د. باسم عثمان
كاتب وباحث سياسي
يتطلع الشعب الفلسطيني إلى أن تكون نتائج الحوار الفلسطيني-الفلسطيني الأخير في القاهرة، بمستوى المسؤولية التاريخية والوطنية الواقعة على عاتق النخبة الفلسطينية المتحاورة، والمعنية بوضع الخطط الكفيلة واليات التنفيذ للخروج برؤية سياسية توافقية تستجيب لمتطلبات التحديات والمخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية داخليا وخارجيا.
لقد كان من الطبيعي والضرورة الوطنية ، واستجابة للأولويات والاحتياجات الفلسطينية، ولخصوصية الحالة الفلسطينية في سمات مرحلتها الراهنة، أن تجري الانتخابات تتويجًا لرؤية سياسية توافقية تستند على أسس الشراكة الوطنية والسياسية لمتطلبات الحالة الفلسطينية, وابرزها إنهاء الانقسام، والتوافق على استراتيجية وطنية كفيلة باستنهاض طاقات الشعب الفلسطينية وتمكينه من الصمود في وجه كل التحديات المفروضة عليه، وهذا لم يتم لأسباب أهمها عدم استجابة القوى المهيمنة على القرار الفلسطيني و"التمترس" خلف خياراتها الاحادية وتجاذباتها الإقليمية والدولية.
أما الآن، وقد أصبح التوجّه العام نحو إجراء الانتخابات أولًا، كمثل الذي "يضع العربة امام الحصان"، ويهتم "بالنتائج" دون معالجة مقدماتها ومداخلها, ويؤسس لسابقة إجرائية ممكن ان تكون مغامرة غير محسوبة النتائج, اذا تمت بمعزل عن الحل السياسي التوافقي ومرتكزاته الوطنية والسياسية, لذلك وفي هذا السياق, ودرءاً لكل المخاطر الغير محسوبة النتائج, لا بدّ من عمل كل ما يلزم وتحضيرا للحوارات الفلسطينية القادمة, من اجل التوافق على رؤية وطنية بخطوطها العريضة تستجيب بالحد الأدنى لمتطلبات التعبئة والنهوض الوطني الفلسطيني, وتستوفي شروط اللحمة الفلسطينية الداخلية, وتحكمها خطة تنفيذية في الميدان, لكي لا يكون إجراء الانتخابات مغامرة كبرى غير مضمونة النتائج, وهي ليست وسيلة لتقويم المسار السياسي, بل ممكن ان تكون اداة لتكريس الانقسام وتبعاته بغياب الحل السياسي والتنظيمي.
ولكي تُثمر الحوارات الفلسطينية القادمة، وينجح تحدي الانتخابات بنتائجه الوطنية المرجوة، لا بد لها من مناقشة وتحديد الهدف الوطني للمشروع الفلسطيني واليات إنجازه، مرجعيات القرار السياسي واشكال المقاومة، من خلال رؤية سياسية توافقية واضحة المعالم، وتشكيل حكومة انتقالية تشرف على الانتخابات وتوفّر شروط احترام نتائجها، وتمهّد الطريق لتشكيل حكومة ائتلاف وطني عام بغض النظر عن نتائج الانتخابات.
صحيح بأن للانتخابات وظيفة ديمقراطية واستحقاقات وطنية ودستورية, لها علاقة بحق المواطن باختيار ممثليه والذي كفلها القانون الأساسي, ولكن الأهم من ذلك يكمن في البعد الوطني لها, بما اننا نعيش في مرحلة تحرر وطني لها متطلباتها وروافعها, الأمر الذي يتطلب وضع الانتخابات في إطار الاشتباك مع كيان الاحتلال واعتبارها معركة وطنية بامتياز وخاصة في مدينة القدس, لتجديد التأكيد على موقف الشعب الفلسطيني الرافض لكافة الاجراءات الأحادية التي أقدمت عليها سلطات الاحتلال, بهدف تغيير الوضع القانوني للقدس وطمس هويتها الوطنية، كما يمثل تأكيد جديد أيضا على الموقف الفلسطيني الرافض للمواقف والاجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية باعتبار القدس عاصمة للاحتلال, وما تبعه من إجراء نقل السفارة الأمريكية إليها.
لقد كان لبيان القاهرة الأخير للحوار الفلسطيني من الناحية السياسية مؤشر هام وتطور جديد، وأن نصل الى تشكيل "مؤسسة" عبر الانتخابات شيء مهم وضرورة وطنية، خاصة بعد ما أصاب "المؤسسة القائمة" ما أصابها، فباتت هشة لا تقوى على المواجهة والقيادة، ولكن واقع الحال يكشف أن ثقافة الانقسام "عند البعض" لا يمكن أن تنتهي ببيان أو قرار فوقي، تحتاج لتعبئة وطنية وبأولوياتها من جديد، لما تمثله هذه الثقافة ومكوناتها و" دُعاتها" من الظاهرة الأكثر تهديدا للحالة الوطنية الفلسطينية.
الرؤية السياسية التوافقية لاجراء للانتخابات الفلسطينية:
- اعلان دولة فلسطين وفق قرار الأمم المتحدة 19/ 67 لعام 2012، والذي دعمه دوليا وبوضوح كامل قرار المحكمة الجنائية الدولية فبراير 2021، الذي حدد حدود الدولة الفلسطينية وسيادتها في الضفة وغزة والقدس الشرقية.
- الدعوة الى عقد مؤتمر دولي وبرعاية دولية, لحل الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي وفق قرارات المجتمع الدولي ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
- وقف كل اشكال الارتباط بكيان الاحتلال وسحب الاعتراف به، وانهاء المرحلة الانتقالية والتزامات أوسلو وتبعاته.
- دعم كل اشكال المقاومة والذي تكفله القرارات الدولية للأراضي المحتلة بالقوة.
- بحث قواعد الانتقال من السلطة الى الدولة خلال "مرحلة انتقالية" والعمل على ترسيخ قواعد الدولة وأسسها.
اليات العمل للحوار الفلسطيني المطلوب:
أولًا: مشاركة ممثلين عن مختلف القطاعات والتجمعات والكفاءات الفلسطينية والمستقلين من مختلف التجمعات الفلسطينية في الحوارات الفلسطينية القادمة، ولاتقتصر المشاركة على الفصائل الفلسطينية فقط.
ثانيًا: ان تشمل الحوارات الفلسطينية القادمة عددا من القضايا المحورية، ولا ينحصر الحوار بمستلزمات العملية الانتخابية واجراءاتها الشكلية فقط، لتعزيز التوافق على أسس الشراكة السياسية والوطنية التي تضمن مشاركة كل قوى وعناصر الحركة الوطنية الفلسطينية بمختلف مكوناتها.
خلاصة القول:
ان الحالة فلسطينية ومتطلباتها، بحاجة الى ثورة على وقائع وتفاصيل سياسات باتت مسيطرة على العقل القيادي الفلسطيني وفلسفته، تجاه مختلف قضايانا الأساسية والجوهرية، وبهذا السياق لابد من اعادة تموضع جديد في سياسة النخبة الفلسطينية وفلسفتها، فلسفة تقوم على ديمومة المقاومة وابتداع ادواتها والياتها، ونبذ “فن التكتيك” والمراوغة في احتراف العمل السياسي ودهاليزه، التي اصبحت تُثقل كاهل قضيتنا وتحملها ما لا يمكن احتماله.
إن المقاومة الشعبية بكل أشكالها النضالية، وتوفير مستلزمات الصمود للشعب الفلسطيني فوق ارضه في ظل قيادة وطنية موحدة، وتحت سقف القرار السياسي الوطني بالمجابهة الشاملة والميدانية، هي السُبُل التي من الممكن لها أن تدافع عن المصالح الوطنية، وهذه كلها تستدعي استراتيجية وطنية شاملة تغادر الرهان على الغير وخيارات التسوية العقيمة، وعلى ما يسمى بالتحالف الدولي المزعوم، والعمل على إحداث ميزان قوى جديد في الميدان، من شأنه هو وحده أن يضع المجتمع الدولي أمام وقائع جديدة لا يستطيع تجاهلها.
لو كانت الأرض الفلسطينية مشتعلة بالمقاومة والمقاطعة وصولًا إلى الانتفاضة الشعبية الشاملة، على أساس الوحدة وطنية والشراكة الحقيقية، لكان بمقدورنا أن نفرض على الجميع دون استثناء (إسرائيليا وإقليميا ودوليا) رؤيتنا الفلسطينية في انجاز حقوق قضيتنا الوطنية المشروعة.
بريد المحور