض ضرائب على الاستهلاك. كلّ هذه السيئات تتضمّنها ورقة سعد الحريري التي قدّمها في تشرين الأول 2019، ووافقت عليها غالبية الكتل النيابية. الخطر يكمن في إعادة تعويمها بحُجج مختلفة. للمُفارقة، أنّ الجميع يتحدّث عن أهمية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قاعدة أنّه «فاتحة» الدولارات التي ستتدفق إلى البلد، ولكن تيار المستقبل - حركة أمل - التقدمي الاشتراكي - «جناح» داخل التيار الوطني الحرّ، يُدركون أنّ الجهات المانحة لن توافق على خطة إلا وفق الأرقام التي تضمنتها ورقة «التعافي المالي»، فكيف سيُوفقون بين مصالحهم وطلبات رُعاتهم الماليين، وبين «المجتمع الدولي»؟
حزب الله: لكلّ وزير حقيبة، وإلا حكومة من نحو 24 وزيراً
النقاشات في المجلس النيابي أمس لم تصل إلى هذه المسائل، رغم أولوياتها، بل كانت مُناسبةً للتبريكات، والتأكيد على «الإيجابية في التعاطي»، تبقى عبرتها في مفاوضات التشكيل. الأبرز كان لقاء كلّ من الحريري - باسيل مع وفد تكتّل «لبنان القوي»، بعد «المقاطعة» بينهما. فأعلن باسيل أنّهم «إيجابيون إلى أقصى الحدود، ويهمّنا تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن لتقوم بمهمة الإصلاحات المطلوبة. لدينا خوف أساسي بأن تتمكّن الحكومة من تنفيذ البرنامج الإصلاحي المُتّفق عليه، والوارد في المبادرة الفرنسية، ويبدأ بتنفيذ التحقيق الجنائي، باعتماد قانون لضبط التحويلات المالية، وبإجراءات فاعلة بمحاربة الفساد». بحسب باسيل، «لا نطرح أي مطلب أو شرط سوى أن تكون هناك معايير واضحة وواحدة محددة وموحدة ككل الأطراف وكل المكونات. نحن نطالب بأن تكون حكومة تكنوسياسية. سننتظر الأمر الذي سيعتمده الحريري بالاتفاق مع الرئيس ميشال عون حتى نقرر كيفية تعاطينا مع عملية التشكيل، دائماً بايجابية كبيرة وتعاون».
أما كُتلة «الوفاء للمقاومة»، فقد أعلن رئيسها النائب محمد رعد، أنّه «نصحنا بأن يكون لكلّ وزير حقيبة، وإلا نذهب إلى حكومة مُصغّرة... وأكّدنا أولويات تتعلّق بالمرحلة وخصوصاً بعد ارتفاع أعداد الإصابات بكورونا، في الوقت الذي ينبغي أن يُعزّز القطاع الصحي». وبعد انتهاء الاستشارات، أعلن الحريري أنّ الحكومة «ستكون حكومة اختصاصيين، لكي نقوم بالعمل السريع بحسب الورقة الإصلاحية الفرنسية وعلى أساس برنامج مع صندوق النقد»، مُقترحاً «أن نُحيّد كلّ اختلافاتنا السياسية ونكون إيجابيين لكي نستعيد الثقة بين المواطن والدولة أو بين الدولة والمجتمع الدولي».
صحيفة الاخبار