النهار-ابراهيم بيرم
ينفي حزب الله على لسان نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم، ان يكون قرر النزول الى الشارع احتجاجا على النهج المالي والاقتصادي الذي تختطّه الدولة واعتراضا على العقوبات المالية المفروضة عليه تباعا. لكن الحزب لا يوصد في الوقت عينه الباب تماما امام اللجوء الى مثل هذا الخيار "وفق الأطر المعروفة"، اذ يستطرد الشيخ قاسم قائلا: "ان الحزب اذا ما قرر اتخاذ خطوات سلبية من هذا النوع، فان هذا مرتبط بخطة نتابعها بشكل حثيث (...) ولا نستهدف أحداً في لبنان".
هذا الكلام الذي اطلقه الشخص الثاني في الحزب خلال الساعات الأخيرة لم يأتِ من فراغ، إنما أتى تعقيبا ضمنيا على كلام تداولته وسائط إعلام اعتادت ان تقدم نفسها على انها وثيقة الصلة بالحزب وبدوائر القرار فيه ومطّلعة على اسراره، وفحواه ان الحزب قرر اخيرا تنظيم تظاهرات في وجه المصارف كجزء من عملية رد منظمة على الاجراءات العقابية المالية ضده وضد بيئته. وأن يقول الحزب إنه يملك الجرأة على كشف الخطوات التي يقررها حيال اي أمر وليس مباحا لأحد النطق بلسان حاله، لا ينفي بالضرورة فرضية ان الحزب قد اكتملت لديه اخيرا خطة المواجهة للهجمة الشرسة التي بدأت في وجهه على اكثر من صعيد، واكثرها فجاجة العقوبات المالية المتصاعدة عليه من جانب الادارة الاميركية، وانه تالياً قد أطلق اشارة البدء بتنفيذ هذه الخطوات على نحو ممنهج ومنظم ودقيق.
العالِمون ببواطن الامور عند الحزب لا يستبعدون في المقابل فرضية ان الكلام المبهم المنسوب الى الحزب عن احتمال التظاهر ضد المصارف احتجاجا، هو بمثابة رسالة مشفّرة موجهة الى مَن يعنيهم الامر في الداخل والخارج على السواء، وهي رسالة وإن مرت بسلاسة وبالحد الادنى من ردود الفعل عليها، الا انها فعلت فعلها في الاوساط المعنية بها والموجهة اليها، خصوصا ان ثمة مَن يربط بينها وبين الخبر الذي أُذيع اخيرا عن اعتزام وفد من جمعية المصارف التوجه الى واشنطن في مهمة قيل إنها تنطوي على اكثر من هدف ذي صلة. وثمة مَن يرى ان هناك اكثر من رابط بين هذه الرسالة الصادرة للتو وبين خطوات نوعية اخرى شرعت بها قيادة الحزب خلال الايام الأخيرة، اذ بُعيد سريان هذه الرسالة أتى اللقاء المفاجئ بين الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله وبين رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل. وهو اللقاء الذي اطلق بعده الوزير باسيل فيضاً من المواقف الحادة التي استدعت سيلاً من ردود الفعل هزّت اركان المشهد السياسي الداخلي. ولم يمضِ وقت طويل حتى أتت ثانية المفاجآت، وتمثلت في اللقاء الذي عقده السيد نصرالله مع زعيم "تيار المردة" الوزير السابق سليمان فرنجيه، وهو الاول من نوعه منذ اكثر من ثلاثة اعوام.
البيانان اللذان صدرا عن إعلام الحزب اشارا الى ان محور هذين اللقاءين انما تركز على قضايا ترتبط بالتطورات الآنية، ولا سيما ما يتصل بالشأن الاقتصادي المالي وخطوات المواجهة للحيلولة دون اي انهيار. الا ان الواضح ان مثل هذا الامر، على بلاغته، لا يحتاج الى هذا النوع من التنسيق العالي المستوى، ما يعني ان للقاءين في هذه المرحلة اهدافاً ومقاصد اعمق واشمل، في مقدمها:
- "تسخين" الاجواء تحضيراً لمعركة الرئاسة الاولى، او على الاقل الايحاء بان زمام هذا الموضوع الشديد الحساسية معقود اللواء لجهة معينة دون سواها.
- اعطاء الاشارة الى من يعنيهم الامر بضرورة الاتفاق والتنسيق استعدادا لملاقاة المرحلة المقبلة، وتحديداً مرحلة ما بعد التطورات الاقليمية بدءاً باليمن مروراً بالعراق وصولاً الى الشمال السوري، حيث ثمة استنتاج بان رياح الامور انما تسير وفق ما تشتهيه سفن محور المقاومة والممانعة.
- فتح الباب بشكل اوسع واكثر جدية من ذي قبل على موضوع اعادة تفعيل التنسيق مع سوريا.
وسواء صحّت المعلومات والتحليلات التي سرت لاحقاً عن ان التوجه "الانقلابي" والصدامي الذي افصح عنه الوزير باسيل في اطلالته الاعلامية بذكرى 13 تشرين الاول الاحد الماضي، قد أتى بوحي من ذاك اللقاء الليلي مع السيد نصرالله ام لا، فالثابت ان الذين هم في خارج محور المقاومة استشعروا "خطرا" ضمنيا واستشعروا أيضاً ان ثمة تحولاً يستدعي حراكاً ومواجهة واعتراضا. وقد تجلى ذلك اكثر ما يكون بالتظاهرة التي نظمها اخيرا الحزب التقدمي الاشتراكي والكلام الحاد الذي اطلقه احد وزرائه في ختام تلك التظاهرة.
وليس مستغربا ان المتابعين لردة الفعل تلك والتي تمثلت بهذا الحراك الاشتراكي في الشارع، قد توصلوا الى تقويم له فحواه الآتي:
- ان التحرك من اساسه مفتعل، ولا يتناسب اطلاقاً مع الشعار المرفوع وهو انه دفاع وقائي عن الحريات المهددة.
- ان هذا الحراك والنزول الى الشارع هو رد وقائي مبكر على اي استبعاد ممكن الحصول لاحقاً من معركة الرئاسة الاولى والتحضير لها.
- رفض مسبق لاجراءات مالية يمكن ان تتخذ قريبا تتصل بشكل اساسي بموضوع استيراد النفط والمحروقات.
وبصرف النظر عن هذا كله، فالواضح ان "التجربة الاولى" التي شرع بها الحزب و"التيار الوطني الحر" قد اعطت وفق تقويمهما الاوّلي ثمارها، اذ ان ردود فعل خصومهما ومعارضيهما ليست على المستوى المخيف الذي من شأنه عرقلة مسار او منع تحوّل.
صحيفة النهار