*مصطفى قطبي
دستورياً، وبعد أن أنجز الشعب الجزائري استحقاق انتخابات مجلس الشعب الوطني (مجلس النواب)،
أعلن مكتب الرئاسة في الجزائر، الأربعاء 07/07/2021، عن تشكيلة حكومة رئيس الوزراء المكلف أيمن بن عبد الرحمن. وجدير بالذكر، أنّ التشكيلة الجديدة للحكومة أبقت على وزيري المالية والطاقة، فيما حل رمطان لعمامرة وزيرا للشؤون الخارجية خلفا للوزير صبري بوقادوم. ويحيل هذا التعيين بتشكيل الحكومة الجديدة إلى جملة من الخلاصات والاستنتاجات التي يمكن لها الإضاءة على سياق اللحظة الداخلية الراهنة، بما تنطوي عليه من رهانات وتحديات، وبما تحمله من آفاق وتطلعات. وما من شك أن أمام رئيس الحكومة الجديدة، وفي أجندته الكثير من القضايا التي على جدول أعماله، سواء على صعيد تحقيق النمو الاقتصادي المرغوب والتنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، وتأمين فرص عمل للأعداد الهائلة من العاطلين عن العمل، وتحريك الركود الاقتصادي، والاستفادة من الموارد المتاحة هذا من جانب، ومن جانب آخر ضرورة العمل على تحسين القوة الشرائية من خلال ضبط الأسعار.
علينا الآن أن نؤمن بأن مفاهيم كثيرة قد تغيرت، ومعها الأسس التي كانت تبنى عليها مقومات ومقدرات الدول، ولم تعد الثروات الطبيعية العنصر الدافع للتطور والتقدم على أهميتها، بل غدت محركات، أهمها التي تستند في جزء مهم منها إلى التنمية الإدارية التي تختص في تنمية القدرات البشرية، الفكرية والجسدية، وتعتمد أسسها على محركات أهمها حكومة ذات مصداقية اقتصادية، تعمل بمرونة وتميّز، وقطاع خاص صادق منتمٍ لوطنه، عادل مؤمن بالجميع، وقطاع مشترك شبه حكومي ينافس محلياً القطاع الخاص، إضافة إلى قدرته على منافسة المحيط من الدول، حيث منها يبدأ النجاح... هذا التخطيط للفريق الاقتصادي الجديد يجعل مواطني الجزائر مؤمنين بأنّ حاضرهم آمن، ومستقبلهم مضمون، ولذلك على حكومة "أيمن بن عبد الرحمن" الجديدة، أن تكون مرنة متميزة ذات مصداقية، فهي قائدة السفينة التي تقود مجتمعها إلى برّ الأمان، وإن لم تكن على درجة عالية من الشفافية والمرونة والقدرة على فهم مكونات الدولة الجزائرية ومقدراتها وإدارتها، فإن كامل الجهود والإمكانات تذهب سدى، وفي هذه الحال تجد الناس يراوحون في المكان وسط فوضى اقتصادية وتنموية لا شبيه لها، فإن لم تسارع وتنهج لإيجاد الحلول واضعة جلّ جهودها في خدمة المجتمع، وتسخيرها لوصولهم إلى تحقيق طموحاتهم، ولو بالحد الأدنى، وإن لم تقدر على توظيف الذكاء الاصطناعي واستخدام التكنولوجيا الحديثة وتعميمها، فعليها الاعتراف بذلك، فإما الانسحاب، وإما تقديم منظومة الحلول المقنعة، لأنَّ أيَّ حكومة هدفها الرئيسي خدمة الشعب.
وهنا أقول لا لزوم للتذكير بأن المواطن الجزائري لا تعنيه الأرقام... فماذا تفيد المواطن الأرقام... وهو يلمس أسعار الخضر في ارتفاع، والحفر أمام بيته في تزايد، والعشوائيات يتقاسمها مع الحيوانات... هموم المواطن الجزائري سهلة وبسيطة: تعليم أولاده، صحة عائلته، مستقبل عمله وراتبه، وأولاً وأخيراً الأمن والأمان والاستقرار. فالحكومة الجديدة أداة لتنفيذ سياسة الدولة، وأهم لحمة لها هي العمل كفريق: تكامل الخبرات، وتضافر الإمكانيات، وتكافل الجهود، فأهم مركب كيماوي نستعمله في الحياة ''ملح الطعام'' هو مزيج لسمّين قاتلين، وأفضل السبائك هي من معادن مختلفة تأخذ السبيكة كل مزاياها، ولا ننسى ضمن تعريف فريق العمل: مجموعة من الوزراء، يعملون لتحقيق هدف واحد، ضمن سياسة معروفة، وهنالك تقييم للأداء، وهم يقدّرون الاختلافات ما بين بعضهم البعض، والنقطة التي تليها من حيث الأهمية أن الوقت لا يسمح بترف الفرص الضائعة، فالحلول إسعافية والشعب الجزائري في حالة ترقب وانتظار.
علينا أن نكون منصفين، أن الجزائر تواجه في هذه المرحلة تحديات جسام، مثل تفشي فيروس كورونا، والعجز التجاري نتيجة الضغوطات المالية بسبب انخفاض إيرادات النفط والغاز، المصدر الرئيسي للمالية العامة، لكن هذه الإكراهات المالية والاقتصادية...، يجب أن تكون دافعاً ومحفزا للحكومة الجديدة، حيث أنّ هناك آليات لهذه الحكومة لابد من تحقيقها، من خلال المعطيات تأتي في مقدمتها تحقيق المؤشرات المطلوبة لكل مرحلة زمنية، وأن يكون هناك رقابة ومتابعة دقيقة في هذا الإطار، لأن الوقت يمضي بسرعة، وهناك حالة من عدم اليقين حول متى سوف يختفي الفيروس وتبعاته في المجال الاقتصادي، كما أن أسعار النفط سوف تظل متذبذبة بعد أن دخلت هذه السلعة الاستراتيجية اللعبة السياسية للدول المنتجة الأكبر في العالم. إنّ مسألة تنويع الاقتصاد الجزائري لا يجب أن تبقى مجرد شعار مرفوع، فللأسف الجزائر البالغ عدد سكانها 45 مليون نسمة، لم تنجح حتى الآن في تنويع موارد اقتصادها بعيدا عن النفط والغاز رغم مساعي تطوير القطاعات الأخرى! لهذا لابد من مراجعة الأداء الاقتصادي، ومسألة التنويع هو أمر مهم، حيث لا يزال النفط والغاز يشكلان قاطرة الدخل الجزائري، ومن هنا فإن المنهجية في مسألة آليات التنويع الاقتصادي تحتاج إلى مراجعة شاملة، من خلال فكر متجدد واستغلال الموقع الاستراتيجي للجزائر، فوجود الاستقرار السياسي والموقع الفريد ليست كافية إذا لم يكن هناك منهجية صحيحة في السلوك الاقتصادي.
إن تجارب عدد من الدول، تتحدث عن تحول جذري في المنظومة الاقتصادية من خلال حزم وآليات وسرعة اتخاذ القرارات والبعد عن البيروقراطية والمركزية لتحقق تلك الدول مؤشرات كبيرة أصبحت بموجبها نمور اقتصادية يشار لها بالبنان، ومن هنا فإن التقليدية في أداء الحكومة الجديدة، لم يعد متماشيا مع آليات الاقتصاد الحديث. ولاشك أن خطاب الرئيس تبون، الذي انتخب في ديسمبر كانون الأول 2019، أكد مرارا أنه سينفذ إصلاحات سياسية واقتصادية. وأوضح بهذا الخصوص، أنّ معظم الإصلاحات المقررة تأجلت بسبب جائحة كورونا التي عمقت الأزمة في الجزائر وزادت وضعها المالي سوءا. وتتضمن خطط تبون بشكل أساسي تطوير القطاعات غير المتعلقة بالطاقة، ومنها الزراعة، إذ تستورد الجزائر معظم احتياجاتها الغذائية.
الأكيد أنّ الشعب الجزائري لا يريد من حكومة الوزير الأول ''أيمن بن عبد الرحمن'' أن تحقق المعجزات، إنما يطالبها بالوفاء بالاستحقاقات الداخلية والخارجية، على قاعدة التمسك بالثوابت الوطنية والعربية، والتعاطي بمرونة وواقعية مع متغيرات العصر الذي يعيشه المواطن الجزائري. فالجزائريون على اختلاف مشاربهم الاجتماعية وانتماءاتهم السياسية ينتظرون حلولاً لمشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية ويطمحون لقليل من القول ولكثير من الفعل، وهذا لن يتحقق إلا بحكومة مسكونة بالهمّ الوطني، ومستوعبة لكل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه البلاد، حكومة إقلاع وطني، بل حكومة إعلان حرب على الفساد والفوضى والتسيب واللامبالاة والرشوة، حكومة عنوانها ترسيخ سيادة القانون وبناء دولة المؤسسات.
النقطة الأخيرة هي غلاف لكل النقاط الواردة فيما تقدم، ومفادها أن علينا أن نميّز بين مطالب الحراك التي تبدو منطقية قابلة للتحقق ومطالب تعجيزية وغير منطقية التي يصعب أو حتى يستحيل تحققها. في نظرنا المتواضع، يجب أن تكون المطالب في هذه المرحلة الجديدة واضحة ودقيقة، وقابلة للتحقق، لابد أن نقول أن زمن الأحلام قد انتهى وبدأ زمن الحقيقة، والحقيقة تتطلب أن ننظر إلى الأمور بمنطقية بحتة، كما تتطلب الحقيقة أن يقال أن لا وجود للعصا السحرية التي يضرب بها ''أيمن بن عبد الرحمن'' الأرض فتخرج ما يريد، أو تخفي ما لا يريد. فميزان الاقتصاد الجزائري العام لم يبرح حتى الآن (قلقه) الميداني المرتبط بواقعين إقليمي ودولي غير مستقرين، فكيف له أن يلتفت إلى مطالب تعجيزية ! وكيف له أن يداوي أمراض الفقر والعوز الذي يضرب الأغلبية، ويستطيع أن يضمن أولويات تأمين الرغيف والخدمة العامة، في حين ينبغي له أن يعالج هنا أو هناك مشاكل طارئة فرضها تسارع الأحداث السياسية، ثم من يضمن أن لا يكون هناك من دخل على خط مطالب الحراك لمحاولة توظيفها لصالح أجندة خارجية عدوانية.
إن أحد المفاتيح الأساسية للنهوض الاقتصادي في الجزائر، اعتماد (فترة سماح) إن لم أقل تجميد نسبي للمطالب، إلى موعد مقبول، مع وجود إمكانية لتحمل هذا التجميد، وفي هذا السياق لا بعد أن تقوى النخب السياسية والثقافية والإعلامية، باتجاه اعتماد قائمة أسبقيات في المطالب الاقتصادية من خلال عقد اجتماعي جديد، قائم على أعراف ترى بأن تعافي الاقتصاد الجزائري مسؤولية الجميع، وأن من أخلاقيات التضامن الوطني (الشراكة) في الخسائر أيضاً... ولابد أن نقرّ، أنه إذا كانت هناك ثمة مطالب تتردد هنا وهناك فيمكن معالجتها داخل أطرها ومؤسساتها في دائرة الحوار الذي ندعو إليه، لأنه المكان الأنسب لإعادة النظر في هذه الأمور ومعالجتها على نحو يحفظ للجميع مصالحهم وحقوقهم بعيداً عن مظاهر الاحتجاجات والتظاهرات والانفعال والتجريح والقذف، الذي أخذ شكل موضة أو صرعة يقودها محرضون يقدمون أنفسهم على أنهم ناشطون ودعاة حقوقيون، ينبغي فهم أنهم يسوّقون لبضاعة بائرة لا رواج لها في المجتمع الجزائري، وغيرهم من المسكونين بوهم الإحيائية وأمجاد ماضيهم المزعوم. فاستقرار الجزائر إن تخلخل فلن يكون للجزائريين جميعاً نصيب في الدولة، لأن حداثة الشكل وهشاشة الأرض لن تفضي إلى غد أفضل، بل ستحوّل الجزائريين إلى غرباء في بلد عتيق الحضارة والتاريخ والمواقف الوطنية.
خلاصة الكلام: سياسة فتح القلوب والعقول هي ما يحتاجه الجزائريون، لأن الجزائر للجميع تحتاج أبناءها لتتقدم لا لتدمر، ويحتاجها أبناءها ليبقوا لا لأن يألفوا حياة اللا أمان. وللحقيقة فلابد أن ينظر المواطن الجزائري بتفاؤل إلى المستقبل، وإلى حزمة الإجراءات والقرارات التي تصب في مصلحة كل الجزائريين... لكن لابد أيضاً من التأكيد على أن المطلوب أن تكون سياسة الحكومة الجديدة متكاملة وتعكس برنامج الإصلاح الثوري الذي ينتظره الشعب الجزائري قاطبة، والذي سيشكل بوصلة الأداء في المرحلة الجديدة، لتحديد السياسة الاقتصادية للدولة والتوجهات الأساسية.
كاتب صحفي من المغرب.
بريد المحور