ثنائي الوصاية يريد تفجير لبنان
الاخبار _ابراهيم الامين
صار واضحاً جداً، الآن، أنّ التحالف الأميركي - السعودي يدفع لبنان الى انفجار داخلي كبير. وإذا كان انتخاب الرئيس جوزف عون غير كافٍ لنقل لبنان الى ضفة جديدة، فإنّ «ثنائي الوصاية» يسعى إلى تحويل تكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة إلى خطوة عملانية لإبعاد حزب الله أو المحسوبين عليه أو أيٍّ من حلفائه عن السلطة التنفيذية.
وكان الرئيس عون قد تنبّه الى الصعوبات قبل ساعات من انتخابه، وهو ما دفعه الى الموافقة على السير في تسوية تبقي الرئيس نجيب ميقاتي في رئاسة الحكومة حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة. لكنّ «ثنائي الوصاية» أصرّ على التقدم خطوة إضافية، فأسقط التسوية حول ميقاتي ودفع نحو تكليف شخصية قادرة على السير في الوجهة الجديدة، لتشكيل حكومة تحاكي هواجس الخارج التي لا تقف عند عتبة قصر بعبدا. فالمطلوب، أميركياً وسعودياً، هو جبي الأثمان من الحرب الإسرائيلية.
وهذا يتطلّب ضربات أقوى تحت الحزام، وتأليف حكومة ليس فيها حضور للمقاومة وحلفائها، بما يساعد خصوم حزب الله على حصد نتائج مختلفة في الانتخابات النيابية. وإذا كان تكليف سلام قد باغت حزب الله ومعه الرئيس نبيه بري، شعر رئيس المجلس بأن هناك من يريد إهانته شخصياً، وإظهاره بمظهر العاجز عن النطق باسم التمثيل الرسمي لغالبية الشيعة في لبنان. مع ذلك، قرر بري، بالتوافق مع حزب الله، مواجهة التحدّي بمرونة كبيرة تمثّلت في ما يعتبره «تنازلات تسهّل مهمة سلام».
من جانبه، أطلّ سلام على المسرح بوجهة تبدو مختلفة كثيراً عمّا كان قائماً منذ اتفاق الدوحة. وهو مهتمٌّ أساساً، ليس بالعودة الى ما قبل اتفاق الدوحة، بل بإعادة رسم خطوط حمر حول موقع رئاسة الحكومة.
وهو كان أكثر ميلاً الى صياغة حكومة لا تترك مجالاً للطعن بميثاقيّتها، لكنها لا تعكس التمثيل كما هو قائم الآن أو وفق ما أسفرت عنه الانتخابات النيابية الأخيرة. ولذلك، قرر اعتماد معايير جديدة، منطلقاً من اعتبار المعايير السابقة مجرّد أعراف غير منصوص عليها في الدستور. وهو لا ينفكّ يقول لسائليه إنه يعرف صعوبة الوضع في لبنان، لكنه يفترض أنّ التغيير يحتاج الى خطوة أولى، ويرى أن الفرصة ممكنة.
يصدف أنّ معايير الرئيس المكلّف تطابق مواصفات الثنائي
الأميركي – السعودي لاستثمار
الحرب الإسرائيلية على المقاومة
لكن، هل يدرك سلام ما الذي يحصل؟
سيكون من السذاجة اعتبار الرئيس المكلّف غائباً عن المعطيات المحلية والإقليمية والدولية. وتكفي مراجعة طريقته في تقييم المرشحين للمقاعد الوزارية، ليتبيّن أن الرجل الذي لم يعرف عنه أنه يقود حزباً أو مجموعة سياسية، وليست لديه مؤسسة يتّكل عليها في العمل، كان هناك من «يساعده» في فحص السير الذاتية للمرشحين.
وهو فحص لا يقتصر على مراجعة السيرة المهنية، بل يتجاوزه الى ما يمكن اعتباره «التثبّت من مطابقة الاسم للمواصفات التي يراها سلام مناسبة». ويصدف - إن أحسنّا الظنّ - أن هذه المواصفات مطابقة للمواصفات التي يريدها «ثنائي الوصاية». ولا يقتصر الأمر على الأسماء فقط، بل على توزيع الحقائب والحصص وإدارة التوازنات داخل الحكومة.
وللمراجعة يمكن الإشارة الى الآتي:
- يريد الأميركيون والسعوديون أن لا يتمثّل حزب الله مباشرة في الحكومة. وقد طلب سلام من الحزب، ليس فقط أن يكون المرشحون غير حزبيين، بل أن لا تكون هناك أيّ إشارات تشير إلى علاقة لهم بالحزب، وأضاف شروطاً تتعلق بموارد كفاءاتهم العلمية وأمكنة عملهم.
- يريد الأميركيون والسعوديون كسر احتكار ثنائي أمل وحزب الله للتمثيل الشيعي في الحكومة، وقد طلب سلام أن يكون لديه الحق في تسمية أحد الوزراء الشيعة الخمسة، مبرّراً ذلك بأنه معياره الجديد في التعامل مع كل الطوائف. وأضاف على ذلك طلب أن يختار هو الوزير الخامس وفق مواصفات - صودف أيضاً - أنها تطابق المطلوب أميركياً.
- يريد الأميركيون والسعوديون إبعاد التيار الوطني الحر عن السلطة. وقد صارح سلام النائب جبران باسيل بأنه لا يقدر على ضمّ أيّ وزير يمكن الإشارة إليه كعضو في التيار أو قريب من قيادته، وصولاً الى أن الرئيس المكلف هو من سيختار الأسماء من المرشحين مع مراعاة ألّا يغضب التيار. إلا أن ذلك لم يحصل.
إذ تصرف سلام بلامبالاة إزاء التيار الى حدّ دفعه الى إعلان عدم موافقته على ما اعتبر حصةً له. وفي هذه الحالة، يكون التيار هو من خرج من الحكومة. وبالتالي، يتحقق الهدف الأميركي - السعودي.
- يريد الأميركيون والسعوديون منح «القوات اللبنانية» موقعاً متقدماً في الحكومة. ولكن، لأن سلام ورئيس الجمهورية لا يعتقدان بأن «القوات» تستحق أن تعطى ما تريد، حصل تفاهم بين عون وسلام على إعداد تمثيل مع حقائب وأسماء، وأن يقال لـ«القوات» بأن هذه حصّتها. ومع إدارة سمير جعجع كل محركاته، وفّر له التدخل السعودي لمصلحته فرصة الادّعاء بأنه فاز بالحصة المسيحية الكبرى، لكن من دون القدرة على ادّعاء أنه هو من اختار أسماء المرشحين لتولّي الحقائب.
- يريد الأميركيون والسعوديون أن تكون بعض الحقائب الأساسية في الحكومة تحت نظرهم. وهم لا يبدون أيّ اعتراض على ياسين جابر في وزارة المال، ولا ينظر الأميركيون (تحديداً) الى جابر على أنه خصم أو خاضع لنفوذ حزب الله. كما يعتبر «ثنائي الوصاية» أن من سيشغلون حقائب الداخلية والخارجية والدفاع والطاقة والاتصالات هم من المحسوبين على تيارهم السياسي في لبنان، سواء كانوا من قوى سياسية أو من مجموعات كما هي حال مجموعة «كلنا ارادة».
عملياً، فإن صراع اللحظات الأخيرة حول الحكومة لن يشكّل فارقاً في أصل المشكلة، إلا إذا قرّر الجانبان الأميركي والسعودي ممارسة مستوى جديد من الضغوط على لبنان، من خلال ربط تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، أو حصول لبنان على أيّ نوع من المساعدات، بتلبية طلبات هذا الثنائي بالسير بحكومة «مطابقة للمواصفات» كالتي عبّرت عنها «السنفورة» الأميركية في بيروت، أمس.
صحيفة الاخبار